أمهات بلا زغاريد

23-03-2010

أمهات بلا زغاريد

خطيب بدلة:  أتذكر، وأنا أتهيأ للكتابة عن عيد الأم، مثلاً شعبياً قديماً كنت أسمعه من العم خليل بزارة، يقول: (أمّ الجبان طول عمرها ما زغردت!).
 مصدر هذا المثل أن العادة جرت في بلادنا على أن تقف أمُّ الرجل، وشقيقاتُه، وزوجته، على نسق، ويظللن أفواههن بأكفهن، ويزغردن له في المناسبات السعيدة، كأن يحصل، مثلاً، على شهادة الليسانس أو الدبلوم أو الماجستير أو الدكتوراه، أو يتزوج بامرأة فهيمة ومثقفة وبنت ناس أوادم، تشاركه حياته على الحلوة والمرة، وتساعده في تربية أولاده على نحو حسن،.. أو يقوم بفعل وطني كالدفاع عن الوطن، أو يقدم اختراعاً علمياً تستفيد منه الأجيال الحاضرة والقادمة، أو يؤلف كتاباً علمياً أو أدبياً أو موسيقياً يجذب إليه اهتمام الآخرين ومحبتهم.. أو يحصل على جائزة تشجيعية قيمتها أكبر من الجوائز التي أوقفها السيد وزير الثقافة بسبب ضآلة مبالغها!
فإذا كان حضرةُ جناب هذا الابن المحترم جباناً، لا يمتلك أي حس للمبادرة، غبياً، يسكت زمناً طويلاً ثم يقول (بع جمل!)، متخلفاً، لا يفكر بغير المهاترات والمشاحنات واللت والعجن، مستبداً، نزقاً، يَدُه والضرب، لا يقبل أي رأي آخر، وعقله- كما يقول السوريون- صَبّة بيتون! أو- كما يقول المصريون- جزمة قديمة،.. عاطلاً عن العمل يفتحُ يدَه لأمه وأخته وعماته مثل جرن حمام المحمودية بإدلب، طالباً منهن أن يزودنه بما يكفي لشراء (العَرَقات مع القضامات!) وتعبئة وحدات للموبايل، وشراء (فَشَك) للمسدس لكي (يقوص) في الأعراس!.. إذا كان هذا كله.. سترى هاتيك السيدات الفاضلات وقد ابتلعن زغاريدهن، وشكون بثهن وحزنهن إلى الله تعالى!
وأقرأ، قبل أيام قليلة من الاحتفال بعيد الأم، خبراً طريفاً عن رجل (ظريف) طعن زوجته وأمه بالسكين!.. وصحيح أن هاتين السيدتين المطعونتين قد بقيتا- كما ينص الخبر- على قيد الحياة، ولكنهما، ويا للبؤس، ستمضيان ما تبقى من عمريهما بلا زغاريد!
 إن المرأة العربية، أماً، أو أختاً، أو زوجة، ما تزال، بعد دخول القرن الحادي والعشرين، وللأسف، تُذبح من الوريد إلى الوريد، بداعي ما يسمونه "الشرف"! سواء أكانت الفعلة المنسوبة إليها مثبتة بالبينات والأدلة التي لا تخر الماء، أو كانت مجرد وشاية، يتضحُ، بعد الذبح، أنها حصلت نتيجة لـ (تقرير كيدي)!
 ولعل أغرب ما في هذه القضية أنهم لا يقتلونها وحدها، بل يتَّبعون معها مبدأ (التحميل) الذي كان يُـتَّـبَعُ في المؤسسة العامة الاستهلاكية على أيام أزمات نقص المواد التموينية في الثمانينات، حيث كانوا يشترطون على من يريد أن يشتري سكراً أو سمناً أو محارم ورقية أن يشتري معها صابوناً رديئاً، أو معكرونة منتهية الصلاحية، أو غيرها من المواد الغذائية عديمة النفع!
 وأنا أعني بـ (تحميل) قتل المرأة، بالضبط، أن يُقتل معها، مجازياً، شابٌّ من الأسرة ذاتها. فالأمر الشائع في مثل هذه القضية المرعبة أن يَختارَ القَتَلَةُ أحدَ إخوة البنت الصغار، ممن هم في سن يجهلون فيه الطريقة المثلى للإمساك بالسكين أثناء فرم الخيار (فما بالك أن يذبح.. أخته؟!)، ويعهدون إليه بهذه المهمة النبيلة! لكي يستفيدوا من كون القانون رحيماً بالأحداث، وعقوباته مخففة..
وبذلك نكون إنما تخلصنا من المرأة، وفي الوقت ذاته كسبنا مجرماً، ذا مستقبل إجرامي باهر، وفي سن مبكرة!
لو كان هؤلاء القَتَلَةُ (شرفاء) فعلاً، لما زعل منهم أحد، ولما بقيت في القلب حسرة. فالواحد منهم، بالرغم من كل هذا التزمت المعشش في شخصيته، حينما يكون في مجلس بين رفاقه، يتحدث بإسهاب منقطع النظير، ومهما تكن درجةُ وسامته وجاذبيته وفحولته منخفضة، عن غرامياته النسائية الكبرى، وغزواته الناجحة، واستبسال النساء بمختلف أعمارهن ودرجات جاذبيتهن لكسب رضاه! وأحياناً يذهب في العمق أكثر، فيحكي لجلاسه تفاصيل ما يجري معه أثناء غزواته الغرامية، وعمايله التي.. ما عملها عنتر!
تنويه:
لا يجوز، بطبيعة الحال، أن نجعل هذا الحديث عاماً، ولا بد لنا أن نذكر أن الكثيرين من الأبناء يحبون أمهاتهم، ويقدمون لهن ما يليق بهن من حب وعطاء، ويقومون بأعمال نافعة كثيرة تستدعي أن تزغرد الأمهات لأجلها بأعلى أصواتهن. وعلى كل حال هذا حديث آخر. 

المصدر: البعث

التعليقات

جميلٌ هذا الكلام ....جميل...تحية من القلب للكاتب. بارك الله بك!

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...