مديران لدار العجزة بحماة والعاملات يقلن أن اقطاعي طاغية يحكمهن

24-06-2007

مديران لدار العجزة بحماة والعاملات يقلن أن اقطاعي طاغية يحكمهن

الجمل ـ حماه ـ خلود حدق:هذا ما اتضح لي عندما زرت دار العجزة وذوي العاهات في حماة فبمجرد وصولي إلى الدار صادفت أحدهم وسألته عن المدير فطلب مني أن آتي معه ففعلت فأجلسني في غرفة وسألني: هل من خدمة ؟ فرديت عليه: أ حضرتك هو المدير، فأجاب: تقريبا، أنا المدير حاليا.
لم أرتح لأمر ما سمعته من تقريب و تبعيد ومع ذلك تابعت حديثي معه بأنني أرغب بالإطلاع على حال الدار وما تحتويه من نزلاء و الحديث مع بعضهم فرحب بالأمر وطلب مني أنتظر قليلا حتى ينهي النزلاء طعام الغداء ما هي إلا ثواني و إذ بصديقتي التي رافقتني بهذه الجولة على اعتبار أنها تعرف المكان ومن فيه تناديني لوتأخذني إلى غرفة مجاورة وتحدث أحدهم قائلة: هذه صديقتي صحفية تريد أن تدخل وتطلع على الأمر دون أن يزعجها احد. وإذ بهذا الشخص يقول بفصاحة ( لا مانع لكن بعد أن يجهز المكان )وقبل أن أناقشه بأنني لا ارغب بأي ترتيبات زائفة لأنني أريد أن أرى الحقائق على ارض الواقع سألت صديقتي : عفوا لم أتعرف على حضرته ؟ فعرفتني على حضرته قائلة : السيد ح .ب مدير الدار  فرديت بدهشة: لكنني قبل قليل كنت أتحدث مع مدير الدار و أبرزت له بطاقتي وأعلمته بما أريد ؟فرد السيد المدير : نعم كلانا حاليا مدراء للدار  حينها لمع في ذهني المثل الذي ذكرته آنفا وتأكدت أن الأيادي كثيرة في إدارة هذا الدار ومع ذلك لم أحكم على الطبخة إن كانت محروقة أم لا قبل أن أستوضح الأمور توجهت بعدها إلى المدير الأول إن صح التعبير ويدعى  ج . ع لأخذ منه بعض المعلومات عن الدار فقال:( تأسست الدار 1943م وقد قام بتأسيسها الشيخ سعيد النعسان حاليا تحتوي الدار على قسمين أحدهما للرجال وأخر للنساء وعدد النزلاء فيها حوالي 31 نزيل ونزيلة ويقوم على خدمتهم مجموعتين من العاملين إحداهما للذكور وأخرى للإناث إضافة إلى مقيمتين ومقيم في الفترة الليلية وهناك ممرضة منتدبة من مديرية الصحة للعناية بصحة النزلاء ونحن بدورنا نقدم لهم العناية التامة مئة بالمئة حيث أن الطعام يقدم لهم بمواعيد دقيقة ومحددة ومن ناحية النظافة فالعمال والعاملات  يقدمون العناية التامة بنظافة النزلاء يومين بالأسبوع ونحن في النهاية دار لها إمكانيات محدودة وأنا عندما قدمت إلى هذه الدار كمشرف على النظافة والطعام  وكان الحال غير ذلك فقمت بجميع هذه التحسينات والعناية بالنظافة والأكل الطيب فكل يوم يتنوع الطعام عن اليوم الذي قبله وفي أكثر الأحيان أقوم بالإشراف بنفسي على تحضير الطعام وبالنسبة لموارد المواد الغذائية نحن نعتمد 90% على أهل الخير الذين يقدمون في أغلب الأحيان ما نحتاجه من ملبس ومواد غذائية والخضروات واللحوم والفواكه و أحيانا يتبرعون بوجبات خاصة للنزلاء وبالنسبة للأجور التي نتقاضاها من النزلاء كانت سابقا إما مجانا أو أجور رمزية ولكنني منذ أن أتيت إلى دار العجزة لم أعفي احدا ولكن ضمن المستطاع لأننا نحتاج مصاريف كثيرة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل تقوم بإعطائنا مبلغا 25000 ل.س سنويا مع العلم أن مصاريفنا الشهرية تتراوح بين 100 و140 ألف سورية وهذا لأننا لا نقصر مع النزلاء بشيء وكل ما يحتاجونه موجودا )
فور خروجي إلى الصالة التي يرفه بها النزلاء عن أنفسهم لم ألحظ سوى نظراتهم ترمقني بعين من الاستغراب فالعديد منهم لا يأتيهم زوار من ذويهم سوى في الفترات المتباعدة وقبل أن أدخل إلى الغرف استوقفني وجود الحاجة أمينة على المقعد الموجود في الصالون فجلست بجانبها و توددت إليها واعتذرت منها كوني سأسألها عن سبب وجودها هنا لكنها هونت الأمر علي وبدأت بالحديث :(توفي زوجي ولم أرزق منه  أولادا وبعيدا عن التفاصيل كبرت في السن وتراجعت صحتي فجلست عند أخي فترة من الزمن على أمل أن يأخذ الله أمانته لكن بعد فترة لم تعد زوجته تتحملني فقام برمي في دار العجزة والحمد لله على كل شيء هذه قصتي )
لم تعرف الدمعة التي ذرفت من عينيها لتذكرها الأسى الذي مرت به سوى أن تسقط على وجنتيها وتدعوها إلى أن تدعو الله أن يرأف لحالها إن لم يرأف بها عباده أما أم أحمد فقد استقبلتني فور دخولي إلى غرفتها بالأحضان و أعربت أنها قد اشتاقت إلي كثيرا وتحبني كثيرا فباتت تسألني:( لم تأخرت علي أنا أحبك أكثر من كل الدنيا يا حبيبتي )
استغربت قليلا لكني قمت بالسلام عليها وتقبيلها وحدقت مليا بوجهها فمن حرارة سلامها خطر لي أنها تعرفني فعلا لكن الأمر غير ذلك فقد فقدت أم أحمد جزء من عقلها فهي تظن كل من تطأ قدمه الدار ولدها أو ابنتها أو ذويها قادمين لزيارتها .كانت الغرفة مقسمة إلى عدد من الأسرة يختلط نزلائها بين العجز وذوي العاهات وبعضهم كان من الصعب التحدث إليهم بسبب وضع إعاقتهم العقلية لم يكن سوى أم محمد سليمة العقل حيث كانت تترقبنا بنظرات خفية وهي تنتظر أن نأتي ونتكلم معها وكان السؤال الذي يهمنا حينها بعد السلام والكلام هو من أحضرك إلى هنا ؟
لم تتوان تلك السيدة على الرغم من أنها تعبة ومستلقية في فراشها على إجابتنا لكنها وضعت نصب عينيها الحفاظ على صورة أولادها وسمعتهم بين الناس فتبدأ حديثها قائلة:( في البداية كنت رافضة تماما فكرة القدوم إلى الدار لكن أولادي بدءوا يتكلموا أمامي على أن الدار مريحة ومسلية وهكذا لكن لم يجبرني أحد على شيء لكن ابني قال لي أن أجرب إذا أردت ولكي لا أقول أولادي وضعوني في الدار أحضروا لي لجنة من الدار إلى المنزل حتى أتعرف عليهم فارتحت للأمر ووافقت لكن ابني أكد علي مرة أخرى أن أجرب لمدة شهر واحد إذا لم ارتاح فسيخرجونني فورا )
وعندما سألناها إذا كان الجو أعجبها فعلا أم لا فأجابت :( الحمد لله ..... لكن أحس بالزهق في بعض الأحيان فأنا صحيح مريضة ومقعدة لكنني واعية ففي الغرفة لا يوجد من هو في وعي ممكن أن أتكلم معه )
أم محمد نزيلة منذ شهرين لديها ستة أولاد ومنذ دخولها الدار لم يأتي لزيارتها سوى واحد منهم ولمرة واحدة فقط فهل من الراجح أن يعود أحد منهم و يطيب خاطرها ويعود لضمها إلى العائلة التي انشقت عنها وهل تتوقع هي ذلك وهل ستذهب معهم إذا عرضوا عليها الأمر :( لا لا أذهب معهم بصراحة والكلام بيننا كل واحد من أولادي لديه زوجة تكفيه لا تفسح له المجال لأن يذكر أمه ومناها أن ينسى أمه إلى الأبد )
أما الدكتور محمد وهو طبيب بيطري فله حكاية أخرى لم يقصر في  قصها علينا على الرغم من الألم الذي تسببه له ذكرها مع انه لم ينساها ولو للحظة واحدة فيقول : بعد تخرجي من كلية الطب تزوجت من طبيبة وأنجبنا أطفالا كان عملي جيدا لكنها طلبت مني في أحد الأيام أن نسافر إلى السعودية مع العلم أن لا حاجة لنا بالسفر فأمورنا تمام والحمد لله لكنها ترجتني فقبلت شرط أن نبقى سنة واحدة فقط فقبلت وبعد أن سافرنا لم أجد شيئا جديدا من الناحية المادية فقررت العودة إلى سورية لم ترض هي عن العودة لكنني أجبرتها و بعد أن عدنا أصبت بتصلب لويحي مما أدى إلى شلل أطرافي السفلية لم تصدق زوجتي ذلك حتى رمتني في هذه الدار و أخذت أموالي وعندما تأتي لزيارتي وأطلب منها أن تخرجني من هنا تقول لي ستظل هنا رغما عنك كما جعلتني أترك عملي في السعودية رغما عني حتى أنها تمنع أولادي من زيارتي وعندما أطلب منها إحضارهم معها تفصح بأنها لا تريدهم أن يتعلقوا بي وتريدهم أن يكرهوني حتى تحرق قلبي عليهم )
إن أردنا أن نبحث في الأسباب فالأسباب عديدة ولكل عجوز أو نزيل في هذه قصة يخفيها في نفسه لكن يا ترى هل يلقى أولئك النزلاء ما يرجونه بعد أن تخلى عنهم ذويهم ما يحتاجونه من رعاية وأمان اطمئنان في الدارلم يلبث لهذا التساؤل أن يتبادر إلى ذهني حتى قمن العمالات بالإجابة عليه وكشف حقائق لا يجرؤ أحد من النزلاء الحديث عنها حيث لا حول لهم و لا قوة جل ما يتمنوه مكان يؤويهم بعد أن غدر بهم الزمن.
تجمعن العاملات حولي وبدأن بالحديث :( في البداية هل تتخيلي أن مثل هذا المكان الذي يجب أن يحيط نزلائه بالحنان يدير أموره شخص طاغية ) فتساءلت مستغربة:( من المدير ؟ ) فأجبن العملات:(  نعم الذي يدعي أنه مدير والذي ينعت نفسه بقوله أنا فلان بيك السلطان الأعظم سليل الإقطاعيين هذا الشخص سيء المعاملة بكل معنى الكلمة مع العاملين ومع العجزة فمثلا لا يتوان أن يخصم من أجورنا لأي سبب كان حتى ولو كان السبب أنه نادى لنا ولم نرد عليه في ذات اللحظة لأننا كنا نصلي إنه شخص معقد والدكتور رئيس الجمعية يرى أفعاله بعين ويتستر عليه بالأخرى ذلك فضلا عن الإطعام فعندما يتبرع أحدهم  بنوع من الطعام  للنزلاء ينتظر ثلاث أيام أو أكثر وبعدها يقدمه للعجائز أما نحن فأصبح المقيمون منا يشترون الطعام على حسابهم ومن راتبهم المتبقي بعد الحسومات التي يحسمها السيد المدير بسبب وبدون سبب إذا أراد أن يقدم لهم الطعام من طبخ الدار فإنه يستمتع بتخبيص الطعام وأصنافه فوق بعضه البعض دون أي مراعاة للحالة الصحية للنزلاء وإن كان أحدهم يضره تناول نوع معين من الطعام فلا بأس أن لا يأكلوا ابدا ااا حتى أنه في بعض الأحيان يتكلم بكلام نابي مع النزلاء ويضرب بعضهم البارحة قام بضرب ناصر العجوز الضرير حتى كاد يكسر عظامه رجل لا يخاف من الله ضرب رجلا ضريرا في السبعين من عمره دونما سبب يذكر )
وبناء على أفعال السيد الدير التي لا تعد ولا تحصى بدأت العاملات والمشرفات بتذكير بعضهن بما فعله لكي يتضح الأمر فاخذوا بنا إلى فتاة معاقة منغولية غير عدائية ولطيفة جدا لم تلبث أن رأتنا حتى قامت بإطلاعنا على دفاترها التي  تبرعت لها أحد السيدات بمبلغ ألف ليرة سورية شهريا قسط لانتسابها لجمعية الرجاء لذوي الاحتياجات الخاصة لتتعلم القراءة والكتابة لكن السيد "المدير" ما لبث أن حرمها من الذهاب إلى المدرسة بحجة أنها إن ذهبت أم لم تذهب لب تحصل على الدكتوارة والنقود التي تبرعت لها بها تلك السيدة من الأولى بها أن تعود إلى صندوق الجمعية فهم بحاجة لها أكثر وعندما سألناه إن كانت تعرف سبب عدم ذهابها على المدرسة أجابت بأن المدير قال لها أنها إذا ذهبت إلى المدرسة فسوف تضربها المدرسة ضربا مبرحا حتى خافت ولم تعد ترغب بالذهاب .عندما وصلت ‘إلى الدار كان السيد المدير يخبر أهل أحد النزيلات الجدد بنبأ هروبها من الدار وما هي إلا ساعات معدودة ضج خبر عودتها في أرجاء الدار
نيرمين شابة في العشرين من عمرها مصابة بالصرع بسبب وقوعها في سن الخمس سنوات من منزلها في الطابق الثالث إلى الأسفل فتشرح نرمين حالتها لنا قائلة: عندما تأتيني الحالة أخاف من اللون الأسود واجن إن رايته أمامي لم يعد احد يحتملني كان والدي يكبلني بالحديد من قدمي ويدي ويضربني بشدة بحجة أني مجنونة ويريد أن يربيني حتى لا أخرج من البيت وأفضحه حاول هو وأمي التخلص مني وعرضوا على أحدى قريباتي التكفل برعايتي ليتخلصوا مني لكن محاولاتهم باءت بالفشل فأمي التي أرضعتني لم تحويني حتى تحتويني زوجة عمي أو غيرها وجميعهم يكرهونني وكأن ما يحصل لي أمره بيدي فهربت وجئت إلى هنا هربا من ظلمهم لي) وعندما سألناها عن سبب هروبها عادت نرمين لتروي لنا الطرف الآخر للمأساة التي تعيشها كما غيرها من النزلاء ( السيد حسان أراد أن يعلمني القراءة الكتابة فدخلت إلى مكتبه لأريه ماذا كتبت فوبخني المدير وبدأ يتمتم بالكلام علي وجعل إحدى النزيلات والطباخة يسخرون مني وينعتونني بالمجنونة و أصبحوا يستهزئون بي ويقلدونني عندما تأتني الحالة لم اعد أريد أن أبقى هنا لكنني عدت  رغماً عني حيث لجأت إلى والدي فوبخني وطردني وقال لي إما أن أعود إلى الدار أو أبقى في الشارع فعدت مرغمة مهما يكن أفضل من الشارع ) تغرغرت الدمعة في عيون تلك الشابة لكنها عادت لتتمالك نفسها ونظرت إلي وقالت: (لا بأس سأظل أصلي وأدعي على كل من ظلمني).
ثمة شيء ناقص في الصورة التي تكونت لدينا عن هذه الدار ، بدءً من وجود مديران لها وليس انتهاءً بشكوى العاملات من أحدهما، وأياً كانت الحقيقة فيما إذا كانت العاملات يتجنين على أحد المدراء لأنه  متشدد معهن أو لأسباب أخرى تتصل بطبيعة العمل الوظيفي القائم على حياكة المؤمرات والنمائم والايقاع بفلان دون فلان حيث أنهن لم يردن على ذكر سوى مدير واحد وكأن الآخر معفي من مسؤولياته،  فإن الشيء الواضح أننا أمام مآساة إنسانية سببها غياب الرقابة والمتابعة رغم وجود خلل كبير في إدارة الدار ، فالمشكلة  الأساسية هي  في غياب وزراة الشؤون الاجتماعية والعمل  عما يجري في  جمعيات الرعاية ليس في حماه بل في كل بلادنا ، وللأسف أن هذا اهمال الوزراة وشح تبرعاتها وغياب رقابتها سوء إدارة  يدفع ثمنه العجزة وذوي الاحتياجات الخاصة الذين يدفعون باهظاً ثمن ظلم وأهمال المجتمع لينطبق عليهم المثل "فوق الموت عصة القبر"

 الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...