آباء يمارسون سياسة التمييز في بيتهم

22-02-2010

آباء يمارسون سياسة التمييز في بيتهم

تشتكي شيرين دوما أن والديها يميزون بينها وإخوتها، فتنعت والديها بالجناة وتعمم بأن العديد من الآباء يفضلون أبنائهم الذكور على بناتهم. شيرين تتشارك هذه المشاعر مع الكثيرات وربما الكثيرون. حاولتُ أن أُفسر لها بأن الأمر متعلق بمَّوروثنا عن التمييز بين الأولاد والبنات وإننا الأمة التي وأدت بناتها ومازالت تُمارس وحشية خِتانها, كانت تُفَضل الصمت حينما طلبت منها الحديث عن أشكال التمييز بينها وبين إخوتها
كان عليَّ أن انقشُ في تضاريس رفضها مجرى لدمعة قد تكشف عن المخبوء، كان عليَّ أن أعطيها لُغةً كي تُنهي اختيار صمتها، لم املكُ غيرها وتعاطفي الإنساني، أما هي فلم تملكُ غير الحيرة وأسئلة عن والديها وآباء يمارسون سلطة الأبوة ضمن تسلسل هرمي وتمايز أقبح من الطبقي, سألتها إن واجَهت والديها بحكمة التمييز بين الأبناء و تبادلت أطراف الحديث مع إخوتها، لم اسألها عن الآثار لأنها كانت واضحة كالجُرحِ لحظة النَّحرِ, ونتساءل هل إن الذين يشعرون ويعيشون حالة الغُبن والتَّمييز مع بقية الإخوة والأخوات بحاجة إلى علاج نفسي أم إن الآباء الذين يُمَّيزون ما بين أولادهم بحاجة لها، لأنهم وببساطة ليسوا بأسوياء وإنهم حمقى مع سَبقِ إصرارهم بالجهل ورصد مشاعر مجروحة و شظايا الروح لأبناء فقدوا حنان الوالدين.
ماذا يقول الآباء؟.
الآباء يرفعون الصوت ويقولون( لا يمكن التمييز مابين الأولاد، لأنهم كالفواكه ولِكُلُ واحد منهم مذاقه، إنهم مثل الزهور، وكل زهرة لها لونها وعطرها، بعض الأبناء يقولون لبعض الآباء والأمهات ( كذبتم وبأي جراحاتنا نحدثكم) قصة التمييز بين الأبناء أشبة برواية بلا ملامح لان أبطالها السلبيين قابعين خلف كواليس الحدث ولا نرى غير الأوجاع التي تتراجع بوعي إلى ما قبلها وفق التفسير الفرويدي هل هناك دوافع ومبررات حقيقية للتمييز؟ وهل هناك إمكانية الحديث عن الحلول بعد أن اتفق ضمناً الغالية المُطلقة من ضحاياه الحديث والاعتراف بما يتعرضون له؟ لان الحديث في الأمر إهانة للوالدين و إن القانون يرفض التدخل ولا يحميهم من أشكال التمييز التي تنحصر بشكل عام ضمن مجال الأسباب وهي:-
1- العلاقة:- وهي حالة التمييز الناتجة عن علاقة الأبناء بأحد الأبوين أو كيلهما، فمن المعلوم إن الغالبية المُطلقة من الرجال والنساء في مجتمعاتنا لا يتعاملون مع أبناء الزوجة من زوجها السابق أو أبناء الزوج من زوجته السابقة تعاملاً مساواتياً مع نظرائهم الذين يولدون في ظل الحياة الزوجية الجديدة، في مثل هذه العلاقة التي تشوبها حالة التمييز من قبل احد الوالدين لا يتردد الأبناء من وصف إخوة لهم بـ ( نصف شقيق)، فهل ينصفون معه أم يعطوه نصف المشاعر كما فعل احد الوالدين؟.
2- الجنس:- وهي حالة التمييز الناتجة عن جنس الأبناء، فالمجتمعات الذكورية، بقيًّمه وقوانينه يفرض مركزاً أشبه بالمقدس للأولاد مقابل الهامش العائلي للبنات، مركزية الأولاد وهامشية البنات في البيئة الأسرية يَخلقُ حالة التمييز على صعيد النظرة والتعامل وتوزيع الحقوق والواجبات ويبلغ ذروة التمييز حينما يولد الذكر بعد أن يسبقه عدد من الإناث.
3- التَسلسل:- الطفل الأول يمثل حالة خاصة للوالدين لأنه النتاج الملموس للحب والزواج، المكانة الذي يشغله يكون كبيراً إذا كان ذكراً، فالابن الأكبر يُعتبر وريث زعامة الأسرة والمسئول عن إدارة اقتصادها وتنظيم شئونها بعد الأب في مجتمعاتنا، له مكانة وسلطة مميزة عن البقية ويأتي بعده آخر الأطفال والذي يسمونه بآخر العنقود، بين الطفل الأول وآخر العنقود يعيش الآخرون حالة التهميش والتمييز حينما يكون الوالدين غير سويين.
4- التصور والتماثل: وهي حالة التمييز الناتجة عن تصور الوالدين بان احد الأبناء يتميز سلباً أو إيجاباً على صعيد السلوك والذكاء والمواصفات عن البقية، يظهر التمايز بشكله المُتخلف حينما يعلنا أمام الجميع بتصورهم هذا، أنه الأذكى أو الأجمل والأفضل أو إنها المشاكسة واللغم الذي ينسف البيت، هي ليست بمفردات يومية لوالدين غير أسوياء، هي حواجز يرسمونها بين الأبناء وقد تتحول إلى أسلاك شائكة تفصلهم لاحقاً تبلغ ذروة الوحشية حينما يعلن الوالدين إن المميز من الأبناء يماثل الأبوين، وهنا يتساءل في ذات تائهة البقية المُهمشة، إن كانوا ابناء أو بنات حقيقيين لهذا الوالدين.
5- الصدفة والتصادف:- وهي حالة التمييز الناتجة عن الولادات التي تُرافقها حَدَّث مأساوي، كوفاة الأب أو الأم أو تعرض الأسرة والعائلة لازمة اقتصادية أو اجتماعية. يصفونهم بالمنحوسين لدرجة فقدانهم الثقة بالنفس من خلال ربطهم العفوي والغير إرادي لكل حدث وحادثة بولادتهم أو بقاءهم في إطار الأسرة، يشعرون بأنهم يجرمون بحق العائلة وينظر الإخوة والأخوات إليهم بأنهم الأشرار و يجب التخلص منهم لإنهاء دوامة المشاكل ودورة النحس. التمايز الصُدَّفي يجعل الأبناء يشعرون بالجُرمِ، تلك هي الجريمة الكبرى لوالدين يمكن وصفهم مُجاملة بالحمقى.
مفردات سوية لغير الأسوياء
هل تَشعُر أو تَشعُرين بانجذاب لأحد الأبناء دون غيره؟ إن كان الأمر كذلك فلابد من مراجعة طبيب نفسي لأنكما غير أسوياء، قد يُحرجكما الأمر، ولكن إياكما أن تحملا احد بناتكم أو أبناءكم النتائج الكارثية لمرضكم، لا توجد وصفة جاهزة وكاملة لحالات المرض النفسي، ولكن الأمر بحاجة إلى محاولة جادة لان جريمة التمييز تتشابك وتخلف ضحايا وساديين، هل يصعب عليكما إظهار مساواة الحب بينهم؟ أم إن الاستماع والاهتمام المتساوي بينهم أمر لا يمكن تحقيقه؟ هل الابتسامة والمداعبة مع أطفالكم حكر لبعضهم ومنع وامتناع للآخرين أم إن الحديث معهم على انفراد جريمة وإهانتهم أمام الجميع شجاعة؟ لا تورثونهم العداوة، فهم من ذات النسل والرحم، ازرعوا بينهم الرحمة والمحبة لأنكما أنجبتموه في لحظة حب أو هكذا تقولون.


 لافا خالد

المصدر: الثرى

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...