استنفار إسرائيلي لمواجهة القرار الأوروبي حول القدس

07-12-2009

استنفار إسرائيلي لمواجهة القرار الأوروبي حول القدس

بعد أيام من تفاخر رئيس الحكومة الإسرائيلية بقرار «تعليق» البناء في المستوطنات أبلغ بنيامين نتنياهو أعضاء حكومته، يوم أمس، أن القرار لم يأت ليضع عقبات أمام البناء وإنما لخدمة مصالح واسعة لدولة إسرائيل. ويبدو أن جنوح نتنياهو للتكيف مع اليمين الاستيطاني في هذا الوقت بالذات جاء في أعقاب تصاعد الحملة الداخلية ضد القرار، والتي تشهد تظاهرة كبرى تنظمها قوى اليمين الاسرائيلي بعد غد الأربعاء المقبل لإسقاط «الكتاب الأبيض» لنتنياهو.
والمعروف أن «الكتاب الأبيض» هو نص قرار بريطاني صدر إثر الثورة الفلسطينية الكبرى في ثلاثينيات القرن الماضي، وقيد الهجرة اليهودية لفلسطين، التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني. وقد حارب اليهود هذا القرار وهم يعتبرون قرار حكومة نتنياهو بـ «تعليق» الاستيطان مشابها لقرار إصدار الكتاب الأبيض.
ويعتقد خبراء سياسيون إسرائيليون أن الصدامات التي جرت في عدد من المستوطنات لمنع تنفيذ قرار تجميد البناء ليس سوى تعبير عن حالة اليأس التي أصابت اليمين الاستيطاني. وفي نظر هؤلاء انه إذا كانت حكومة هي الأشد يمينية في تاريخ إسرائيل تجرؤ على اتخاذ قرار بتجميد البناء ولو موقتا وبشكل محدود فإن مصير المشروع الاستيطاني برمته، وخصوصا خارج الجدار الفاصل، في خطر.
وبدأ نتنياهو حملة لطمأنة حزبه وأحزاب اليمين إلى «حسن نياته» تجاه المشروع الاستيطاني. وقال لأعضاء الكنيست من حزبه التقاهم أمس في ديوانه ان «الليكود يقود الدولة في ظروف غير سهلة. ويمكن القول، ان الاستيطان سيتفكك وبالتالي ينبغي تفكيك الليكود. لكن ينبغي الفهم أن النية هي عكس ذلك تماما، ولهذا فإن وحدة الليكود بالغة الأهمية».
وأضاف نتنياهو أن «الأمر يتعلق بخطوة صعبة جدا له ولكل وزراء الليكود: «لكن في نهاية المطاف هذه خطوة لمرة واحدة ولوقت محدد، وهي خطوة تحمي المصالح الأشد أهمية لدولة إسرائيل. هناك مصاعب لا يمكن تجنبها نتيجة قرار المجلس الوزاري المصغر، وهناك مصاعب يمكن حلها. ولهذا السبب أنشأنا طاقما خاصا يضم الوزيرين (بيني) بيغن و(ايهود) باراك وسكرتير الحكومة (تسفي هاوزر)، من أجل إيجاد السبل للتخفيف على السكان (في المستوطنات) في فترة التجميد».
وقد طرح أعضاء الكنيست من الليكود على نتنياهو سلسلة اقتراحات لتسهيل العلاقة مع المستوطنين بينها تسريع إنشاء المؤسسات العامة، وخصوصا المؤسسات التعليمية وإدراج مستوطنات ضمن مناطق «الأولوية القومية». ورد نتنياهو على مطالب أعضاء حزبه قائلا: «اننا نعمل في واقع سياسي غير سهل، غير أن هدفنا هو التمسك وليس التنازل. ونحن نحاول قدر الإمكان المحافظة على ما لدينا خلافا للآخرين الراغبين في التنازل قدر الإمكان. وانطباعي من حواري مع وزراء الليكود ومع أعضاء الكنيست من الليكود، هو أن وحدتنا الداخلية قائمة وقوية».
وبحسب كلامه فإن «الناس يتألمون، لديهم موقف، ويمكن أن تقع خلافات، لكننا جميعا نؤمن بالمحافظة على وحدة الليكود. الليكود سيواصل القيادة. والمستوطنون هم طلائعيون في قلب الوطن اليهودي. ومن المهم ألا يتم عرضنا كرافضين للسلام وأن يفهم العالم من هم رافضو السلام ومن يريدونه. إن مستقبل يهودا والسامرة لن يتقرر إلا عبر المفاوضات».
وكان نتنياهو قد أبلغ وزراءه أن تعليق الاستيطان موقت وغير مرتبط بتقدم العملية السياسية. وأضاف أنه «إذا جاء أبو مازن بعد ثمانية شهور وقال (السلام الآن)، فإننا سنشرع بالبناء كما كانت الحال قبل ذلك. إن قرار الحكومة محدد زمنيا».
وطالب نتنياهو المستوطنين بالتصرف بحكمة وقال: «من المؤكد أن القرار غير سهل لا لرؤساء المستوطنين ولا حتى لنا. فالأمر يتعلق بأجزاء من الوطن، يتعلق بإخوة لنا، هم جزء منا ونحن جزء منهم».
وفي اجتماع طارئ عقد أمس الأول في مستوطنة عوفرا، دعا رئيس مجلس المستوطنات داني دايان الى المشاركة في التظاهرة ضد اوامر التجميد، التي ستجرى يوم الاربعاء في ميدان باريس امام مقر إقامة رئيس الحكومة.
وأشارت صحيفة «معاريف» إلى أنه جراء موجة المعارضة الحادة في صفوف اليمين لقرار تجميد الاستيطان، جرت مداولات أمنية بشأن الخوف من المس بكل من رئيس الوزراء ووزير الدفاع. وأضافت أن المؤسسة الأمنية ـ الجيش والشرطة والاستخبارات ـ استعدت مسبقا لاحتمال أن يؤدي إعلان نتنياهو تجميد البناء في المستوطنات الى موجة احتجاج من جانب المستوطنين وقادتهم.
ونقلت الصحيفة عن مصدر أمني كبير قوله ان هناك تخوفاً من أن تفهم المعارضة المؤطرة من جانب رؤساء المستوطنين، من جانب «اعشاب ضارة»، على أنها مصادقة على وضع الاصبع على الزناد. واستدركت قائلة ان اغتيال رئيس الحكومة ليس التخوف الوحيد في المؤسسة الأمنية. ففي قيادة المنطقة الوسطى تقرر فرض تعتيم كامل على حملة فرض تجميد البناء في ارجاء الضفة الغربية خشية أن تحاول محافل في اليمين المتطرف تنفيذ استفزازات عنيفة ضد مراقبي الادارة المدنية وشرطة اسرائيل.
وكان مستوطنون قد أقدموا على إحراق مخزنين وسيارتين وجرار زراعي تابعة لعائلة فلسطينية في قرية عينابوس قرب مدينة نابلس في الضفة الغربية فجر أمس. وقال صاحب المخزنين والسيارات نادر هاشم علان لإذاعة الجيش الإسرائيلي «لقد استيقظت عند الساعة الثانية فجرا ورأيت مستوطنين جاؤوا من مستوطنة يتسهار يضرمون النار في المخازن والسيارات وعندما صرخت نحوهم أخذوا يشتمونني وبعد ذلك غادروا المكان». وينظر المستوطنون والسلطات الإسرائيلية إلى هذه الأعمال التخريبية على أنها نشاط انتقامي ينفذه المستوطنون احتجاجا على قرار الحكومة الإسرائيلية بتعليق أعمال بناء جديدة في مستوطنات الضفة الغربية.
من جهة ثانية، تشهد الحكومة الإسرائيلية حالة من الاستنفار قبيل اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي المقرر اليوم في بروكسيل، والذي قد يعلن فيه الاتحاد موقفه المؤيد لتقسيم القدس المحتلة، وإعلان القسم الشرقي منها عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية. وذكرت صحيفة «هآرتس» أن نتنياهو أجرى سلسلة اتصالات هاتفية مع عدد من القادة الأوروبيين خلال الأيام الماضية بغية إقناعهم بعدم التصويت لصالح مشروع القرار الذي تقدمت به السويد ـ التي ترأس حاليا الاتحاد الأوروبي ـ في هذا الشأن.
وذكرت «هآرتس» أن نتنياهو هاتف يوم الخميس الماضي نظيره الاسباني خوسيه لويس ثاباتيرو، كما هاتف يوم الثلاثاء الماضي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محاولاً إقناعهما بمعارضة مشروع القرار السويدي. كذلك هاتف مستشار الأمن القومي الإسرائيلي عوزي أراد نظيريه الفرنسي جان دافيد لويت والبريطاني سيمون ماكدونالد لهذه الغاية، فيما تحدث وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بهذا الشأن خلال اجتماع في أثينا مع وزراء خارجية اسبانيا وبولندا وهنغاريا والتشيك، وقال لهم إن «السويد تحاول تمرير قرار صارم وأحادي الجانب بشكل سريع في الاتحاد الأوروبي، وأنا آمل أن يتم تعديل صيغة مشروع القرار».

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...