هل هذه حقاً روح نيلسون مانديلا التي يحبها الفلسطينيون؟!

20-05-2016

هل هذه حقاً روح نيلسون مانديلا التي يحبها الفلسطينيون؟!

الجمل ـ رمزي بارود ـ ترجمة وصال صالح: عندما علمت أن الفلسطينيين نصبوا تمثالاً لنيلسون مانديلا، الزعيم المناضل  ضد نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، انتابتني مشاعر مختلطة، من ناحية شعرت بسعادة عارمة للروابط والعلاقات الجلية بين نضالات الفلسطينيين وجنوب أفريقيا  لا سيما أن هذه العلاقات ترسخت  أكثر من أي وقت مضى، ومن ناحية أخرى راعني  رؤية  الأغنياء من الفلسطينين الفاسدين في رام الله وقد استفادوا من صورة مانديلا للحصول على رأس المال السياسي الذي هم بحاجة ماسة إليه.
ينتصب تمثال مانديلا البرونزي بطول ستة أمتار في الساحة الخاصة بنيلسون مانديلا  في حي الطيرة في رام الله، حيث مقر السلطة الفلسطينية، وهذه السلطة معروفة باستشراء الفساد السياسي والمالي في صفوفها، في بعض النواحي، فإن بقائها ضروري على حد سواء للطبقة  الفلسطينية الغنية وأيضاً للاحتلال العسكري للفلسطينيين، وبالتالي كان  من المؤسف حقاً أن نشهد مهزلة المسرح السياسي حيث أمثال رئيس السلطة الفلسطينية الذي يحكم بتفويض منتهية صلاحيته منذ فترة طويلة ، مع إزاحة الستار عن التمثال وسط احتفال حضره وزراؤه ودبلوماسيون أجانب، لقد قُدم التمثال كهدية  من مدينة جوهانسبرغ، وبلغت تكلفته 6 مليون راند  تم دفعها من قبل أهل تلك المدينة المحكومون برغبة متأصلة لتاريخ طويل من التضامن مع الفلسطينيين ورغبة متجذرة من الدم والدموع والصرخات المؤرقة من الألم والحرية، لذلك فالهدية تستحق الإعجاب كثيراً.
لكن مانديلا الذي يقف الآن منتصباً في رام الله تم دمجه مع  روح العصر في هذه المدينة، وخاصة الحي الغني السعيد بجوار الفلل البيضاء الحجرية الضخمة والسيارات الفارهة ، ربما كان يمكن لهذا النصب أن يحقق غايته المقصودة على نحو أكبر بكثير لو أنه نصب وسط غزة، المدينة الشاهدة على الإبادة الجماعية الجارية،أو في قلب جنين، المدينة المعروفة بشجاعتها ومعاناتها، أو في الخليل، في نابلس أو في خان يونس، رؤية المسؤولين ورجال الأعمال جنباً إلى جنب يتسابقون لأخذ مكان أمام الكاميرات تُشعرك بالدوار والغثيان وتجعل المناسبة إلى حد كبير تحمل طابع الخصوصية  والغرابة، إن النصب التذكاري في ساحة نيلسون مانديلا  في مدينة سانرتون، في جوهانسبرغ، مساوٍ من حيث اللاموقع ، لا سيما أنني كنت قد زرت المكان أكثر من مرة، وعلى الرغم من إعجابي الكبير بمانديلا إلا أنه فشل في تحريك مشاعري، رؤية الجو التجاري هناك  يشعرك  وكأن هناك محاولة لإعادة تعريف من هو مانديلا، من زعيم شعبي وسجين سابق  يفتخر بعلاقاته بالحزب الشيوعي إلى رمز عاجز، لذلك الشخص  الدافئ، الشخصية التي يكتنفها الغموض واللامنتمية لجذور التطرف، والأسوأ  من ذلك كله هو أن يجري الترويج له وكأنه نوع من البضائع داخل سوق الليبرالية الجديدة حيث القيم الثورية منبوذة وكل شيء للبيع، هذه هي الطريقة التي وصف فيها الموقع الالكتروني لمدينة ساندتون ساحة مانديلا: "الساحة هي مكان لأرقى المطاعم  في جنوب أفريقيا، الحصرية بالأزياء الراقية والمصممين المعروفين، ساحة مصممةعلى الطراز الأوروبي، ساحة نيلسون مانديلا تقدم الأناقة، الثقافة والسحر وكل ذلك تحت الشمس الأفريقية" مع ذلك فإن مانديلا الذي يجري الترويج له من قبل البعض في جنوب أفريقيا  ونظرائهم في فلسطين  يختلف جوهرياً عن مانديلا الذي يعرفه الكثير منا، الرجل الذي رحل في 5 كانون الأول من عام 2013، لكنه ترك بوضوح وراءه إرثين، واحد في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والأحياء الفقيرة  في جنوب أفريقيا والآخر يُباع للسياح المثقفين  الحضاريين والطبقة الفاسدة في رام الله.
لقد كان اسم "نيلسون مانديلا" الحاضر الرئيسي في عائلتي التي تعيش في مخيمات  اللجوء في غزة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي والتهديد المستمر للعنف، كنا نهرع إلى شاشات التلفزة كلما كان يذكر اسمه  في الأخبار، وأثناء ذلك كان خيرة الشباب في المعتقل يتعرضون للضرب والاعتقال وإطلاق النار خلال محاولتهم كتابة اسمه على الجدران المتآكلة في المساكن المتواضعة الحقيرة.
هذا هو مانديلا الذي يتذكره معظم الفلسطينيين بالكثير من العشق والإحترام  أما ذاك  الذي  ينتصب في رام الله ، وتم إزاحة الستار عنه من قبل أولئك الذين يتباهون ويتفاخرون "بالتنسيق الأمني" مع إسرائيل كما هوالحال في تعاونهم على تحطيم المقاومة وكسر شوكتها، يختلف كلياً  عن مانديلا، لأن  عباس وسلطته لا يجسدان روح مانديلا المناضل،سجين التحدي الزعيم الموحد، بطل حركة المقاطعة، في الواقع الحكومة الفلسطينية ممثلة بحكومة عباس غير المنتخبة في رام الله تعرضت أيضاً وبدعوة من المجتمع المدني الفلسطيني للمقاطعة ولسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها على غرار حركة المقاطعة في جنوب أفريقيا.
لقد أضاعت السلطة الفلسطينية أكثر من 20 عاماً من  المفاوضات العقيمة غير المجدية وتعاونت مع الإسرائيليين  وقسمت صفوف الفلسطينيين وتشارك بنشاط في قمع المقاومة الفلسطينية  في الضفة الغربية، ومع تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها بين الفلسطينين، فإن عباس يائس ويحاول تلفيق انتصارات وهمية  جوفاء مع الإصرار على تقديم نفسه كزعيم للقرار الوطني ،وعلى الرغم من كل الأدلة التي تثبت عكس ذلك، فإن الرابط بين جنوب أفيريقيا وفلسطين أكبر بكثير من مجرد التقاط صورة تذكارية في رام الله لرجال متأنقين تكراراً لسيناريوهات النفاق حول السلام والحرية، أجرؤ على القول أن هذه الروابط أكبر من مانديلا نفسه، بغض النظر عن أي إرث  يمكن أن يذكرنا به، إنها رابطة الدم الذي تعمد به الفقراء و الأبرياء ونضال الملايين من الأفارقة السود والعرب الفلسطينيين.
وكما يقول مانديلا: "نحن نعلم أن حريتنا ناقصة من دون حرية فلسطين" نأمل في يوم من الأيام أن يمثل تمثال مانديلا روح المقاومة في فلسطين وسوف يقف شامخاً وسط الشعب الذي دافع عن قضيته وأحبه كثيراً.


عن:counter punch

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...