اغتراب مدينة: كيف نثق بالمؤتمنين على دمشق

21-10-2007

اغتراب مدينة: كيف نثق بالمؤتمنين على دمشق

لأنها دمشق القديمة كان للتعاطي مع أي من مفردات تاريخها وتراثها وعراقتها خصوصية لا ينكرها أحد ولذا كان الخوف والقلق المشروع رد فعلٍ طبيعي لكثير من المثقفين والمهتمين حين علموا بالبدء بمشروع تأهيل الشارع المستقيم محور سوق مدحت باشا في ضوء ما له من أهمية على مختلف المستويات فهو وكما يعلم الجميع العمود الفقري للمدينة القديمة ويطول المشروع تجديد الصرف الصحي و تهذيب النسيج العمراني للواجهات وتجديد الأسقف المعدنية الحالية وتأمين منافذ التهوية. يبلغ طول الشارع 1500 م وتقرر توزيع العمل على 4 مراحل.‏

لأنها أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ أدرجت دمشق على قائمة التراث العالمي منذ عام 1979 ووفقاً لليونيسكو فإن الأخطار الرئيسية التي تتهددها كما وردت في تقارير سابقة هي: الحالة السيئة للحفاظ عليها! تقنيات الحفاظ غير المناسبة! نقص في منطقة الحماية ! وغياب خطة لإدارة المدينة القديمة!‏

قبل مدة أعلن محافظ دمشق عزمه الأكيد على هدم شارع الملك فيصل وبمباركة السلطة الثقافية أيضاً ولولا معارضة المجتمع المحلي (سكان, جمعيات, معماريون, صحفيون...) وما تلاه من تدخل اليونيسكو لأصبح ذلك الشارع حطاماً! ولشهدنا أبراجاً إسمنتية تطاول عنان السماء بدلاً منه!! وفي آخر تقرير لبعثة لجنة التراث العالمي في دمشق (كانون الثاني 2007 أرسل للسلطات السورية) بينت اللجنة الآثار السلبية لذلك المشروع على ممتلكات دمشق التراثية والحاجة إلى إبلاغ لجنة التراث العالمي قبل تنفيذ مثل ذلك المشروع ثم أوفدت اللجنة كبير الخبراء في تخطيط المدن الحضرية وعضواً من السكرتارية إلى دمشق من 28 آذار حتى 2 نيسان 2007 وقد أكد الأضرار السلبية التي ستلحق بالقيمة التراثية والتاريخية للمنطقة وعلى المستويات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية أيضاً بل إن تلك المنطقة تشكل منطقة حماية طبيعية لممتلكات دمشق القديمة التراثية كما قالوا!!‏

وفي فصل آخر طالعنا في الصحف الرسمية أخباراً عن إلقاء القبض على عدد من مديري الخدمات في مدينة دمشق على خلفية تقاضيهم رشاوى لتمرير مخالفات وما زالت سبحة التوقيف متواصلة إلى ما قبل أيام وحسب الصحف المحلية دوماً !! إذاً ودون نية مسبقة باتهام أحد بل بدافع الحرص الشديد على ذاكرة وطن من الضياع وثمة مشروع ينفذ فيها نتساءل: هل ينبغي أن نمسك قلوبنا خوفاً على دمشق القديمة وثمة من يخشى من طمس معالم تاريخية أو حدوث تصدعات نتيجة الحفر لأعماق كبيرة وقبل هذا وذاك ثمة من يرى أن خبراتنا ليست كافية ولابد من الاستعانة بخبرات وتقنيات عالية المستوى ؟؟؟‏

المهندس أمجد الرز مدير دمشق القديمة قال : قامت جامعة البعث بدراسة المشروع وتنفذه الإنشاءات العسكرية وقد أنجزنا معها عقداً وهي بدورها قد تنجز عقوداً مع متعهدين ثانويين أما الجهة المشرفة فهي مديريتنا ومهندسونا (صرف صحي, مياه, كهرباء, هاتف, آثار) كلها في مجموعة واحدة وتحت إدارة واحدة. تبلغ القيمة التقديرية له بحدود 150 مليون ليرة ومدة التنفيذ 4 أشهر وهي مدة كافية إن لم تواجهنا صعوبات!! أما الصعوبة الرئيسية فهي العمق الأكبر للحفر في باب شرقي وقد انتهينا منه. تمكنا وبشكل مرعب من الوصول إلى الريغار الرئيسي على عمق 7-8 م وثقبه للوصول إلى البيتون القديم للصرف الصحي لتركيب أنابيب الصرف الجديد المصنوعة من البولي إيتيلين التي لا تسمح بالتسرب مطلقاً ومن 13 أيلول الساعة 9 ليلاً وحتى يوم الجمعة 14 منه الساعة 3 ظهراً تمكنا من حفر وإغلاق 6 أمتار فقط! هذه هي النقطة الأصعب, بعدئذ ستكون الأمور أسهل حيث تقل الأعماق تدريجياً لتصل إلى متر ونصف المتر فقط في باب الجابية مثلاً. نحن واثقون من أمر هام وهو أننا نحفر فوق خط الصرف الصحي القديم تماما ً وقد حفرناه مراراً من قبل لذا لسنا خائفين ولا أتوقع وجود آثار هناك فالشارع المستقيم موجود عبر كل المراحل بهذا الاسم ولا أعتقد أن أحداً بنى في الطريق. وجدنا طبقتي إسفلت وطبقة لبون ثم وصلنا التربة الهشة ولو كان هناك شيء لما وصلنا إليها!!. خبراتنا كافية لتنفيذ المشروع وقد سبق لنا تنفيذ مشروع مشابه في سوق الحميدية ولسنا بحاجة للخبرات الأجنبية. هناك خبير من مؤسسة (MUM) يتابع معنا وآخر من مؤسسة GTZ نحن نستشيرهما فقط.. هما يريا أن الأمور تسير بخير. بالنسبة لإمكانية العثور على آثار ! قد نجد في حوران أكثر مما نجد في دمشق القديمة ! ماذا سنجد؟ حجراً!! على كل حال سيتم توثيق كل شيء ونحن لن نوقف العمل إذ سنتابع في مكان آخر فلدينا أعمال أخرى كالواجهات , إذا حدثت تصدعات في بعض الأبنية خاصة في الأزقة الضيقة فإن الشركة المنفذة مسؤولة عن التدعيم والترميم هذا وفق العقد المبرم معها وهذا لن يحدث بسبب الحفر بل بسبب تشبعها بمياه الصرف الصحي تحت الأرض لأنه يمشي تحت البيوت فهو عبارة عن قناة قديمة. بالنسبة للمسح الاجتماعي الناس هنا يلاحقوننا للإسراع بتنفيذ الصرف الصحي نتيجة المعاناة التي يعيشونها فلدينا شفاطات تعمل على مدار ال 24 ساعة !‏

> وسألت الأستاذ الرز : هل أطلعتم السيدة حنان قصاب حسن أمين عام احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية على ما تنوون القيام به؟ هل شرحتم لها التفاصيل؟‏

>> لا علاقة للمشروع بالاحتفالية بل يعود تاريخه إلى 4 سنوات ماضية كدراسة وقد عرض للمناقصة العام الماضي 3 مرات وفشلت المناقصة إلى أن رست على الإنشاءات العسكرية وناقشنا معهم الأسعار وحللناها لأكثر من 3 أشهر فدمشق القديمة (بطيخة مسكرة) لا أحد يعلم ما قد يتم الكشف عنه !‏

> لماذا لم تطلعوا اليونيسكو على المشروع رغم أنها أوصت بأن أعمال البنى التحتية يجب أن تخطط وتنفذ تحت إشراف أركيولوجي عالي المستوى!!‏

>> لدينا خبير مقيم هنا لكننا لا نراه ولا يرانا ولا أدري السبب ! لعله يراجع مديرية الآثار ! اليونيسكو لم تقدم شيئاً لدمشق لا داخل السور ولا خارجه! دمشق تختنق ولا بد من إنجاز هذا المشروع!‏

> إن واحداً من أعضاء لجنة تقييم المشروع تحفظ وأبدى بعض الملاحظات ومنها: لاتوجد دراسة تفصيلية كاملة شاملة للأعمال المراد تنفيذها , المخططات غير كافية ولا يمكن استخدامها إلا في الدراسات النظرية, خبرة فريق العمل هل هي كافية لوضع مثل هذه الدراسة, هل يتفق المشروع مع المخطط التوجيهي لكامل المدينة؟‏

>>ليس هناك نص صريح في المشروع يطلب الاستعانة بجهة استشارية خبيرة متخصصة وقد ترك الأمر للإدارة وأعطيت حرية التصرف!‏

> لم تحدد مسؤولية كل من المتعهد والدارس والمشرف عن سوء التنفيذ ولم يتم تحميلهم شروط جزائية قاسية؟ احتمال سرقة أو طمس أو تشويه معالم عصور تاريخية قد تظهر تحت البنية التحتية!.....‏

>> معمارياً.. نحن لا نضيف أي جديد ولا نضيف على الواجهات وإذا كشفنا عن أقواس لم تكن مكشوفة نظهرها ونحافظ عليها ! نحن نزيل التشوهات الناتجة عن الإسمنت ونعيد الوزرة الحجرية ونرممها أما المهترئة فنستبدلها فقط إذاً ليس هناك أعمال معمارية ضخمة نقوم بها كل ما في الأمر كلس أبيض وأحجار , لقد تم رفع الوضع الراهن كما هو ونقوم برفع أسلاك الكهرباء والتشوهات وننظف الواجهات وفريق العمل بالكامل يتمتع بخبرة كافية! المشروع عادي وما من مشكلة سوى في الحفر ولا علاقة له بالمخطط التوجيهي وهو جزء من مشروع أكبر لاستبدال البنية التحتية لكامل المدينة ولاحقاً سيمنع المرور عنها وسننشئ كراجات حول المدينة القديمة للسيارات وسيسمح فقط للسيارات التي لا يتجاوز حجمها 3500 كغ من الدخول من التاسعة ليلاً وحتى التاسعة صباحاً لابد من إيقاف السير في المدينة القديمة بالكامل فطولها كلها 1500 م وعرضها 800 م ويمكن لأي شخص أن يقطعه سيراً على الأقدام. لا أدري لماذا يضخمون المشروع! لا نرى حاجة لاستشارات مدونة من جهات أجنبية فأهل مكة أدرى بشعابها ومع ذلك نقول دمشق بطيخة مغلقة ولكن أي ظهور لمعالم تاريخية سوف يوثق ثم إن خبراء مديرية الآثار متواجدون في الموقع. أنا متفائل! الأمر وما فيه أننا نزيل الصرف الصحي القديم ونستبدله بآخر جديد وسوف ننفذه خلال المدة المحددة إنشاء الله!‏

>> وبمراجعة السيد نظير عوض مدير دائرة آثار دمشق القديمة قال:‏

هذا واحد من أهم المشاريع في المدينة القديمة وهو محور هام جداً تاريخياً وأثرياً , هو ليس الشارع المستقيم الروماني القديم ولكنه يجاوره ويخترق المدينة بشكل طولاني من أولها إلى آخرها بمسافة 1500 م. ليس هناك أي تغيير أو إضافة على سوق مدحت باشا بل هو ككل أعمال الصيانة التي تجرى في المدن القديمة. لقد أعدّ المشروع بالتوازي بين دائرة الآثار ومكتب عنبر منذ بداية الدراسة. هناك مصور توجيهي تم وضعه بشكله الأولي يدور في المكاتب الهامة ليأخذ منحى التنفيذ ولكن مثل هذا المشروع لايمكن إيقافه أو تأجيله ريثما يصدر المخطط التوجيهي لأن المدينة بحاجة لمشاريع إنقاذية. إجمالاً هذه أعمال ليست خطرة إذا ما تم التقيد بالشروط والأنظمة الناظمة لكنها خطرة إن تم تجاوز ذلك. فيما يتعلق بخبرة الشركة المنفذة في مثل هذه المشاريع فليس لي دور في تقرير من سينفذ المشروع! منذ البداية قلنا بأنه مشروع هام ويستحق أن يتم بعقد بالتراضي مع مؤسسة معنية وكبيرة لها باع في مثل هذه التفاصيل , يحتاج المشروع إلى خبرة قوية وإلى معدات وإن لم يكن لدى الشركة المنفذة مثل هذه الخبرات فأعتقد أن في البلد خبرات كبيرة يمكن الاستعانة بها وهي تضاهي الخبرات الأجنبية التي تقيس على مدن قد لا تشبه مدينة دمشق. المشروع بسيط وليس بغاية التعقيد! عند إجراء عمليات الحفر لا بد من ضمانة فنية أولية لحالة البناء كي لا تسيء لها إنشائياً وهذا واضح والكل يدرك أهميته بما في ذلك الشركة المنفذة. أما التساؤل المطروح والأكثر أهمية: هل سنعثر على آثار هامة؟ يبدو ذلك طبيعياً ففي دمشق أينما تم الحفر نتوقع وجود أثر أو جزء من جدار أو ساكف حجري أو أرضيات قد تعود لفترات تاريخية مختلفة وقد اتفقنا على منح مديرية الآثار الوقت الكافي والمال والمعدات لتقوم بالتوثيق وفق نظام الضابطة في الحفاظ على الآثار. نحن معنيون عند ظهور أي شيء استثنائي وجميل لا يمكن التفريط به والحفاظ عليه وعلينا التعاطي مع هذه الأشياء كل في حينه إذ لا يمكننا الآن أن نقرر ما في باطن الأرض. نحن نتابع بشكل حثيث ويومي عمليات الحفر والصيانة وثمة تشاور دائم مع كل المعنيين للدفع بالمشروع واختصار الزمن والتعاطي مع المستجدات في حينها. بالطبع نحن لا نعيب على أحد غيرته على دمشق كونها مسجلة على قائمة التراث العالمي, لكن نعيب على من لا يعي حاجة هذه المدينة !‏

يتابع السيد عوض: أرفض رفضاً قاطعاً أن تتهم المؤسسات بأن الغاية من المشروع هي عملية تخريب! لدينا خبرات كافية ومن لديه غير ذلك فليدلي بدلوه وليقترح ما يجب اتخاذه ! نحترم كل الجهات الأجنبية ومرتبطون معها باتفاقيات ومواثيق لكنا نعمل هنا وفق شروط الضابطة وما من حاجة لاستشارة اليونيسكو ! لا تجاوز في هذا المشروع وهو لخدمة المدينة وانطلاقاً من مفهوم السيادة نحن لا نريد استشارة أجنبية ! وعرض على الكثير من الخبراء وبعضهم من اليونيسكو والتي لم تقدم لدمشق الشيء الكثير وما من مشاريع ترعاها. مثل هذه المشاريع مفيدة فقد تكشف لنا عن مشكلات غير مرئية لم تستطع الدراسات التنبؤ بها مثل التشققات أو التصدعات في البنية الإنشائية ونحن نقوم بترميمها ومعالجتها.‏

>> ثمة وجهة نظر أخرى قد تبدو أقرب إلى الأكاديمية عبر عنها الدكتور موفق دوغمان الأستاذ في كلية الهندسة المعمارية بجامعة دمشق وأحد المعنيين في دراسة المشروع منذ بداياته (وقد شغل ً منصب مدير دمشق القديمة حتى العام الماضي) فقال:‏

لا يمكن مناقشة موضوع كدمشق القديمة بداية مع من لا يعلم قيمتها وتاريخها ورصيدها الثقافي المحمول وهنا لا مجال لأن نتفاجأ بظهور شيء خلال الحفريات ففي العلم لا مكان للمفاجآت! قد تحدث ولكن بنسبة محدودة جداً أما أن نشبهها ببطيخة مغلقة فهذا مهزلة! مشروع تأهيل محور مدحت باشا مهم ولعدة اعتبارات فمن ناحية العمل الفني لا بد من تنفيذ العصب الرئيسي لنصل إلى كل الأعصاب الثانوية وبالتالي لهذا المحور أولوية ولابد من تنفيذه بمستوى عالٍ ليتم تخديم المحور بالكامل وهو أصلاً ذو أهمية تاريخية فهو الشارع المستقيم تقريباً وما زاد من أهميته الفعاليات الاقتصادية والسياحية والثقافية المتواجدة فيه فهو محط أنظار كثير من الأشخاص على المستويات كافة.‏

لا بد من النظر إلى مشاريع التأهيل في دمشق القديمة بخصوصية فلا يمكن تأهيل مناطق سكنية كما نؤهل مناطق تجارية ! لمشروع مدحت باشا بداية ونهاية أي أنه مشروع محدد واضح ليس فيه امتدادات معقدة وبوجود مشروع متكامل أصلاً للمدينة القديمة وبنيتها التحتية نستطيع البدء به إذ لا يمكننا إنجازه دون دراسة كاملة للمدينة ككل وإلاّ لما عرفنا المناسيب التي سنصل إليها, كل الخطط والمشاريع وضعت خلال وجودي في المدينة القديمة أما القول بأننا نحفر فوق خط صرف صحي قديم ما ينفي خطورة أعمال الحفر فأقول إنه عندما نفذ الصرف الصحي القديم لم تنجز أي أعمال لتوثيق طبقات الأرض! اليوم نحن نعي أهمية المدن القديمة بشكل أكبر. نعلم انه وفي كل دول العالم هناك مواكبة بين فرق التنقيب وفرق عمل البنى التحتية بل هناك ما هو أكثر فلو كانت الإمكانيات متاحة أكثر لاستخدمنا تقنيات عالية المستوى تنقب كل الطبقات قبل الحفر لكن ولأننا لا نستخدمها نؤكد ضرورة متابعة أعمال الحفر لحظة بلحظة فقد تكون هذه الحفريات أوسع من سابقتها وقد تكون أعمق لذا قد لا تتطابق مع خطوط الصرف القديمة!‏

يضيف د. دوغمان: كان من المفترض أن يكون مشروع مدحت باشا مشروعاً نموذجياً يمكن القياس عليه في بقية المناطق أو المدن القديمة الأخرى وهذه فرصة لن تتكرر قبل عشرات السنين وكنا قد أعددنا دفاتر شروط بكل التفاصيل فثمة بنية نسيج متهالك لسنوات طويلة بسبب الصرف الصحي تحت الأساسات وإهمال لعشرات السنين ! لابد من القيام بهذه الأعمال وبالتالي هناك أعباء يجب أن تتحملها المؤسسة الفنية! الموضوع ليس مستحيلاً فهناك مؤسسات تستطيع الحفر والتدعيم بشكل يحمي الناس ويؤمن لهم دخولهم وأطفالهم إلى المدارس وكذلك دخول سيارات الإسعاف وغير ذلك...‏

يجب أن تتوفر فرق عمل أوسع مما هو موجود حالياً ومتكاتفة بشكل أكبر وأن تقدم تقارير أسبوعية أو شهرية وبيانات لمجريات العمل في الموقع وهذا كله مفيد ليس لإنجاز هذا المشروع فقط بل لتعليم الأجيال القادمة و طلاب الآثار والمنقبين وكان علينا الاستفادة منها فهل هي عملياً تنفيذ خط صرف صحي فقط كما ننفذه في أي مكان آخر!؟ هناك مؤسسات تقوم بالعمل لا يمكننا تجاوزها فإذا كانت تقول بأن المراقبة وأعمال التوثيق كافية فكيف لنا نحن خارج المؤسسة أن نقول بأنه غير كاف! ومع ذلك أقول أنه غير كافٍ ولأسباب مختلفة إذ كان بإمكاننا القيام بأعمال توثيق دقيقة ومتابعة لصيقة لكل الأعمال وإنجاز ملف للمستقبل يخدمنا في تجنب أخطاء قد نقع فيها اليوم!‏

> وسألت الدكتور دوغمان: لماذا تحفظ أحد أعضاء تقييم المشروع عليه؟‏

>> نجم التحفظ عن عدة اعتبارات هي: هناك تخوف من تدمير الطبقات التاريخية في باطن الأرض, ثم لابد من وجود شركات متخصصة لها خبرة طويلة بمثل هذه المشاريع إضافة إلى ضرورة توفر آليات وأجهزة إشراف متكاملة تقوم بالعمل كما انه لابد من إشراف دولي وبذلك نكون قد أحطنا المشروع بعدة عوامل تساعد على إنجاحه ! ما تحقق من ذلك يبدو غير كاف وأمام كل ذلك نقول : لن نصل إلى مشروع مثالي يمكن تصنيفه كمشروع نموذجي نقيس عليه وكانت هذه إحدى أهداف المشروع في البداية. نحن أمام معادلة معقدة أن لا تتحقق هذه الظروف جميعاً لاعتبارات مالية أو عدم توافق مع الجهات الدولية أو عدم مشاركة واسعة هذا من جهة ومن جهة أخرى أن ننجز عملاً ونكتسب خبرة قد تكون مفيدة ولكن ليس بالمستوى المطلوب!‏

> ونسأل: هل يوجد بين أيدي المنفذين والمشرفين أو المتابعين مخططات تحليلية تقرأ التاريخ وتتعامل مع هذه المخططات على ارض الواقع قبل التنفيذ؟ أعطني مخططاً دقيقاً يقول أن في هذه المنطقة يوجد كذا وفي تلك كذا!! ويجب أن يكون المنسوب كذا ومنسوب المدينة الرومانية القديمة كذا!! أين هو ذلك المخطط؟ في هذا المشروع الأثري يلحق المنفذ وكان المفروض أن يسبقه فيجري (سونداج) ويحلل الطبقات ثم يعطي أمر الحفر بالآلية التي يقتنع بها وثمة خطأ فادح يحصل فالحفر يسبق عمل الأثري! في الطبقات العميقة تقدم التربة مدلولاً وليس شرطاً أن نكتشف مشيدة ما وهذا كلام خطير بمعنى أننا إن لم نجد مشيدة لانعتبر ذلك اكتشافا! هناك طبقات التربة والمكونات العضوية وأقنية المياه التقليدية التي كانت جارية وشبكة الصرف الصحي التقليدي وكان من شروط التنفيذ أن نوثق كل ذلك!‏

خلاصة القول (والكلام للسيد دوغمان) أنا مع تنفيذ المشروع ومشاريع التأهيل تأخذ دوماً بعين الاعتبار المجتمع المحلي ومقوماته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتشاركه في ذلك. إن نجاح المشروع مرهون بعدة أمور أهمها رفع كفاءة الجهاز الفني المشرف ومتابعته بشكل لصيق (نسمع قصصاً عن أمور كثيرة لا تنقل لمديرية الآثار وتنفذ مباشرة فدائماً يعتقدون أن المديرية عامل إعاقة وقد لايخاطبونها وهذه إشكالية خطيرة جداً!) ثم لابد أن يكون من يقوم بالتنفيذ والإشراف والهيكلية كلها أصحاب قرار فلا يعوق المشروع نتيجة خلاف فني أو مادي يؤثر على مسيرته الزمنية وثمة مسألة أخطر تكمن في الحرفيين الذين ينفذون العمل ففي غياب الحرفي المميز لن نصل المستوى المطلوب عبر عمال عاديين يقومون بالحفر والإنشاء وصب البيتون المسلح ثم يقومون بأعمال حرجة في هذه المدينة التاريخية ووعي العمالة بهذه المدينة وتاريخها أكثر من ضروري.‏

بعد العرض السابق لوجهات نظر مختلفة يمكن الوقوف عند بعض النقاط :نعلم أن للجهة المنفذة باعاً طويلاً في مشاريع إنشائية في المناطق الحديثة لكن خبرتها في العمل في المدن القديمة تقتصر على تجربة وحيدة لها وهو ما نفذته في حلب القديمة بمشاركة مؤسسة ألمانية (GTZ).‏

يقول السيد مدير الآثار بأن خبراتنا جيدة وذات مستوى عال, إلا أن التقرير النهائي لوحدة الادارة والدعم الإقليمي لبرنامج التراث الأوربي المتوسطي في نيسان 2006 يؤكد أننا بحاجة الى تنمية خبراتنا وأن على المديرية العامة للآثار والمتاحف أن تركز على التدريب الذي تقدمه المنظمات الدولية والاستفادة من المعدات التكنولوجية غير المتوفرة على المستوى المحلي.‏

أما مايخص المجتمع المحلي فيرى ذلك التقرير أن هذا المجتمع لايرحب بإحداث التراث الثقافي وليس لديه الوعي عن الفوائد الممكنة للاستثمارات الحاصلة في المناطق الموجودة فيها لذا يجب استشارتهم مسبقاً ليكونوا معنيين بشكل كامل في تخطيط الموقع وعملية الادارة وهذا لم يحدث في مشروع التأهيل.‏

ان القانون الموجود للآثار عام ويفتقر الى أنظمة تطبيقية وهذا يتطلب اشرافاً صحيحاً لتطبيق القانون (وفقا للتقرير).‏

إن اليونيسكو لايمكنها التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان ونحن من سعى لتسجيل مواقعنا على لائحة التراث العالمي ومانقوله عن مبدأ السيادة (غير الواقعي) قد يساعد اليونيسكو على الارتداد الى الوراء وعدم الاهتمام بنا .‏

ونسأل أخيراً لماذا يسوق تأهيل الشارع المستقيم تحت يافطة احتفالية دمشق للثقافة

سوزان إبراهيم

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...