هل ستتمكَّن البرامج القادمة من القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال؟

23-08-2010

هل ستتمكَّن البرامج القادمة من القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال؟

يعملون ليحصلوا على لقمة عيشهم مزارعين، عمالاً، وباعة متجوِّلين..
 يقضون نهارهم بعيداً عن لعبِ الأطفال وعفويتهم، فهموم الحياة ومتاعبها وصلت باكرة إلى قلوبهم الصغيرة، ليجدوا أنفسهم تحت رحمة رب العمل وقسوة الحياة..
215 مليون طفل في العالم تقريباً، يعيشون أشكال عمل الأطفال المختلفة، ذلك بحسب إحصاءات منظمة العمل الدولية، ومن هؤلاء آلاف الأطفال السوريين الذين يستيقظون كلَّ صباح لتكون وجهتهم العمل بدلاً من التعليم، والإجهاد بدلاً من اللعب..

على الرغم من القوانين التي تمنع أحياناً وتضبط أحياناً، نجد أنَّ هذه الظاهرة تفشَّت في مجتمعنا كثيراً، وأصبحت فعلاً بحاجة إلى حلٍّ جذري وسريع، لأنَّ أعداد هؤلاء الأطفال تزداد بشكل مستمرٍّ، وطبيعة الأعمال التي يقومون بها تسوء بشكل مستمر أيضاً، لتكون في أحيان كثيرة مضرَّة وخطرة على صحتهم..
نظرياً، هناك الكثير من الخطوات التي تُدرس حالياً، والتي من الممكن أن يكون لها أثر واضح في القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال.. أما عملياً، فننتظر أن نرى ترجمة لهذه الدراسات والبرامج والقوانين على أرض الواقع..

 قانون يضبط ولا يمنع ..
من هذه المبادرات، قانون العمل الجديد الذي تضمَّن مواد تضبط عمل الأطفال، إلا أنها لا تمنعه بشكل مطلق، حيث تمنع المادة 113 منه تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي، أو إتمام سنّ الخامسة عشرة من عمرهم، أيهما أكبر .وتسمح المادة نفسها أن يصدر بقرار من وزير الشؤون الاجتماعية والعمل نظام تشغيل الأحداث والظروف والشروط والأحوال التي يتمُّ فيها التشغيل، وكذلك الأعمال والمهن الصناعات التي يحظر تشغيلهم فيها وفقاً لمراحل السن المختلفة .
في حين تحظر المادة  114 منه تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً، على أن تتخلَّلها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة، لا تقلُّ في مجموعها عن ساعة كاملة، وتحدَّد هذه الفترات بحيث لا يشتغل الحدث أكثر من ثلاث ساعات متصلة، وتشير إلى أنه لا يجوز تكليف الحدث بساعات عمل إضافية مهما كانت الأحوال، أو إبقاؤه في محل العمل بعد المواعيد المقرَّرة له، ولا تشغيله في أيام الراحة، كما يحظر تشغيل الحدث في العمل الليلي. وتطبيق هذا القانون يحتاج إلى الكثير من الخطوات التي من المفترض أن تسبقه لتسهِّل تطبيقه، وتضبطه..

  اعتراف وواقعية
أولى هذه الخطوات، هي الاعتراف والواقعية، فإذا لم نعترف بوجود الظاهرة لن يكون بإمكاننا معالجتها، وإذا ضخَّمناها ستصعب كلُّ محاولات إيجاد حلول للقضاء عليها. وهنا يؤكِّد الدكتور كمال حمدان، المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات اللبنانية، أنَّ بعضهم يستندون نظرياً إلى أنَّ هناك إلزامية بالتعليم في مرحلة التعليم الأساسي، فيفترضون أن لا تكون ظاهرة عمل الأطفال موجودة في مجتمعنا، وأننا لا نعاني من عمل الأطفال، إلا أنَّ الواقع أقسى من ذلك بكثير .. بينما تعتقد مجموعة أخرى، أنَّ هذه الظاهرة ضخمة جداً وهي تصل إلى 10 % من أطفال الفئة العمرية 9- 15 سنة، وهذا فيه تضخيم.

 تأهيل
في محاولة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لضبط عمل الأطفال والقضاء على أسوأ أشكاله، تقوم الوزارة بحسب مصدر مطَّلع بتأسيس برنامج ريادي نموذجي لتأهيل الأطفال العاملين، يقدِّم الخدمات للأطفال؛ سواء التعليمية من خلال برامج تعليم بديلة للمدرسة، أم التأهيلية من خلال توفير خدمات علاجية خاصة للأطفال العاملين ذوي الإعاقة, أو الذين يعانون من تأخُّر دراسي وسُرِّبوا من المدرسة نتيجة لعدم قدرتهم على العودة إليها، لتنفِّذ خلال العام 2010 وفي العام 2011. كما سيتمُّ التركيز على النواحي التعليمية، بما فيها تعزيز التعليم الإلزامي ومنع التسرُّب المدرسي وتأسيس ثلاثة برامج ريادية لتأهيل الأطفال في دمشق وريفها وحلب ودير الزور.
 ويؤكِّد المصدر أنَّ الخطة المستقبلية للوزارة تعتمد إنشاء دار لرعاية هؤلاء الأطفال، إما في دمشق أو في حلب.
  اعتمادات مرتفعة وحلول بسيطة
عن هذه المبادرة، تقول شذى الجندي، المسؤولة عن برامج سورية في منظمة العمل الدولية: «هذه المبادرة هي جزء من البرنامج الوطني للعمل اللائق، وهي استراتيجية لتنفيذ برامج منظمة العمل الدولي بالتنسيق مع وزارة الشؤون الاجتماعية واتحاد نقابات العمال وغرف صناعة دمشق وريفها».
وتضيف: «طوَّرنا وثيقة مشروع أولية فيها المكونات الأساسية، وسيتمُّ استكمالها بناء على نتائج الدراسة الحالية حول عمل الأطفال، والتي ستقدِّم تفاصيل حول الأماكن الجغرافية التي يجب أن نبدأ بها».
وأشارت إلى أنَّ «المشروع الذي تطمح المنظمة إلى تنفيذه تبلغ تكلفته مليوناً وثلاثمئة ألف دولار».
مضيفة: «حتى لا ننتظر تأمين هذا الاعتماد، قرَّرنا أن نبدأ مع اليونسيف بحسب الإمكانات المتاحة، مباشرة العمل بعد الدراسة، وسنبدأ إعداد استراتيجية وطنية للقضاء على عمل الأطفال، على أمل أن تدرج هذه الاستراتيجية ضمن الخطة الخمسية الحادية عشرة، ليكون هناك استمرارية وقاعدة مؤسساتية للعمل المستقبلي مع كافة الوزارات، فالمشروع يعمل على تشكيل لجنة وطنية للقضاء على عمل الأطفال من كافة الوزارات المعنية؛ كالتربية والصحة والإدارة المحلية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ليكون هناك برامج تنفيذية تُظهر نماذج عن مراكز لتأهيل هؤلاء الأطفال في الأماكن التي تحدِّدها الدراسة الحالية، بالإضافة إلى برامج خاصة بنشر التوعية بين الأطفال عن أهمية التعليم».

ضبط أصحاب العمل
في ما يتعلَّق بأصحاب العمل، نصَّت المادة 115 «على صاحب العمل الذي يقوم بتشغيل الأحداث، أن يحرِّر كشفاً، مبيّناً فيه أسماء الأحداث وأعمارهم وتاريخ استخدامهم،كما يجب أن يضع في محل العمل وبشكل ظاهر كشفاً موضحاً فيه ساعات العمل وفترات الراحة» .
كما أشارت المادة 116 إلى أنه لا يجوز لصاحب العمل تشغيل أيِّ حدث قبل أن يقدِّم الولي أو الوصي شهادة صحية صادرة عن طبيب مختص تثبت مقدرته الصحية على القيام بالعمل الموكول إليه.
وفي هذا السياق، أفاد مصدر مطلع من وزارة الشؤون، بأنَّ البرنامج الوطني لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال في سورية سيركِّز على بناء قدرات العاملين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بمن فيهم مفتشو العمل ومنظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال, حول قضايا العمل.
بدائل للأسر..
من جهة أخرى، استثنت المادة 118 من تطبيق أحكام هذا الفصل الأحداث الذين يشتغلون في الصناعات المنزلية التي لا يعمل فيها سوى أفراد العائلة تحت إشراف الأب أو الأم أو الأخ أو العم أو الخال .
وعادة يكون أهالي الأطفال العاملين بحاجة ماسّة إلى عمل أطفالهم، ويجب على المعنيين تأمين البدائل المناسبة في حال أُجبر هؤلاء على التوقُّف عن تشغيل أطفالهم.
وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تعمل ضمن برنامجها القادم على تقديم الخدمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية لأهالي الأطفال العاملين، وتنفيذ برامج خاصة للحماية الاجتماعية تستهدف أسر الأطفال من خلال إيجاد البدائل لهذه الأسر حتى تتمكَّن من انتشال الأطفال من العمل.
وهنا تؤكِّد المسؤولة عن برامج سورية في منظمة العمل الدولية أنَّ هناك مشروعاً لتعزيز الحماية الاجتماعية بالتعاون من مركز الأمم المتحدة الإنمائي، وبقيمة خمسة ملايين يورو، وبتمويل من جهات مانحة؛ حيث سيتوجَّه جزء خاص من هذا البرنامج إلى الأسر، وإمكانية توفير الدعم المالي أو فرصة عمل أو مشروع صغير لهم، مقابل سحب أطفالهم من الشوارع، فلا يمكن القضاء على عمل الأطفال إلا بتأمين بديل للأسر .

 دراسة..
وستحدّد هذه البرامج ونوعيتها بالاعتماد على نتائج الدراسة التي تعدُّ حالياً، وستتبع هذه الدراسة بحملة إعلامية للتوعية حول مساوئ عمل الأطفال لتوعية الأطفال والأسر والمجتمع بشكل عام حول عمل الأطفال.
وعن تفاصيل الدراسة، قال الدكتور كمال حمدان، المدير التنفيذي لمؤسسة البحوث والاستشارات اللبنانية، القائم على إعداد الدراسة عن عمل الأطفال في سورية: «إنَّ هناك معطيات جزئية حول عمل الأطفال في سورية، ولكن لا يمكن الادِّعاء بأنَّ هناك قاعدة إحصائية حديثة تحيط بهذه الظاهرة، واليوم تسعى منظمة العمل الدولية واليونسيف، بطلب من وزارة الشؤون، لإرسال الخطوة الأولى لبدء تحضير قاعدة إحصائية عن عمل الأطفال، وهذه الدراسة نقوم بها حالياً وهي على وشك الانتهاء، وهي تعتمد على الدراسات السابقة التي تضمَّنت حتى المعطيات الجزئية عن عمل الأطفال، حيث تقوم الدراسة على استقراء كلِّ المعطيات وتقييمها وتحديد حجم الظاهرة من خلالها قبل البدء بالعمل الميداني»..
ويضيف حمدان: «وضعنا أسساً لهذه الدراسة، بدءاً من تحديد العمر الأدنى للأطفال الذين يعملون، مروراً بالتمييز بين من يعمل لدى أسرته أو خارجها، انتهاء بالتمييز بين من يعمل وهو متسرِّب من المدرسة ومن يعمل وهو مستمر في مدرسته، وكل ذلك بحسب الخصوصية السورية».
وأشار إلى أنَّ الدراسة الراهنة استعرضت هذه المقاربات وستصل إلى نوع من التقريب بينها للوصول إلى النسبة الأقرب للواقع، فهذه الدراسة تعتمد على الدراسات الإحصائية الموجودة، وهي لن تقوم بمسح ميداني للظاهرة، وبعد مقارنة الدراسات ستوضع فرضيات معينة ليتمَّ اعتمادها لاحقاً، كما ستظهر الفجوات الإحصائية.

توصيات ومقترحات
المرحلة الثانية- بحسب القائمين على إعداد هذه الدراسة- ستكون بعمل تحليلي ومقابلة مجموعات وفقاً لمعايير جغرافية وعمرانية وجنسية، لمقارنة النتائج مع الواقع، ومن ثم كتابة التقرير المكوَّن من خمسة فصول: الفصل الأول يتناول المحدَّدات الاقتصادية الكابحة لعمل الأطفال، والثاني يتناول الإطار القانوني الذي يتَّصل بعمل الأطفال، أما الثالث فهو ملخص يحدِّد مصادر المعلومات المتاحة وإظهار الفجوات، ويتضمَّن الفصل الرابع ورش العمل المركزة في الأراضي السورية والمقابلات التي قامت بها الدراسة، وأخيراً الفصل الخامس الذي يحمل التوصيات والملامح والخطة التي يجب أن تتبع عملنا، وذلك بتحويل كلِّ توجه إلى مشروع لنحصل على استراتيجية عمل متكاملة».
وأكَّد حمدان أنَّ النسخة النهائية من المشروع ستكون في أيلول القادم، ومن الممكن أن يتبع في أوائل العام القادم بإطلاق استراتيجية وخطط عمل حول القضاء على أسوأ أشكال عمل الطفل.
 الخطة الخمسية
وزارة الشؤون الاجتماعية تعاونت مع «اليونسيف» ومنظمة العمل الدولية للقيام بدراسة حول عمل الأطفال في سورية لتكون الركيزة التي من الممكن أن تبنى عليها الحلول القادمة، وذلك في إطار برامج وسياسات وطنية  للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال في سورية,  بهدف إدماج هذه السياسة ضمن الخطة الخمسية الحادية عشرة.

-دراسات.. برامج.. قوانين.. مشاريع.. كلها تهدف إلى القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال، لكنها مازالت حتى الآن حبراً على ورق، على أمل أن تنتهي بإعفاء هؤلاء الصغار من شقائهم، وأن تحوِّل اهتماماتهم إلى التحصيل العلمي والمعرفي، فمن حقهم أن يلعبوا، ويتعلَّموا، ويعيشوا طفولتهم.. 

لودي علي

المصدر: بلدنا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...