إعلان القداسة له شروط وتحقيق يحسم السيرة والفضائل

19-10-2011

إعلان القداسة له شروط وتحقيق يحسم السيرة والفضائل

العدد اكبر من ان يحصى... انه بالآلاف، بحيث يبدو ان احصاء عدد القديسين لدى الكنيسيتين الارثوذكسية والكاثوليكية مهمة صعبة للغاية. وللدلالة الى ضخامة الامر، يتألف احدث اصدار لسنسكار الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية من 6 اجزاء كبيرة. وفي قاموس للقديسين بالفرنسية، ينضوي تحت حرف الألف فقط 330 اسماً في الاقل.
وفقا لتقليد الكنيستين، يُخصَّص لكل قديس يوم من ايام السنة للاحتفال بذكراه، بما يجعل روزنامتيهما او تقويميهما الكنسيين يعجان بعشرات الاسماء، منها معلن، ومنها لم يعد مذكورا. وفي كل ذلك، يبقى اعلان القداسة في الكنيستين خاضعا لشروط محددة، صارمة، مع تفاوت هنا وهناك. والتحقيق قد يستغرق اعواما طويلة.
في الكنيسة الارثوذكسية، يرجع رصد التقديس الى العصور المسيحية الاولى، "وخصوصا عصور المجامع المسكونية. ذُكِرَ هذا او ذاك من القديسين في النصوص، فيكون ذلك مقبولا في كل مكان"، يشرح متروبوليت جبل لبنان للروم الارثوذكس المطران جورج خضر. وفي العصور الحديثة، باتت كل بطريركية ارثوذكسية مستقلة تتولى اعلان قداسة احدهم، "بعد درس مستفيض لسيرته".
ويقتضي هذا الدرس تكليف لجنة من اللاهوتيين لتقصي السيرة، لاسيما الفضائل، بما يتطلب اعواما عدة لانجاز العمل. ويقول خضر: "اذا وُجِدَ في السيرة عيب واضح، يُقصى الشخص. واذا اقتنعت الكنيسة بقداسة سيرته، يتخذ قرار بتقديسه في المجمع المقدس، وتكتب لتكريمه خدمة إلهية هي صلاتا الغروب والسحر، ويعلن البطريرك خصوصا عند صلاة الغروب قرار التقديس. وبذلك يدخل اسمه في تقويم الكنيسة".
في كل مسيرة اعلان القداسة، لا تشترط الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية العجائب. وتستند في موقفها الى "ان الكنيسة الاولى لم تكن تشترط ذلك"، يفيد خضر. "اثناسيوس الكبير الاسكندري لم يقم بعجائب. وهناك قديسون ننعتهم بالعجائبيين، مثل القديسين قلاوس ونيقولاوس وسبيريدون، وتضع الكنيسة لهم في صلواتها هذا النعت . والا لا تُعتَمد قداسة السيرة واستقامة الرأي".
وتيرة اعلان الكنيسة الارثوذكسية، لاسيما الانطاكية، قداسة احدهم توصف بانها بطيئة، متمهلة جدا. والمقياس الاساسي في الامر هو "انه يجب الانتظار"، يقول خضر، "اذ قد يجد الباحثون في التاريخ خطيئة ضخمة في حياة الشخص". وبالتالي، فان احدث اعلان قداسة اتخذه المجمع الانطاكي يرجع الى "نحو 10 اعوام، باعلانه الخوري يوسف الدمشقي قديسا. واسمه يوسف مهنا الحداد، لبناني الاصل من مواليد عاليه". وحاليا ثمة درس لقداسة البطريرك غريغوريوس حداد الذي توفي العام 1928. "وهناك ايضا اقتراحات مختلفة حول اشخاص لدرس سيرهم".
في الكنيسة الكاثوليكية، تقتضي مسيرة التقديس لائحة شروط محددة ومراحل تستغرق اعواما عدة. وتكون البداية مع "شهرة قداسة لهذا الشخص" يعلنها اولا شعب منطقته. وتعني "ان الناس حصلوا على شفاعته، ويشهدون له انه كان في حياته ممارسا لفضائل الهية وانسانية، لا بل محلقا بها"، يشرح طالب دعوى اعلان قداسة البطريرك اسطفان الدويهي الاب بول القزي. انها الخطوة الاولى التي تجعل من ذلك الشخص يتمتع بصفة "رجل الله".
 وفي المرحلة الثانية، يلفت المعنيون بالامر، اكانت الابرشية أو الدير او الرهبانية المعنية... الكنيسة الى وجود قديس محتمل لديهم لتتم الشفاعة بواسطته. "مرجع المرحلة الابرشية هو الاسقف المكاني، او البطريرك عندنا"، يقول. "ويُطلب من السينودس في الكنيسة المحلية الموافقة على فتح دعوى تحقيق في حياة وبطولة فضائل وشهرة القداسة لدى رجل الله".
يعمد السينودس المحلي، بالتعاون مع المعنيين بالامر، الى تعيين طالب دعوى قداسة هذا الشخص على الصعيد الابرشي. "على الطالب ان يجمع كل الوثائق عن هذا الشخص وكل ما كتب عنه، ويقدم ملخصا عن عمله الى المرجع، اما الاسقف المكاني، اما البطريرك. ويطلب فتح الدعوى، بواسطة رسالة يوجهها اليه، مرفقة بالتحقيق الذي اجراه".
وبموجب ذلك، يجمع البطريرك لجنة بطريركية للبحث في استحقاق فتح دعوى تحقيق. ويفيد قزي ان "البطريرك يرفع، مع طالب الدعوى، طلباً الى الفاتيكان، وتحديدا الى مجمع القديسين، بالسماح بفتحها. وبعد ان يأذن المجمع بذلك، يعمم الطلب على كل المجامع الخاصة المعنية للتأكد من ان لا مشكلة حول الشخص المعني. وبعد الحصول على موافقتها، يرسل المجمع رسالة "لا مانع من فتح الدعوى". وفي ضوئها، يعيّن البطريرك محكمة كنسية للتحقيق في سيرة حياة "رجل الله"، وبطولة الفضائل الالهية والانسانية التي عاشها والمواهب الخاصة به وشهرة قداسته وحصول المؤمنين على النعم والعجائب بواسطته. "وفي النهاية، تضع المحكمة تحقيقها بين يدي البطريرك، وترفعه مختوما بالشمع الاحمر الى الفاتيكان"، يفيد.
وتلي المرحلة الابرشية مرحلة ارسال دعوى القداسة الى مجمع القديسين. ويشرح ان "من يحملها اليه هو من يعيّنه البطريرك مع محكمة التحقيق. وقد يكون طالب الدعوى أو غيره. وتسجل الدعوى لدى المجمع، ويعطى حاملها ايصالا بذلك. ثم يعين المجمع خبراء لدرس قانونية الدعوى من ناحية الشكل. وفي ضوء الدراسة، يعطي الدعوى القانونية او يحجبها عنها. واذا كانت الدعوى تاريخية، توجه الى خبراء تاريخيين، والا فإلى خبراء لاهوتيين. وقد يخصص لها ايضا خبراء لاهوتيون وتاريخيون معا. فيصدرون حكمهم باستحقاق الدعوى من ناحية قيمتها اللاهوتية والتاريخية. ويرفعون تقريرهم الى مجمع القديسين الذي يقرر مجتمعا بشرعية هذه الدعوى ويطلب تعيين قيّم عليها". 
وفي ضوء هذا القرار ايضا، يُحيلُها مجددا على خبراء تاريخيين ولاهوتيين لدرس الدعوى. وفي ختام الدرس، تُرفَع الى لجنة الكرادلة والاساقفة في المجمع. "وبعد التصويت ايجابا بالثلثين، يحمل رئيس المجمع الى البابا نتائج عمل المجمع واللجان. ويمكن البابا ان يعلن رفع الكنيسة "رجل الله" الى مكرّم، او ان يؤجل الاعلان، او ان يوقفه. وباعلانه مكرّماً، تكون الكنيسة اعترفت ببطولة السيرة والفضائل وشهرة القداسة".
وفي مرحلة اعلان المكرم طوباويا، يجب ان تسجل اعجوبة شفاء بشفاعته. "الشفاء يجب ان يكون فوريا وكاملا وثابتا، ويجب ان يكون موثقا طبيا، وان يكون يتعلق بحال صحية مستعصية"، يشدد قزي. وتعاد مسيرة التحقيق السابقة نفسها، وبمختلف مراحلها، و"لكن مع اختصار في الوقت". وتشترط القداسة تسجيل اعجوبة ثانية بشفاعة الطوباوي، بالشروط السابقة نفسها، وبتطبيق مسيرة التحقيق نفسها.
واذا كانت الكنيسة الكاثوليكية تفرض مثل هذه الشروط والمراحل، ولاسيما شرط الاعجوبة، فذلك انطلاقا من حرص على "عدم التساهل في مثل هذه المسائل، فلا يتم اعلان القداسة كيفما كان"، يقول. "نؤمن بان الله يجب ان يثبت حياة القداسة باعجوبة. الاعجوبة هي يد الهية تثبت ما حققت فيه الكنيسة".

من الاعلان العفوي ... الى اجراءات بابوية
في القرون المسيحية  الأولى، ارتبط عفويا اعلان القداسة بالشهداء. وكان يجب الانتظار حتى القرن الرابع ليشمل هذا الاعلان من لم يكونوا شهداء، واظهروا فضائل مميزة. وتطورت الأمور، فباتت كل كنيسة تحتفل في منطقتها بهذا القديس او ذاك ممن يخصها. وابتداء من العام 1170، عمل البابا اسكندر الثالث على ضبط الأمور، من خلال ربط اعلان القداسة بدرس للفضائل والعجائب المنسوبة "للقديس"، قبل موته وبعده.
العام 1588، تم تشكيل مجمع الطقوس في الفاتيكان والذي اقتضت مهمته بمتابعة كل حال قداسة حتى النهاية. العام 1634، حصر البابا هذا الاعلان به وحده. العام 1917، تم تحديد اجراءات خاصة بهذا الشأن، وعمد البابوان بيوس الحادي عشر وبولس السادس الى ادخال بعض التعديلات عليها.
وتتبع حالياً اجراءات صدرت العام 1983 في عهد البابا الراحل الطوباوي يوحنا بولس الثاني.

هالة حمصي

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...