بين الساقين أم بين الكتفين

15-10-2014

بين الساقين أم بين الكتفين

الجمل ـ بشار بشير: يمكننا أن نقسم أي إيديولوجيا ( بما فيها الأديان ) إلى قسمين : النظرية , و التطبيق . مثلاً الإيديولوجيا الشيوعية قسمها النظري هو أفكار ماركس وأنجلز والتطبيق هو الثورة البلشفية والإتحاد السوفييتي . الإيديولوجيات الدينية قسمها النظري هو الأفكار الإلهية التي تتمثل بالوحي والوصايا والصحف والألواح والكتب السماوية يضاف لهم في أحوال نادرة المخاطبة المباشرة. والتطبيق العملي هو المجتمعات التي تجعل علاقاتها الإجتماعية وقوانينها وأسس ثقافتها مستمدين من الأفكار الإلهية . لأكون أكثر تحديداً سأركز على الإسلام بإعتباره مثال على الإيديولوجيا الدينية . فالشق النظري للإسلام هو الوحي الإلهي المتمثل بالقرآن , يضاف له ( للشق النظري ) مادعي بالأحاديث القدسية , أما التطبيق فيبدا بالدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة ويمتد متشعباً في التاريخ حتى زمننا الحالي حيث رَفَعت راية تطبيق الإسلام دولة قائمة في منطقة الجزيرة العربية وتضم في جغرافيتها الدولة الإسلامية الأولى ( المدينة المنورة ) والرمز الإسلامي الأقدس ( الكعبة ) وتدعى هذه الدولة ( للمفارقة والغرابة ) المملكة السعودية .
في الإيديولوجيات البشرية يصح أن نرى فروقاً كبيرة مابين النظرية والتطبيق تصل لحد التعاكس أحياناً , فواضع النظرية هنا هو بشر محدود الإمكانات ومحدود الفهم للبشر الآخرين وأفكارهم ولكيفية تصرفهم ومحدود الإحاطة بالإحتمالات  والأهم أنه عديم المعرفة بالمستقبل وبما يمكن أن يحمله .
هل يصح أن نرى فروقاً كبيرة بين النظرية والتطبيق في الإيديولوجيات الدينية ؟ حيث واضع النظرية هو الإله العليم القدير الحكيم الواسع البديع ( البديع تعني من أبدع أي صنع شيئاً لم يأت به أحد من قبله , لذلك يقول سبحانه : بديع السموات والأرض * البقرة 117  ) لابد أن الله الكامل القدرة والعلم على معرفة تامة بالإنسان وبطريقة تفكيره وبإتجاه تطوره ( الإجتماعي والفكري ) وبما يحمله المستقبل له , وهو القادر بواسع علمه وحكمته على صياغة نظرية وخطاب لا يشت الإنسان عن فهمهما وتطبيقهما . أي أن الأمر في الإيديولوجيا الدينية جد مختلف عن الإيديولوجيا البشرية فالمُنظّران لا يتساويان ولا يمكن أو يصح أن يتساويا .
الغريب أن ما حصل دينياً يماثل ما حصل دنيوياً , لقد افترق التطبيق عن النظرية وإلى حد كبير في بعض الأحيان . وأنا هنا أريد أن أعرض وأحاكم وفي قليل من الحالات أحكم على التطبيق من حيث مدى تطابقه وقربه او بعده عن النظرية .
طبعاً النظرية المقصودة هنا هي النظرية الإسلامية التي وصلت وحياً لمحمد (ص)  متضمنةً شرع وقوانين وتعليمات وأخبار ونصائح و قصص , والتطبيق هو ما فهمه وعقله ونفذه المسلمون على مر الزمان .
على مدى عدة مقالات سأختار إما تصرفات او علاقات إجتماعية أو كتب , وسأقارب ما اخترت من زاوية جديدة تدرس مدى فهم المسلمين ومدى دقة  تطبيقهم للنظرية الإلهية التي بين أيديهم .
من الغريب تماماً أن الحالةالإسلامية أنتجت على مر الزمن والتاريخ أدمغة عملت على شرح وتطبيق النظرية الإلهية فجاء شرحها وتطبيقها ( في بعض الأحيان ) إما معاكساً أو مشوِّهاً لهذه النظرية والأغرب أن أحداً لم يُخطِّئ أو يناقش هؤلاء مهما كان خطؤهم فاقعاً، بالعكس لقد مُنح أكثر من عمِل في مجال تطبيق النظرية مرتبة القداسة رغم وجود شكوك في بعض الأحيان حول إنتاجهم تمثل في وضع نظرية  "الإسرائليات" لكن تطبيق هذه النظرية كان إنتقائياً جداً لدرجة أنها أصبحت سياسة أكثر مما هي علم .
بدون ترتيب تاريخي وبدون ترتيب من حيث الأهمية وبدون ترتيب يفصل ما بين التصرفات الإجتماعية وبين المؤلفات والكتب سأبدأ :
سعودي اسمه إبراهيم بن عبد العزيز اليحيى كتب كتيباً أسماه :الطريقة المثلى لإيصال خبر زواجك إلى زوجتك الأولى , قدم لهذا الكتيب فضيلة الشيخ الدكتور عبدالعزيز بن عبد الله الراجحي أستاذ مشارك في كلية أصول الدين  بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض.
أول ما لفت إنتباهي هو طريقة كتابة العنوان التي استُعمِل فيها خط بسيط وواضح أظنه الرقعة أو الديواني البسيط لكن الغريب هو تشكيل كل حروف العنوان رغم أن ولا كلمة فيه تحتمل معنى آخر يختلف بإختلاف التشكيل , لعله الإهتمام بالعنوان والتدقيق عليه , ربما لثرائه وأهمية موضوعه . ثم لفت إنتباهي "جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية "  وهل للجامعات دين ؟ وهل للعلم دين ؟ وهل هناك  فيزياء إسلامية تقابلها فيزياء مسيحية ؟ وهل هناك هندسة سنية تقابلها هندسة كاثوليكية ؟ ولم يلفت انتباهي أن يقدم لهكذا كتيب فضيلة شيخ دكتور أستاذ مشارك  ... .
لنتبع موضوع تعدد الزوجات في الإسلام الذي أباحته الآية الشهيرة : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعدلوا * النساء 3 .
قليلون هم من اهتموا بإيجاد الرابط ما بين اليتامى المذكورين في أول الآية وبين طيب النكاح مرة واثنتين حتى الأربع ربما الوحيد الذي اهتم بالموضوع ودرسه هو د. محمد شحرور في كتابه ( الكتاب والقرآن ) . أما ملك اليمين الوارد في آخر الآية فهو محل إهتمام يزيد أو ينقص حسب الظروف , وهذه الظروف قد حكمت بتجميد النقاش فيه حالياً  في أكثر المجتمعات الإسلامية بحجة أن الزمن والعلاقات الإجتماعية والقوانين الدولية قد تجاوزته . لا أعرف لماذا لا نعترف بأن تعدد الزوجات قد تجاوزه الزمن والعلاقات الإجتماعية أيضاً خاصة أن تعدد الزوجات  كتشريع فيه إشكال فالآية الأخرى التي تتحدث عن تعدد الزوجات تقول : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم *النساء 129 .
إذاً المُشَرع الذي ربط تعدد الزوجات بخوفين , الخوف من عدم القسط باليتامى , والخوف من عدم العدل (الذي يسحب الإباحة ) يعود هو نفسه ( أي المُشَرع ) ليقول وهو أصدق من قال : ولن تستطيعوا أن تعدلوا . لم ينشغل المسلمون كثيراً في الغوص في هذا الإشكال وأتبعوا عاطفتهم من جهة وسنة نبيهم (ص) من جهة أخرى وأباحوا التعدد الذي رغم كل شيء لم تستسغه  النساء وكان دائماً سبباً للمشاكل بين الرجل المتعدد الزيجات ونسائه مما أو صلنا ليخرج علينا  " إبراهيم اليحيى " بكتيبه . الذي يبدأه بتنبيه يقول فيه حرفياً :أنفي ما نسب إلي بهتاناً وزوراً بأني مؤلف كتاب ( ما يجوز وما لايجوز في نكاح العجوز ). لاأدري لما جعل الخطأ بنسبة الكتاب إليه يصبح بحجم البهتان والتزوير , لكانَ سكت و حاز على فخر تأليف الكتابين
لكي لا أبهت المؤلف ,هناك كتابين آخرين عملت على التأكد أنه لا علاقة لإبراهيم اليحيى بهما هما : "المباح في جهاد النكاح "  تأليف سماحة المفتي أبو الإيمان والناشر دار إشبيلية . و "الطريقة النبوية السليمة في نكاح المرأة والبهيمة "  تأليف فضيلة الشيخ العلامة أبو جعفر بن حذيفة الأنصاري عضو مجمع الملك فهد للقرآن الكريم والناشر هو المجمع نفسه .( لوكنا في غير هذا الزمن لأكدت أن هذه الكتب إما مزورة أو أنها عبارة عن مزحة وهي غير موجودة فعلاً لكننا في زمن فتاوي جهاد النكاح حيث لم يعد شيء يخضع للمنطق )
نعود لكتيبنا حيث يبدأ المؤلف المقدمة بقوله : (عن الرسول (ص) قال : استوصوا بالنساء خيراً) .                                                              هذه عبارة واضحة يطلب فيها الرسول (ص) من الرجال أن يحسنوا معاملة النساء ويعني الأم والأخت والبنت والقريبة وحتى المرأة الغريبة وبالتأكيد يضاف لهن الزوجة , لكن المؤلف وكثيرون من أمثاله فهموا أن الإحسان للنساء يكون بنكاحهم مثنى وثلاث ورباع ولا مانع من شراء بعض الإماء والإحسان لهن( نكحاً) بصفتهم ملك اليمين . 
ثم يبدا " المؤلف " بتعداد الأشخاص الذين يوجه لهم رسالته فيعد فيمن يعد : الأشخاص الذين يرغبون في التعدد لكن يخشون الوقوع في مشاكل لا آخر لها عند شيوع الخبر ووصوله للأولى . إذاً " المؤلف " ومن وراءه يعرفون أن التعدد يسبب  " مشاكل  لا آخر لها " لكن أحداً لا يسعى لإيجاد حل جذري لهذه المشاكل , هو فقط يقوم بإختراع طريقة تخفف من حرج الرجل الذي يريد إيصال خبر زواجه إلى زوجته تشجيعاً وتسهيلاً له لكي يستفيد من شرع الله مهما كان تأثير ذلك على زوجته الأولى وهي بالتأكيد من النساء  اللواتي وصينا بهن خيراً .
كذلك فالرسالة موجهة لمن يخشون من تفكك أُسَرهم إن هم عددوا , فحل الكاتب لهم مشكلتهم عبرتلقينهم الطريقة المناسبة لإيصال الخبر (لأنها أي طريقة إيصال الخبر كافية ووافية إن كانت ناجحة لتقي أسرهم من التفكك و التشتت ) يضاف لها حسب رأي الكاتب  بعض الأدعية مثل سؤال المولى التوفيق والسداد في الزيجة الثانية  . وهنا أريد أن أحلفكم أي ذهن مريض يفكر بهذه الطريقة , هو يعرف أنه يشجع على موضوع يسبب مشاكل قد تصل إلى درجة تفكك الأسرة ولكنه يصر على التشجيع عليه ويعتبر أن جزئية شكلية هي طريقة إيصال الخبر تعتبر أمر أساسي في تسهيل هذا الموضوع الشائك وفي محو آثاره الضارة والإشكالية . وتزيد الغرابة عندما سنرى الطرق التي عددها لإيصال خبر الزواج : فواحدة تقول بأن يقدم الزوج هدية لزوجته وأن يخبرها بما حصل وهي تفتحها !! والثانية بأن يأخذها في سفر يفضل بأن يكون إلى العمرة  ثم يخبرها بما حصل وهي تطوف بالكعبة . وثالثة بأن يخبرها بأن زواجه كان إهداءً من بعض الفضلاء !!! والرابعة أن يخبرها أن زواجه كان بسب أمور تجارية وأنه ليس راغباً عنها وليس باحثاً عن أعباء جديدة لكن الذي دعاه للزواج هو التجارة ( يعني أكل عيش يا فندم ).
أي فهم للشرع هذا وأي ذهن هو الذي ينتج هذه السخافات , رغم إدعائه التمسك بالشرع وأصول الدين لا يجد غضاضة من أن يدعوا الرجال للكذب ولاختلاق أسباب وأعذار غير صحيحة وذلك للإحتيال على زوجاتهم وللقيام بعمل لا يمكن أن تقبله أية إمرأة من اللواتي وصِّينا بالإحسان إليهن , و يركز كل هذا التركيز على امر شكلي تماماً متجاهلاً اللب والجوهر في الموضوع .
لا أريد أن أغوص في نقد الكتاب أو تفنيد أفكاره , مجرد ذكر العنوان و مقتطفات مما فيه كاف لذوي الألباب كي يدركوا أين وصل البعض في فهم وتطبيق النظرية الإلهية . وأنا هنا لا أريد التعميم بل أخص فئة هم المتأثرين بالأفكار الرجعية والوهابية والذين يقرأون شرع الله على طريقة أجلاف الصحراء الذين يعرفون من الكلمة رسمها  دون أن يعنيهم معناها وجوهرها و موقعها في النظرية الكبرى التي تضمها .
مقالتي القادمة ستكون حول كتاب آخر من نتاج الفكر الوهابي , يُظهر أيضاً مدى إفتراق النظرية عن التطبيق في الإسلام واسم الكتاب : الأدلة النقلية والحسية على إمكان الصعود إلى الكواكب وعلى جريان الشمس والقمر و سكون الأرض . تأليف عبد العزيز بن باز .   

التعليقات

إحدى أهم المفارقات اللغوية في الآية المذكورة أعلاه (وإن خفتم ألا تقسطوا...) هو جملة (فواحدة، أو ما ملكت أيمانكم). إن حرف العطف، حسب معناه في اللغة العربية (سواءً بلهجة قريش أو غيرها)، يفيد أحد الأمرين، لا كلاهما، وبالتالي، فاللغة التي يتباهى المسلمون الذين أحسب عليهم بأن القرآن الكريم معجزتها، وبأنه (القرآن الكريم): نزل "عربياً"، تقول أنه لا يجوز للرجل أن يجمع بين زوجة/زوجات وملك اليمين. مفارقة لغوية أخرى تظهر في التوقف عند (رباع) عند التعداد. فإذا افترضنا أن رب العالمين أراد أن يبيح للرجل أن ينكح عشرين امرأة (سبب الإباحة هنا حسب نص الآية الخوف من أن لا يقسطوا في اليتامى)، فهل كان على رب العالمين أن يعدد (مثنى وثلاث ورباع وخماس وسداس وسباع وثمان وتساع... إلخ)؟ حتى يصل إلى العشرين؟ وهل يجوز لبشر أن يعتبر أن رب العالمين الذي (أنزل القرآن عربياً)أطلق الفعل (ما طاب لكم من النساء)، ثم عاد إلى تقييده مرة أخرى مباشرةً بعد الإطلاق؟ ألا يفيد هذا الإطلاق (ما طاب لكم من النساء)، بعد ربطه بـ(ألا تقسطوا في اليتامى) بحالة مختلفة عن الزواج التقليدي، متعلقة بحاجات اجتماعية، وليست حاجات جنسية؟

كل الذين يسعون لتعدد الزوجات أو أنهم كما يُقال بالعامية (( مشتهي ومستحي )) يحفظون الآية (( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )) ولا يهمهم ما قبلها وما بعدها مع أن الفاء هنا رابطة لجواب الشرط ومن يعرف بعض العربية يعرف أن جواب الشرط لا يتحقق إلا بتحقق الفعل وبالتالي لا يجوز لنا أن نذهب إلى جواب الشرط دون المرور بفعله، ولكن هذا الكلام لا يعجب أحدا ممن ذكرناهم في البداية ومنهم والدي لأن ، فالشرط هو أن يقسطوا في اليتامى وبالتالي فالفعل مشروط ،أما أن يكون الكلام مطلقا فهو أمر كان القرآن ذكره لو كان هو المقصود، ولن يستحي الله منه. ومن المهم أن نذكر أن هناك آلاف الأحاديث التي تتحدث كلها عن زيجات الرسول وفحولته وولعه بالنساء وأنه كان يدور على نسائه جميع لمضاجعتهن في كل ليلة، وأنه أوتي قوة ثلاثين رجلا ووووووو ، ناسين أو متناسين أن الله أمره وقال له : (( قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا )) فمن يدور على تسع أو عشر نساء في الليلة لن يجد وقتا حتى لصلاتي العشاء والفجر، بل وصل بهم في بعض الأحاديث أنه كان يباشر بعضهن وهن حائضات بقول أحدهم على لسان السيدة عائشة: (( كان يأمرني فأتزر بإزار ثم يباشرني )) وربي يسّر

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...