عباس وقريع وأولمرت وليفني في رواية إسرائيلية لمفاوضات سرية

12-12-2009

عباس وقريع وأولمرت وليفني في رواية إسرائيلية لمفاوضات سرية

لا يختلف اثنان حول حقيقة أن المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية باتت في خبر كان. وقد اضطر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، للاعتراف بهذه الحقيقة عندما وصفها بأنها دخلت في طريق مسدود. ومن البديهي أن ذلك يعود بشكل أساسي إلى واقع أن الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو، هي الحكومة الأشد يمينية في تاريخ إسرائيل، والأقل قابلية للتوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين أو مع السوريين.
فالرئيس الفلسطيني محمود عباس يرفض العودة للمفاوضات إلا بعد وقف الاستيطان. ولكن لا يقل عن ذلك أهمية أن عباس يطالب باستئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها مع الحكومة السابقة. ويعيد هذا للأذهان مطلب سوريا الدائم باستئناف المفاوضات مع إسرائيل من النقطة التي كانت قد توقفت عندها في عهد اسحق رابين أو إيهود باراك.
ورغم كل ما قيل ويقال عن حكومة إيهود اولمرت، والمفاوضات التي أجرتها مع الرئاسة الفلسطينية، فإنه كانت هناك مفاوضات. وقد أطلقت هنا وهناك اتهامات حول ما قبلته إسرائيل حينا من مطالب الفلسطينيين، وما قبلته السلطة من مطالب الإسرائيليين، ولكن ظلت تلك مجرد اتهامات من دون براهين. والحقيقة هي أنه في عهد اولمرت أديرت المفاوضات الأبعد مدى بين الفلسطينيين والإسرائيليين. غير أن هذه المفاوضات، أكثر من غيرها، تعرضت إلى تكتم وسرية عجز كثيرون عن اختراق جدرانها.
وفي كل الأحوال، من المعروف أن المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في عهد اولمرت جرت على مسارين: الأول شبه علني برئاسة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني وأحمد قريع (أبو علاء)، والثاني سري بين اولمرت وعباس. وسبق لمسؤولين إسرائيليين أن أعلنوا أن اولمرت قدم للرئيس عباس عرضا لم يسبق لإسرائيلي أن قدمه للفلسطينيين.
قبل بضعة أيام، عرض برنامج «ماكور» (المصدر)، وهو برنامج التحقيقات الرئيسي في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، صورة هي الأولى من نوعها عن هذه المفاوضات. وأشار البرنامج الذي يعده ويقدمه صحافيان مشهوران، هما المراسل السياسي للقناة رافيف دروكر، وعوفر شيلح، إلى أن المفاوضات على مساري ليفني وأولمرت دخلت إلى التفاصيل الدقيقة ووصلت الى ما يقترب من الاتفاق.
وفي البداية، أشار المراسلان إلى أنه رغم عدم التوصل لاتفاق في هذه المفاوضات، إلا أن أحدا لا يستطيع القفز عنها نظرا لتحولها إلى نوع من المواقف المعروفة للطرف الآخر والتي يصعب التراجع عنها. وقالا أنهما حاولا البحث عن مدى صحة ما أشيع من أن الاتفاق بين الطرفين كاد أن يكون جاهزا.
وأوضحا أن تسيبي ليفني وأبو علاء عقدا عشرات اللقاءات طوال عام بكامله للبحث في التسوية الدائمة. وقد ساعدهما في ذلك طواقم عقدت لا أقل من 270 لقاء. غير أن ما لا يقل أهمية عن ذلك المفاوضات الثنائية التي جرت على انفراد بين أبو مازن وأولمرت.
وتقول تسيبي ليفني أن إسرائيل أبلغت الأميركيين «اننا سندير المفاوضات، وهي مفاوضات سرية، ولا ينبغي لكم أن تتدخلوا، أو تفرضوا علينا اتفاقا قبل أن يحين أوانه». ورغم أن ليفني تشدد على الدوام على أنها لم تعرض على الفلسطينيين خريطة للحدود بين الدولتين، إلا أن بالوسع رسم هذه الخريطة. فالدولة الفلسطينية، وفق ليفني، ستقوم على 92,7 في المئة من أراضي الضفة الغربية التي احتلت في العام 1967.
وبحسب الخريطة التي عرضت على الفلسطينيين، فإن غور الأردن لن يكون ضمن أراضي إسرائيل. غير أن مستوطنة أرييل تبقى تحت السيادة الإسرائيلية، ولكن الطريق الموصل إليها سيغدو بالغ الضيق. وفي مقابل الـ7,3 في المئة الباقية التي تريد إسرائيل ضمها إلى أراضيها، أبدت ليفني استعدادا لتعويض الفلسطينيين بأراض من داخل إسرائيل توازي 3 في المئة. وهذا أقل بحوالي النصف مما ستضمه ليفني للسيادة الإسرائيلية.
والمهم من أين ستعطي ليفني هذه الأراضي؟. بحسب ورقة عمل سرية معدة، فإن هذه الأراضي ستكون: 100 كلم مربع بمحاذاة قطاع غزة، 13 كلم مربع في منطقة طيرات تسفي شمالي شرق جنين، 10 كلم مربع في منطقة نتاف، نصف كلم مربع في منطقة مافو بيتار، 7,4 كلم مربع في منطقة لخيش, 3,2 كلم مربع في منطقة شومريا، 42 كلم مربع في منطقة ياتيرا، 151 كلم مربع في منطقة صحراء يهودا.
وبحسب دروكر، فإن عرض ليفني أكثر سخاء من العرض الذي قدمه إيهود باراك للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مفاوضات كامب ديفيد.
ومع ذلك، فإن المفاوضات مع ليفني وأولمرت شهدت ولأول مرة قيام الفلسطينيين بعرض خرائط لحدود التسوية النهائية. وبحسب هذه الخرائط، فإن الفلسطينيين على استعداد لقبول قيام إسرائيل بضم 1,9 في المئة من أراضي الضفة الغربية. ووفق الخرائط الفلسطينية، يمكن لإسرائيل الاحتفاظ بمستوطنات الكنا، أورانيت، شاعري تكفا وموديعين. كما أن الفلسطينيين يوافقون على بقاء عدد من «الأحياء» اليهودية في شرقي القدس: أرمون هنتسيف، التلة الفرنسية، راموت أشكول، راموت شلومو، راموت ألون، بيسغات زئيف، نافيه يعقوب، معلوت دفنا، وحي جيلو الذي يطالب الأميركيون الآن إسرائيل بوقف البناء فيه.
كما أن الفلسطينيين لا يمانعون في بقاء المستوطنين في المستوطنات التي تنقل للسيادة الفلسطينية شريطة قبول المستوطنين الخضوع للقانون الفلسطيني.
ووفق الخرائط التي عرضها الطرفان، فإن مستوطنة أرييل تقع في صلب الخلاف بينهما. والأميركيون الذين كانوا ضالعين في المفاوضات، عرضوا اقتراحا «تجسيريا» بهذا الشأن: يتنازل الفلسطينيون عن معاليه أدوميم ويتنازل الإسرائيليون عن أرييل.
كما أن الفلسطينيين للمرة الأولى كشفوا عن الأراضي التي يريدونها بديلا للأراضي التي ستضم لإسرائيل: وهم أولا يريدون مترا مقابل متر يضم لإسرائيل، وقسم من الأراضي التي طالبوا فيها شبيه بالعرض الإسرائيلي، في طيرات تسفي، ومنطقة نتاف.
وفي نهاية ولايته، التف اولمرت على مفاوضات ليفني مع أبو علاء وقدم عرضا «أكثر سخاء» لعباس، وعمليا، وفق دروكر، كان هذا أكثر عرض إسرائيلي سخاء: وفق الخطة التي عرضت على عباس، إسرائيل مستعدة لضم 6,5 في المئة فقط وتعوضهم بـ5,8 في المئة من أراض داخل إسرائيل.
كما أن اولمرت عرض تقسيم القدس لعاصمتين على أساس ديموغرافي: المناطق العربية للدولة الفلسطينية، والأحياء اليهودية لإسرائيل. كذلك عرض ترتيب مكانة خاصة للحرم القدسي بحيث يدار على يد هيئة دولية تشارك فيها خمس دول عربية. كما أن اولمرت عرض أن تعترف إسرائيل بمعاناة اللاجئين الفلسطينيين لكن من دون أن تتحمل مسؤولية ذلك. وعرض الاستعداد لاستيعاب بضعة آلاف من اللاجئين الفلسطينيين على مدى سنوات عديدة تحت عنوان «إنساني».
أبو مازن، وفق القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي، لم يرد على اقتراح اولمرت. وكان اولمرت قد أعلن أن المفاوضات التي أجراها هو ووزيرة خارجيته لم تقد إلى توقيع اتفاق «إما بسبب قلة الاستعداد، وإما جراء خشية أو قلة قدرة على الحسم لدى الطرف الثاني». غير أن التقديرات في إسرائيل تقول بأن أبو مازن لم يقبل عرض اولمرت لأنه كان يعلم أن اولمرت سيغيب عن المسرح السياسي وأنه غير قادر على تنفيذ الاتفاق. وعدا ذلك، فإن جهات في الإدارة الأميركية شجعت أبو مازن على الانتظار وعدم الرد على اولمرت.
وأشار دروكر إلى أن نتنياهو صاغ خطابه في جامعة بار إيلان وفق ما يعرفه عن هذه المعطيات. وكان يعلم أن الفلسطينيين رفضوا في المفاوضات مع ليفني الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وهددوا بالعودة إلى شعار الدولة الواحدة. ولذلك قال: في العام 2000 ومرة أخرى في العام الماضي عرضت حكومات إسرائيل، بنية حسنة، انسحابا شبه شامل تقريبا في مقابل إنهاء النزاع، وقد جوبهت بالرفض». كما لم يكن صدفة تشديد نتنياهو على الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح. فقد برهن الفلسطينيون، وفق التقرير، على أنهم في المفاوضات مع ليفني كانوا أكثر تشددا مما كانوا في كامب ديفيد.
صحيح أنهم وافقوا على فرض قيود على قوتهم العسكرية، لكنهم لم يوافقوا البتة على أي تواجد عسكري إسرائيلي على أراضيهم ولا مراقبة حدودهم. ووافقوا فقط على إشراف دولي، حتى من حلف شمال الاطلسي، وذلك لمساعدة القوات الفلسطينية. وإسرائيل في المفاوضات وافقت على عدم تواجد جنود إسرائيليين على الأرض الفلسطينية وعلى إدارة الأميركيين لمحطات الإنذار.
وبالعموم، وافقت ليفني على أنه في حال الاتفاق مع الفلسطينيين، تفرج إسرائيل تماما عن جميع المعتقلين الفلسطينيين لديها.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...