«إخوان» آل سعود في المصيدة السورية

30-12-2013

«إخوان» آل سعود في المصيدة السورية

ليس من حاجة إلى أن نكرر تعداد جميع الذين يشتركون في «الثورة» في سوريا. فمن لم يقتنع بعد بأن الولايات المتحدة الأميركية والحكومتين الفرنسية والبريطانية، بالإضافة إلى حكومة أردوغان التركية و«إخوان» آل سعود لا يخوضون حرباً «ثورية تحريرية لفرض شرع الله» في سوريا، لا فائدة في النقاش معه. بل أكاد أن أقول إنه صار يصعب العيش في إطار جماعة وطنية واحدة مع كل من له علاقة من قريب أو بعيد بمشروع آل سعود و«آل» الإدارة الأميركية «الثوري» المزعوم.
تناقلت وسائل الإعلام الفرنسية خبراً عن أنه، وسط الجلبة التي علت في إطار الحملة الدعائية ضد السلطة السورية حول موضوع السلاح الكيميائي، صدرت الأوامر إلى الطائرات العسكرية الفرنسية في جزيرة قبرص بالإقلاع، قبل أن تلغى في اللحظات الأخيرة بطلب من واشنطن!
وليس من حاجة أيضاً إلى أن نسترجع تاريخ الحروب، و«الثورات» التي وضعت خططها الولايات المتحدة الأميركية أو كلاب حراستها في أوروبا، لنتبيّن أوجه الشبه بين هذه الحروب من جهة وبين الحرب على سوريا. لقد داورنا هذا المسألة في الذهن أكثر من مرة. فأوصلنا ذلك إلى أن ما تتعرض له سوريا هو في الواقع حرب، هو فصل في كتاب الحروب المتنقلة من حرب الكونترا في نيكاراغوا ضد حكم الجبهة الساندينية، وحرب العراق وحرب آل سعود ضد إيران وغزو العراق الذي أعقبها، وحروب المستعمرين الإسرائيليين على لبنان في 1982 و2006، وصولاً إلى حروب القرن الإفريقي التي كان الصومال والسودان ساحات لها، وإلى حرب «إخوان» آل سعود في أفعانستان!
إنّ المنطق والمقاربة الموضوعية لحيثيات اقتحام آل سعود للميدان السوري بحماسة شديدة، يثيران لدى المراقب الدهشة أمام التبدل المفاجئ الذي طرأ على طبيعة العلاقات السلمية التي ربطت منذ سبعينيات القرن الماضي بين السلطة في سوريا من جهة وبين آل سعود من جهة ثانية. فلا غلو في القول إننا في الراهن حيال حرب فعلية بين الجانبين، نتيجة للغزوات المتتالية التي يرسلها آل سعود إلى سوريا عبر الأردن بوجه خاص وانطلاقاً من العراق ولبنان وتركيا بشكل عام.
إذن لا مفر من استيفاء للبحث، من الإجابة على السؤال عن أسباب اتخاذ العلاقات بين آل سعود وبين السلطة في سوريا طابعاً عنفياً شرساً ودموياً. من البديهي أنّ نجاح الولايات المتحدة الأميركية، بتواطؤ مجلس التعاون الخليجي، في تدمير العراق، شجعها على تكرار المحاولة في سوريا، لإجبارالسلطة فيها على التخلي عن السلاح والانضمام إلى قافلة التطبيع.
أكتفي بهذا الاستطراد، فما أنا بصدده هو تناول غزوات آل سعود ضد سوريا. ما حملني على الرجوع إلى بنية السلطة السعودية نفسها بما هي مزيج من نظام القبلية الجاهلي ومن ذهنية غليظة بدائية سطحية، إذ أسرت النص الديني الاسلامي، فأفرغته من محتواه الإنساني والروحاني. يزعم اتباع هذه الذهنية، وهم المعروفون بالوهابيين، أن الإسلام مجموعة من الأوامر والقوانين التي توكّل آل سعود بتطبيقها فرضاً وإكراهاً. من ينكر وكالتهم فهو في نظرهم، كمن يعصي الخالق، يستباح دمه في هذه الدنيا بأيديهم. فحقت عليهم مقولة للإمام مالك في القديم: «كان مَن قـَبْلنا يعمدون إلى كتاب الله وسُنّة نبيه فيتلقون الأحكام. أما اليوم فنعمد إلى رغائبنا ثم نبحث في كتاب الله وسنة نبيه عما يسندها ويشهد لها» (الشيخ عبد الله العلايلي).
لست هنا في معرض الحديث عن القراءة المحرّفة للنص الديني التي تبناها آل سعود. فما يهمني هو استخدام الأخيرين لهذه القراءة كأداة يتسلطون بواسطتها على الناس. من المعروف أنهم اعتمدوا على جماعات «الإخوان» الوهابية، في استعادة السيطرة على نجد والحجاز، تحت عنوانين أساسين هما «فرض التوحيد ومحاربة الشرك» و«إقامة الحدود» (رجم الزانية، قطع يد السارق، تحريم التبغ، منع التبرج، والقضاء على البدع). هكذا استطاعوا سنة 1932 الإعلان عن نشوء «المملكة العربية السعودية».
إنّ سلطة آل سعود التي ترتكز دعائمها على دعوة محمد إبن عبد الوهاب، هي في اصلها سلطة توسعية تبشيرية غايتها فرض مفهوم هذا الأخير للإسلام. ليس الإشكال، في نشر هذه الدعوة، وإنما هو في اجبار وإكراه الناس على التظاهر بأتباعها وعلى طاعة أولي الأمر ممثلين بآل سعود.
الدليل على وجود هذا المطمح التوسعي هو أنّ «الإخوان» الوهابيين سبق لهم وان هاجموا في سنة 1801، البادية السورية والعراق ودخلوا كربلاء حيث قتلوا الكثيرين من سكانها وهدموا أضرحة الأئمة الذين يجلهم أتباع المذهب الاسلامي الشيعي. مما اضطر محمد علي إلى إعداد حملة عسكرية لوضع حد لتعاظم خطورتهم. ثم عاودوا الكرة في عشرينيات القرن الماضي وحاولوا السيطرة على أجزاء من الاردن وسوريا والعراق واليمن. فتصدى لهم، آنذاك المستعمرون البريطانيون وأجبروهم على الاكتفاء بنجد والحجاز، لأن مصلحة إنكلترا كانت تقتضي ذلك.
مجمل القول إنّ «الإخوان» الوهابيين الذين أسسوا مملكة آل سعود، هم مرجعيّة جماعات القاعدة، على اختلاف تسمياتهم، داعش، جبهة النصرة، جند الشام أو الإسلام، الذين تحالفوا في هذا الزمان مع الولايات المتحدة الأميركية، بغية بسط سلطة آل سعود على أجزاء في بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين. ولكن هل يلائم هذا التمدد مصلحة الولايات المتحدة الأميركية ومصلحة المستعمرين الإسرائيليين؟
 أغلب الظن أنّ المصريين تنبهوا إلى خطورة طموحات آل سعود. فسارعوا إلى عقد تسوية بين التيارين الساداتي والناصري. بمعنى آخر فضلوا العودة إلى نقطة الصفر على المقامرة بوحدة الكيان والتراب الوطنيين. من المحتمل أن لا ينجح آل سعود في شراء الحياد المصري. فتكبر احتمالية فشلهم في سوريا والعراق. ليس مستبعداً أن يكون مرد التوتر الذي بدت أعراضه في مجلس التعاون الخليجي نفسه، إلى قلق وخوف آل سعود من ارتدادات الفشل في سوريا... فمن المرجح انهم يكابرون عندما يقولون انهم سيحاربون سوريا بأنفسهم. ولكنهم عراة. سقطت عباءة الدين عنهم وظهر زيف قميص العروبة الذي علّقوه على بوابة مجلس الأمن الدولي استجارة بالقوى الاستعمارية ضد سوريا. يبقى السؤال هل اجتاز آل سعود خط اللارجعة؟

ثريا عاصي

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...