الجيش المصري في وسط الصراع على السلطة

13-09-2010

الجيش المصري في وسط الصراع على السلطة

عندما انفجر مرجلٌ في احد المصانع العسكرية في مصر في اوائل آب الماضي، مسفرا عن مقتل احد العاملين المدنيين ومصيبا ستة، دعا موظفون الى الإضراب للمطالبة بظروف عمل أكثر أمانا، بما يسمح به القانون المصري. لكن، وقبل مرور شهر على ذلك، قبضت السلطات المصرية على ثمانية منهم، قبل مقاضاتهم أمام المحكمة العسكرية بتهمة «الكشف عن اسرار عسكرية» و«عرقلة عملية الإنتاج بصورة غير قانونية». كانت رسالة النظام المصري واضحة : القواعد التي تنطبق على بقية المصريين لا تنطبق على المؤسسة العسكرية، أقوى مؤسسات الدولة الاستبدادية التي تواجه اصعب اختبار لها منذ عقود... استحقاق الخلافة الرئاسية الوشيكة.
ضباط متقاعدون وناشطون حقوقيون ومحللون سياسيون يؤكدون ان «استعراض» القوات العسكرية واستخدامها القوة مع بعض العمال المدنيين يهدف الى التلويح بقوة المؤسسة العسكرية في البلاد ودورها الاساسي في اختيار الرئيس المقبل.
وربما يتجه المصريون نظريا لاختيار «قائدهم» الجديد في انتخابات العام 2011، غير ان الحزب الحاكم يضمن فوزه حتى قبل خوض الاستحقاق. لكن الصراع الحقيقي على خلافة حسني مبارك، يجري خلف ابواب السلطة المغلقة، حيث سيحاول الجيش تثبيت موقعه او حتى منع وصول نجل الرئيس المصري، جمال، إلى سدة الرئاسة.
ويعرب مسؤولون عسكريون في لقاءات عديدة في وسائل الإعلام المصرية عن تحفظاتهم ازاء ترشح نجل الرئيس، فيما يؤكد ضباط متقاعدون ان الجيش لن يدعم ترشيحه من دون ضمانات صارمة بأن تحتفظ المؤسسة العسكرية بدورها الاساسي في ادارة شؤون البلاد، معممّين انتقادهم العام لترشح جمال مبارك في رسالة مفتوحة الشهر الماضي، ومشككين بصواب التوريث الرئاسي.
ولم تكتف المؤسسة العسكرية في مصر على مرّ السنوات الماضية بدورها الامني والدفاعي بل استفادت من 40 مليار دولار من المساعدات الاميركية على مدى 30 عاماً لتوسيع نشاطاتها وتشعب دورها الى الاعمال المدنية كبناء الطرق والمساكن وادارة المنتجعات. كذلك، انشأ الجيش طريقا يصل بين القاهرة والبحر الاحمر، وقام بصناعة وتصدير المواقد والثلاجات، كما عمل على انتاج زيت الزيتون والمياه المعبأة. وظهر الجانب المدني من اعمال المؤسسة العسكرية المصرية جليا عندما اندلعت أعمال شغب في آذار 2008 احتجاجا على نقص الخبز، فتدخل الجيش ووزّع الخبز من افرانه الخاصة، في خطوة هدفت الى تلميع سمعته باعتباره اقل مؤسسات الدولة فساداً واكثرها كفاءة.
واعتبر رئيس تحرير أسبوعية «القاهرة» الموالية للحكومة، صلاح عيسى، «انهم يتواجدون في وقت الازمات، ما يفسر دعوة البعض الى الحكم العسكري في البلاد». وتحيط القوات المسلحة عملها بالكثير من السرية حول معطيات كثيرة كعديد القوات المنضوية في المؤسسة العسكرية، كما تتعامل مباشرة مع رئيس الجمهورية لا الحكومة ولا البرلمان، بالاضافة الى عدم نشرها اسماء الضباط في وسائل الاعلام.
ويقول الجنرال المتقاعد حسام سويلم، ان الجيش سيلجأ الى «القوة اذا لزم الامر» لوقف جماعة الاخوان المسلمين، من الصعود إلى السلطة، مؤكدا ان المؤسسة العسكرية ما زالت تعتبر الدولة العبرية مصدر تهديد أساسيا، وقال «سنطيع الرئيس لأن الشعب سيقبل به، لكننا لن نقبل بأي تدخل من جانب الأطراف السياسية في الشؤون العسكرية». وفيما لا يتوقع ان يملي الجيش على الحزب الحاكم اسم مرشحه، تحافظ القوات المسلحة بحسب المراقبين على حق النقض في تسمية «رأس الهرم» المصري المقبل. ويرى متابع الشؤون المصرية اسكندر العمراني ان «الجيش هو المؤسسة الوحيدة القادرة على عرقلة عملية الخلافة في مصر»، فيما اعتبر عضو الجمعية الوطنية للتغيير جورج اسحق «انه من غير المحبذ ان يلعب الجيش دورا سياسيا في دعم شخص مقابل آخر خصوصا وانه القوة الوحيدة والرئيسية في مصر الان».
وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي وقائد جهاز الاستخبارات عمر سليمان، اسمان بارزان يدرجان غالبا على لائحة المرشحين لخلافة مبارك، إلا ان الحديث قد زاد عن التوريث، خاصة بعد اصطحاب الرئيس لنجله جمال الى واشنطن في 6 ايلول الحالي، موعد انطلاق المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية المباشرة.
«انزعاج» عسكري كبير يرافق توقعات تسلّم جمال مبارك سدة الرئاسة خصوصا ان الاخير برأي الكثير من الضباط، يتجه إلى تسلم الحكم عبر الصناديق المزورة نفسها التي اعتادت عليها البلاد منذ 3 عقود. ودعا الضابط المتقاعد محمد قادري سعيد، نجل الرئيس الى الفوز في «انتخابات نظيفة»، وهي نصيحة تنبع من تشكيك الشخصيات العسكرية بنزاهة عالم الاعمال الذي ينتمي جمال، والكادرات الحزبية الجديدة، اليه. وترتبط المؤسسة العسكرية بالحرس القديم للحزب الوطني الحاكم، فيما يرتبط جمال مبارك بكوادر شابة كوّنت ثروات ضخمة في مجال «الأعمال».
ويضيف سعيد، المستشار العسكري لمركز «الأهرام» الحكومي للدراسات السياسية والاستراتيجية، انه «على خلف الرئيس الحالي، اياً يكن، ان يثبت للجيش بأنه لم يأت ليسلبه سلطته بل ليحافظ على هيكليته وقوته في الداخل»، ما قد يشمل على الأرجح موقعا مركزيا في سوق الاعمال المصرية. المصنع العسكري 99، يصنع على سبيل المثال، عددا كبيرا من السلع بالإضافة إلى انتاجه الأساسي لمكونات معدنية تستخدم في الذخيرة المدفعية.
في النهاية، تساهلت المحكمة العسكرية مع المضربين، لكن المؤسسة أوضحت موقفها: «لا إضرابات عمالية في المجتمع العسكري. إذا كانوا لا يريدون إطاعة قوانيننا، فليجربوا حظهم في العالم المدني».

المصدر: السفير نقلاً عن «نيويورك تايمز»

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...