دارالفنون تحتفي بالمسرحي فوازالساجر..حضور آثر رغم كل هذا الغياب!

20-05-2009

دارالفنون تحتفي بالمسرحي فوازالساجر..حضور آثر رغم كل هذا الغياب!

في الذكرى الحادية والعشرين لرحيل المخرج المسرحي فواز الساجر، شاءت دار الفنون في حي القنوات في دمشق، أن تستضيف الساجر على طريقتها.

حيث حضر الراحل الذي ترك أثراً كبيراً في المسرح عبر ذاكرة أصدقائه ومن خلال صوره والحديث عن آثاره.. تحية فواز في ذلك المساء ، كانت تحية لكهفه، لملجئه، لبيته، لمعبده، لمسرحه، لأنه حاضر بشخص رجل مضى .. في غيابه حضور عميق.. 
 هكذا خصصت الزاوية اليسرى في بهو الدار لمجموعة من صور الراحل، التي أحيطت بالشموع، ليصبح المكان وكأنه يقول مساء الخير.. مساء فواز الساجر... إذ لا فرق بينهما، لأن ما يجمعهما واحد، وهو الحب.. بهذه الكلمات بدأ المسرحي جمال منيّر أمسية فواز الساجر، تلاها عرض لمجموعة من الصور الأرشيفية للراحل على شاشة ضخمة أعدّتها الدار خصيصاً لهذه الأمسية، ثم ألقيت شهادات شارك فيها كل من: المخرج مانويل جيجي، والفنان أيمن زيدان، وفؤاد حسن، وعلي النوري، وابنة الراحل رفيف الساجر، والزميل حسن م. يوسف والكاتبة ريم حنا عن جواد الأسدي، وندى الحمصي، مقدمين شهادات عن الراحل المبدع وكلمات في رثائه، وشهادات لأدباء مسرحيين قيلت في عطائه وإبداعه وإسهامه في تأسيس نهضة مسرحية على مستوى الوطن العربي . ‏

تحدث بداية المخرج مانويل جيجي في كلمة ارتجالية قائلاً: فواز موجود إلى الآن، لأن هناك جزءاً منه في أي عرض، فالمبدع لا يموت بل يترك بصمة في الهواء مثلما قال عنه الصديق حسن م. يوسف سابقاً، وتطرق جيجي إلى مرحلة الصداقة التي جمعتهما معاً ثم تحدث عن شخصية الساجر قائلا: كان إنساناً صادقاً وعنيداً، وقوي الارادة والتصميم، وعندما يضع يديه مع الآخر يجب الوثوق به، وختم كلمته مشبهاً حياة المخرجين المسرحيين كالفراشة التي تدور حول النور، وهي تعرف أنها ستموت بعد لحظات. ‏

كلمة الفنان أيمن زيدان غلب عليها طابع الذكريات التي مر بها مع أستاذه الساجر خلال دراسته في المعهد فقال: كان لي الشرف أن أكون واحداً من طلابه في معهد الفنون المسرحي والتقينا بمسافات متباعدة ، لكن أود أن أقول بصدق إنني أحتاج صورة الساجر حتى أطل على روحي فقد تعلمت منه الإصرار على الحلم، فالحديث عنه كالحديث عن أواخر الحالمين، ثم علق الفنان زيدان على تجربة الساجر مع المسرح فوصفه بالمحارب الذي حارب على جبهات الثقافة، فكان المخرج، والمنظم لحركة المسرح، والمربي، والمعلم، مشيراً إلى أن أيامه لم تكن وردية، ومشاريعه واجهت تحديات، لكنها كانت مشاريع كبيرة ومعاصرة، وكل من شاهد آخرعروضه المسرحية كان يشعر بنفحة من الحزن، وإحساس الدفاع عن آخر صروح المسرح.. فالزمن الذي عاش فيه الساجر لم يكن كما كان يشتهي، أو كما كان يحلم. 
 ‏ فؤاد حسن تحدث في كلمته عن وقائع لقائه مع الساجر قائلاً: ‏ أود أن أتحدث عن وقائع تعلمتها من أستاذي الساجر قد تكون بسيطة، لكنها بالنسبة إلي تعني الكثير.. بعد عرض مسرحية (سكان الكهف) العرض الأول للساجر رأيت فتاة صغيرة تبكي، وحين التفت إلى الاتجاه الثاني رأيت عيوناً كعيني زرقاء اليمامة، وشعراً كشعر شمشون، وشوارب كشوارب كونفوشيوس، وملامح كملامح بوذا، كانت تلك الملامح لفواز الساجر، أدركت حينها أن بكاء طفلة بعد عرض مسرحي هو أكبر دليل على نجاح العمل الفني. ‏

أما الواقعة الثانية: في عام 1987 كنتُ أستاذاً معيداً مع الأستاذ الساجر وكان هناك طالبان في المعهد ماتوا على اثر حادث اختناق، بعد الحادث مباشرة كان أول سؤال يسأله الساجر هو هل تعرفون ما هو لون عيون أصدقائكم الذين ماتوا؟ وقتها ساد الصمت بيننا، ومنذ تلك اللحظة أصبحت كلما أنظر إلى شخص أنظر الى لون عينيه. ‏

ثم قرأ جمال منير شهادة علي النوري الذي اعتذر عن الحضور لأسباب اضطرارية جاء فيها: فواز الساجر هو أسطورة في الابداع المسرحي، حيث يملك سحراً خاصاً وقدرة عالية على التركيز، كنت أشعر من خلال علاقتي به بأنه يوظف جميع حواسه بعمله.. لقد عمل على تطور المسرح وكنت ألاحظ تميزه من عرض إلى آخر.. ‏

ابنة الراحل رفيف أشارت إلى أنه على الرغم من قساوة الموت والفقدان إلا أنها تعلمت من فقدان أبيها الكثير في كيفية رؤية الآخر، التعبير له عن الحب.. فليس أجمل من أن نستيقظ لنقول للشخص الذي بجانبنا بأننا نحبه.. وأضافت إن هذا اليوم الذي نجتمع فيه بعد مرور 21 عاماً على موت شخص هو دليل على أننا نحب بعضنا البعض. ‏

وجاءت الشهادات الشخصية مشحونة بالعواطف كالتي ذكرها الكاتب والصحفي والزميل حسن م. يوسف فقال في بداية كلمته: هو رجل يشبه الحياة لا الموت.. ولذلك آثر الزميل يوسف أن يقتنص من الذاكرة لقاءين مع صديقه الساجر، تحدث من خلالهما عن علاقته الحميمية مع فواز الإنسان، قائلاً: كان ذلك قبل شهر ونصف من وفاته عندما دعاني فواز إلى تناول الغداء في بيته، ولبيت الدعوة.. كان فواز يحب الأشياء المبتكرة والغريبة.. حينها كان في البلد اختراع اسمه (الهمبرغر)، وبينما كنا نستمع إلى اسطوانة موسيقية لفرقة تشيكية كان فواز يخترع الكيمياء (الهمبرغر) وعندما انتهى من تحضير أول قطعة أعطاني إياها فأكلتها، ثم أعطاني قطعة أخرى، وأكلتها ثم الثالثة وعندما سألته أين الغداء؟ قال هذا هو الغداء..! واتصل بي في اليوم الثاني ليعزمني قائلاً أمس لم يكن غداء، وعندما حضرت وجدت طنجرة فيها برغل فقال لي (أنتم الفلاحون لا يشبع بطنكم إلا البرغل فكل البرغل)..حينها أضاف الزميل حسن بأنه يعرف أناساً كثيرين لديهم نظرات مركبة تنتقل من حالة إلى حالة من الحنان إلى القسوة ومن الطيب إلى الخبث، منوهاً إلى أن نظرات فواز المركبة كانت كألوان قوس قزح تجمع فيها كل شيء (الحزن، الفرح، الخبث، المحبة..). 
 وغص الكاتب يوسف وهو يلوم نفسه على رحيل الساجر بعدما كان معه قبل ساعات من الأزمة القلبية التي أودت بحياته، قبل أن يتلو من قصاصة عثُر عليها بين أوراق المخرج فواز الساجر بعد رحيله قائلاً:«عصرنا هذا عصر الضيق، أكلنا ضيق ، شرابنا ضيق ، زينا ضيق ، مسكننا ضيق ، مرتبنا ضيق ، تفكيرنا ضيق ، عدلنا ضيق، أفقنا ضيق، مصيرنا ضيق، موتنا ضيق، قبرنا ضيق.. افتحوا الأبواب والنوافذ.. سيقتلنا الضيق! افتحوا الأرض والسماء، سيقتلنا الضيق، افتحوا الكون.. سيقتلنا الضيق! الضيق.. الضيق». ‏

كما قدمت شهادة للمخرج المسرحي جواد الأسدي، قرأتها الكاتبة ريم حنا، جاء فيها: فواز الساجر وسعد الله ونوس ..ووحشة مريبة لمدينة أطفأت الأنوار في حياتي، وأغلقت الأبواب، والبيوت، والضحكات، والحوارات.. الأعياد المسرحية، كلها ارتمت إلى الأبد دون عودة، ولم تعد دمشق، دمشقي رغم وجود فنانين وأدباء على درجة عالية من النبل والمعرفة والجمال، لكن لا أحد يعوض خسارة فواز الساجر وسعد الله ونوس. ‏

الفنانة ندى الحمصي قرأت شهادة للراحل سعد الله ونوس حيث قال ونوس سابقاً عن الساجر: مع مجيئه، ولدت الرؤية المسرحية في المسرح السوري.. إن الساجر حرر قدرة الممثل ونقل المسرح السوري من مرحلة الإخراج المنفذ إلى الإخراج المبدع. ‏

ثم تلاها عرض فيلم وثائقي عن الراحل فواز الساجر بعنوان «حياة رغم موت الآخرين»، وهو من إنتاج عام 1988، إخراج ثائر موسى الذي قدم للفيلم بكلمة مختصرة شرح فيها حيثيات إنتاج الفيلم، وأنه كان معداً ليعرض في ذكرى الأربعين للراحل، إلا أن ظروفاً خاصة لم تسمح بعرضه آنذاك.. تناول الفيلم صوراً للراحل الساجر ومقتطفات من أعماله المسرحية، فضلاًَ عن عدد من شهادات لكل من أبي الساجر الراحل، والكاتب المسرحي سعد الله ونوس، والكاتب المسرحي وليد إخلاصي، والفنان أيمن زيدان، وابنة الراحل، وزوجته فاطمة الضميراوي. ‏

‏ - فواز الساجر ولد في إحدى قرى منبج (شمال حلب) عام 1948 درس المسرح في موسكو وحاز درجة الدكتوراه في الإخراج المسرحي قبل رحيله بعامين وقدم عروضاً للمسرح الجامعي. ‏

أسس مع سعد الله ونوس العام 1977 «المسرح التجريبي» في دمشق وقدم معه أعمالاً عدة منها «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة»، و«سهرة مع أبي خليل القباني»، فيما أنتج له المسرح القومي مسرحية وحيدة هي «أهل الكهف»التي قدمها قبل أشهر من رحيله عام 1988.‏

هدى قدور

المصدر: تشرين

إقرأ أيضاً:

فواز الساجر... بصمة في الهواء يتنفسها المسرحيون

حقيقتان و«لو»..عن فواز الساجر في ذكرى رحيله

في ذكرى فواز الساجر: المبدع لا يموت بصمته كبصمة الهواء في حياتنا

اول احتفال على نطاق واسع في ذكرى رحيل المخرج السوري فواز الساجر

دار الفنون تعيد الحياة لفواز الساجر

eSyria: "الساجر".... في دار الفنون بعد 21 عاماً

العرب أون لاين: أصدقاء فواز الساجر ينعون المسرح السوري في ذكراه

جواد الأسدي: دمشق بيوت حنين لا يعود


 

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...