هل تتمكن الدبلوماسية الوقائية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة

06-01-2009

هل تتمكن الدبلوماسية الوقائية من وقف إطلاق النار في قطاع غزة

الجمل: تتحدث جميع الأطراف الإقليمية والدولية عن ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، ونلاحظ وجود الكثير من التعقيدات الماثلة حالياً أمام مثل هذا الاقتراح.
* منظور أطراف الصراع: الجانب غير المعلن في إدراك كل طرف:
تدور المواجهات العسكرية الميدانية بين حركة حماس وإسرائيل باعتبارهما طرفي الصراع المسلح في قطاع غزة وعلى أساس اعتبارات التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار نلاحظ الآتي:
• منظور حماس: من الممكن النظر في أي عرض يهدف لوقف إطلاق النار إذا كان يتضمن إلزام إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية وسحب قواتها خارج القطاع ورفع الحصار عنه.
• منظور إسرائيل: من الممكن النظر في أي عرض لوقف إطلاق النار يتضمن توفير الضمانات لإسرائيل بعدم تعرضها لخطر النيران المنطلقة من غزة.
على المستوى الشكلي يبدو كل منظور وهو يحمل البساطة والوضوح ولكن على المستوى التحليلي نلاحظ أن كل واحد من المنظورين يتضمن في داخله قدراً هائلاً من طاقة الملفات الخلافية التي لو انطلقت من عقالها فإنها ستكون كافية لتغيير خارطة الصراع في الشرق الأوسط وتوازنات القوى في المنطقة.
• إيقاف إسرائيل لعملياتها العسكرية وسحب قواتها خارج القطاع ورفع الحصار معناه عدم إلزام حركة حماس بأي شيء وعلى وجه التحديد اتفاقية أوسلو والاعتراف بإسرائيل وإمكانية مهاجمة إسرائيل بعد انتهاء الهدنة وعدم إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين إلا بموجب اتفاق جديد.
• لم تحدد تل أبيب حتى الآن ماهية الضمانات التي تطالب بها ومن الواضح أن أقلها سيتمثل في المطالبة بنزع سلاح حركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما، وإعادة القطاع إلى إشراف وإدارة السلطة الفلسطينية وموافقة حماس والجهاد على الاعتراف بإسرائيل واتفاقية أوسلو وعملية سلام أنابوليس إضافة إلى الاعتراف بحق إسرائيل في القيام بعمليات التدقيق والإشراف على الترتيبات الأمنية داخل القطاع بما يتضمن الإقرار بحق إسرائيل بتقسيم القطاع إلى ثلاثة أو أربعة مناطق بعضها يخضع للسيطرة الإسرائيلية وبعضها الآخر للسيطرة الفلسطينية الإدارة وربما تطالب إسرائيل بإعطائها حق الاحتفاظ بالوجود العسكري في غزة.
كل التصريحات التي صدرت من زعماء حماس وزعماء تل أبيب المتعلقة بوقف إطلاق النار اكتفت بالتعابير المقتضبة على غرار نموذج قول "ما قل ودل".
* دبلوماسية الأطراف الثالثة: تعدد المسارات:
بسبب الامتدادات الخارجية الدولية والإقليمية لصراعات الشرق الأوسط فقد سارعت معظم القوى العظمى والدولية والإقليمية إلى الانخراط في العملية الدبلوماسية الوقائية الهادفة إلى دفع أطراف الصراع باتجاه التوصل إلى وقف عاجل لإطلاق النار.
• القوى الدولية: تعمل واشنطن من أجل عرقلة كل الجهود الهادفة للتوصل لوقف إطلاق النار في الوقت الحالي، ومن المعروف أن موقف واشنطن لن يتغير من الرفض إلى الإيجاب طالما أن الموقف الإسرائيلي يرفض في الوقت الحالي مثل هذا الاتفاق. أما بالنسبة لباريس فقد تحرك الرئيس نيكولاس ساركوزي في جولة شرق أوسطية غطت بعض العواصم وكان لافتاً للنظر أن دبلوماسية ساركوزي الوقائية سوف لن تستطيع تحقيق النجاح المطلوب على الأقل في الوقت الحالي.
• القوى الإقليمية: القوى الإقليمية الرئيسية التي تتحرك حالياً هي دمشق – أنقرة – القاهرة – عمان، ونلاحظ في تحركات هذه القوى أن التفاهمات والمشاورات ووجهات النظر الأولية تشير إلى التطابق بين الموقف السوري والتركي بما يمكن أن نطلق عليه تسمية خط دمشق – أنقرة وقد تأكد ذلك بعد تصريحات رئيس الوزراء التركي ووزير خارجيته وزيارة وزير الخارجية السوري في أنقرة. وبالمقابل وبرغم زيارة رئيس الوزراء التركي للقاهرة فإن موقف القاهرة أصبح أكثر تطابقاً مع تل أبيب وذلك بسبب الخلفيات المشتركة السابقة التي أدت إلى نشوء خط تل أبيب – القاهرة المعادي لحركة حماس. أما بالنسبة لعمان فقد تبنت خياراً منفرداً بسبب خصوصية العلاقات الأردنية – الإسرائيلية وخصوصية الرأي العام الأردني الداعم للقضية الفلسطينية وحركة حماس، هذا، وتشير المعلومات إلى الآتي:
- تبذل عمان جهوداً مضنية في محاولة إقناع واشنطن وتل أبيب بضرورة وقف إطلاق النار طالما أن استمرار المواجهة سيؤدي إلى تهديد استقرار النظام الملكي الأردني الحليف لواشنطن وتل أبيب.
- تحاول عمان إرضاء وتهدئة الرأي العام الأردني عن طريق التلميحات التي تشير إلى أن النظام الملكي الأردني سيسعى لإضعاف علاقاته وروابطه مع تل أبيب إذا أصرت على خيار تصعيد المواجهات العسكرية.
التحركات الجارية الآن في مسار الدبلوماسية الوقائية ستصب جميعها في محاولة الضغط على مجلس الأمن الدولي من أجل إصدار قرار يلزم الطرفين بوقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين وعلى ما يبدو أو بالأحرى فإن ما هو واضح في الوقت الحالي يتمثل في أن هذه الجهود ستصطدم بالرفض الأمريكي.
* الدبلوماسية الوقائية والاستقطابات الإقليمية – الدولية الشرق أوسطية: إلى أين؟
برغم محاولة نظام حسني مبارك التأكيد المستمر على التزامه بالوقوف إلى جانب الفلسطينيين فإن الكثير من التسريبات التي برزت مؤخراً قد كشفت عن مدى دور وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط في توريط القاهرة إلى جانب محور تل أبيب – واشنطن وفي هذا الخصوص نشير إلى أن تصريحات الرئيس مبارك، لا يمكن النظر إليها بمعزل عن دور وزير الخارجية أبو الغيط باعتباره المسؤول عن صنع السياسة الخارجية المصرية وتوجهاتها إزاء أزمة غزة، وهي التوجهات التي تصدر في كثير من الأحيان على لسان الرئيس المصري الذي بلغ الثمانين عاماً وأصبح أكثر وقوعاً تحت تأثير صانع قرار السياسة الخارجية المصرية أبو الغيط والسياسة الأمنية عمر سليمان والسياسة الدفاعية الفريق طنطاوي وهلمجراً. هذا، ويتمثل أبرز ما في تصريحات مبارك التي تصب في مصلحة تل أبيب ما يلي:
• إن مصر ستلتزم بفتح معبر رفح إذا تم وضعه تحت إشراف السلطة الفلسطينية وهو يعلم أن السلطة الفلسطينية الموجودة في رام الله حالياً هي حركة فتح.
• تصريح الرئيس ساركوزي الذي أشار فيه إلى أن الرئيس المصري أخبره بضرورة عدم السماح لحماس بالخروج منتصرة في المواجهة الجارية حالياً في القطاع.
لم يتعود الرأي العام العربي على سماع مثل هذه التصريحات من القاهرة وبالذات في مثل هذه الأوقات وعلى ما يبدو فإن مطبخ صنع قرار السياسة الخارجية المصرية الذي يشرف عليه "الشيف" أحمد أبو الغيط قد أعد هذه التوجهات والتصريحات جيداً، وعلى ما يبدو أيضاً أن ترتيبات دور القاهرة في إدارة ملف أزمة غزة على الجانب المصري قد بذل الوزير أبو الغيط دوراً كبيراً في تنسيقها. هذا، وتشير التحليلات والاستقراءات إلى أن تحركات أبو الغيط إزاء ملف غزة تهدف إلى الآتي:
• تصفية حساباته مع حركة حماس.
• إقصاء اللواء عمر سليمان وزير المخابرات المصري عن إدارة ملف غزة.
• استرضاء تسيبي ليفني التي سبق أن توترت علاقاتها معه بسبب غزة.
• استرضاء واشنطن بما يجعله مصدراً للثقة في الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية ومراكز الدراسات وعناصر اللوبي الإسرائيلي التي بدت أكثر رضاً عن أدائه.
تولى أبو الغيط ملف السياسة الخارجية المصرية وبهذا الأداء المنسجم مع أجندة تل أبيب في صراعها ضد الأطراف العربية والفلسطينية إلى ماذا يرمي أبو الغيط؟ هل إلى خلافة حسني مبارك الذي اقتربت أيامه من الانتهاء أم إلى منصب أمين عام الجامعة العربية القادم وهو المنصب الذي سيكون صعباً عليه الوصول إليه طالما أن الذاكرة العربية لن تنسى له أدائه خلال أزمة غزة ومعاناة سكانه "العرب الفلسطينيين"!!

 

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...