موسكو سئمت من الحيل و الاستفزاز

12-02-2016

موسكو سئمت من الحيل و الاستفزاز

الجمل ـ *فيكتور تيتوف ـ ترجمة رنده القاسم:

بدأ الأمر كله مع نشر النسخة العربية من معلومات السي ان ان القائلة بأن السعودية باشرت التحضير لغزو سورية لأجل تدمير داعش بشكل مطلق و تام، و قيل بأن الحملة تضم 150 ألف مقاتل من دول عربية و اسلامية تضم مصر و السودان و الأردن و الإمارات العربية المتحدة و قطر و المغرب و البحرين و اندونيسيا و ماليزيا.  و قد أطلق التصريح على خلفية معلومات حول تمركز أعداد مشابهة من الجنود الأتراك قرب الحدود السورية الشمالية ، مدعومين بالدبابات و العربات المصفحة و طائرات الهيلكوبتر.  و كانت أنقره أطلقت نداءات لأجل التوقف عن قبول اللاجئين من سوريه  و عوضا عن ذلك خلق "منطقة آمنة" داخل سورية لإيوائهم.  و من الواضح أن أنقره ستنفق أموالا أوربية على هذا المشروع، مع إحاطة المنطقة بجنود أتراك مدججين بالسلاح.

إذن، نحن نشهد محاولة مستميتة لخلق حضور عسكري ، على الأقل شبه شرعي، شمال سورية بما أن الجنود السوريين و قوات الدفاع الشعبي الداعمة  تمكنوا من إغلاق الحدود مع تركيا، و بهذا تم قطع خط الإمداد الرئيسي لمقاتلين شتى يحاربون ضد الحكومة السورية الشرعية و يسرقون النفط منها  بنفس الوقت و يقومون بتهريبه إلى تركيا.

أطلقت الرياض تصريحات مشابهة من قبل، و لكن لندن الآن أصبحت أكثر تورطا في اللعبة، إذ أعلنت صحيفة The Daily Telegraph أن القوات المسلحة البريطانية ستقوم بنشر عدد كبير من الجنود و المدرعات الثقيلة في الأردن لأجل تدريبات عسكرية. و بهذه الطريقة تحاول لندن تجريب قدرتها على إرسال ثلاثين ألف جندي إلى أي مكان في العالم في حال صراع محتمل بين روسيا و الناتو.

"عاصفة الشمال" هي جزء من المناورات العسكرية ، و ستنشر المملكة المتحدة ألف و ستمائة جندي و ثلاثمائة عربة في الأردن للقيام بتدريبات مشابهة للتحضيرات التي سبقت غزو العراق. و وفقا لصحفيين بريطانيين، لم تقم لندن بهكذا تدريبات منذ أكثر من عشر سنوات.و ذكرت الصحيفة على لسان خبير عسكري لم يذكر اسمه أن هذه التدريبات العسكرية لا علاقة لها بالقتال ضد داعش، و عوضا عن ذلك لندن تجهز لدعم الولايات المتحدة في تدخلها العسكري في أوكرانيا. و أضاف المصدر مغفل الاسم أنه يمكن اعتبار عاصفة الشمال كتحضير لصراع محتمل بين روسيا و الناتو، الأمر الذي يصعب تصديقه بل و حتى يستحيل. فصراع محتمل بين الناتو  و روسيا في أوروبا يعني حرب نووية شاملة، لا قتال الخنادق كما في الحرب العالمية الأولى. و قبل كل ذلك، الولايات المتحدة لم تعلن أنها سترسل جنودا إلى أوكرانيا لشن هجوم على روسيا من هذه الجهة.

و هذا النوع من البروبوغندا الرخيصة أضحى سمة الإعلام الغربي، و  حتى مع  صحفيين و صحف امتلكوا مصداقية في الماضي.

أما بالنسبة للعرب فان الكلام خيالي، فأي نوع من القوات يتحدثون عنه؟ السعوديون و الإماراتيون و القطريون و الكويتيون كلهم غارقون حاليا في مستنقع اليمن و منذ زمن طويل، و غير قادرين على التخلص من الحوثيين ،المتمردين الشيعة المحليين. و بالنسبة للسلاح الجوي السعودي، يبدو أنه قادر فقط على  قصف مناطق مدنية ، قاتلا حشودا من المدنيين. و الجدير ذكره ، أنه مع إطلاق التهديدات السعودية ، تعاني المملكة نفسها من تمرد شيعي محتمل في المقاطعة الشرقية ، كما يجهز الزعماء القبليون  لإسقاط آل سعود بسبب سياستهم في خفض أسعار النفط.  و من الواضح، أن تهديدات الرياض تهدف إلى إيقاف العمليات العسكرية الروسية ضد الإرهابيين في سورية، العمليات الناجحة جدا بحيث تمكن جنود الحكومة السورية من استعادة حفنة من المناطق في يوم واحد، بينما قامت الميليشيات المتطرفة بالهروب إلى العراق أو أوروبا عبر تركيا.

غير أن القصة مختلفة تماما مع أنقره التي تعاني من هزيمة إثر أخرى عبر الشرق الأوسط على الجبهتين العسكرية و الدبلوماسية. و بعد بذل كل الجهود من أجل تعطيل محادثات جينيف ، تعاني تركيا اليوم من عواقب مشؤومة في شمال سورية. فالإسلاميون المتطرفون الذين دعمتهم تركيا يغادرون مواقعهم في محافظة حلب. أما  بالنسبة للتركمان في محافظة اللاذقية فقد قرروا تحدي تركيا و الوقوف في صف خصومها. و هذا يعني بشكل أساسي موت حلم أردوغان بخلق "أمة تركية واحدة" تمتد من لاذقية سورية الى نينوا العراق .

و تملك تركيا عددا من الأولويات الإستراتيجية في سورية تجبر أنقره على التجهيز لعمليات عسكرية على الأراضي السورية. فهي تريد الاحتفاظ بقناة امداد ثابتة لتزويد المجموعات المتمردة بالسلاح و التعزيزات، إلى جانب تحييد النشاطات العسكرية للأكراد السوريين غرب الفرات، و لكن بنفس الوقت قمع النشاطات في تركيا نفسها.

و قبل تحرك الجنود الروس داخل سوريه، كانت أنقره لا تزال تأمل بخلق "منطقة عازلة" باتساع 98 كيلومترا تمتد من جرابلس إلى عزاز، و لكن مع انتشار س 400 الروسية في سورية لم يعد الأمر مطروحا. و الخيار الوحيد المتبقي هو  توجيه تدخل عسكري في سورية ، و لكن الناتو فرض على أنقره شرط التخطيط لذلك بتعاون وثيق مع الخبراء الغربيين، و لم تطلق يد تركيا. و بشكل مشابه، أجبر مندوبون سعوديون على السفر إلى مقرات الناتو في بروكسيل لنقاش أعمالهم المحتملة في سورية.

خط الجبهة شمال سورية يقترب بسرعة من الحدود التركية. و هناك خطر متنامي من مواجهة عسكرية مباشرة بين الجيش السوري المتقدم بسرعة و المقاتلين المتطوعين العراقيين  و الإيرانيين و أعضاء من حزب الله اللبنانيين من جهة و بين الجنود النظاميين الأتراك من جهة أخرى، في حال تلقي الأخيرين أوامر ببدء غزو سورية. و وفقا لبعض التقارير، هناك أكثر من خمسمائة وحدة خاصة تركية عاملة  منتشرة في سورية، تعمل تحت قناع التدريب أو الاستشارة . و لا يملك  رئيس الأركان التركي نية إرسال المزيد من الجنود بسبب ضغوط الحكومة السورية على المقاتلين في محافظة حلب.  و قد بدأت خطوط دفاعهم بالانهيار، و لهذا تمكن جنود الحكومة من السيطرة على الطريق العام الذي يربط حلب بمدينة عزاز السورية على الحدود مع تركيا. و حرر الجيش السوري نبل و زهراء التي كانت محاصرة من قبل الميليشيات لسنوات، و تم الهجوم الرئيسي بدعم قوي من الطيران الروسي و السوري.

و بنفس الوقت كل ما كانت تفعله واشنطن هو قطع الوعود، فعلى سبيل المثال أعلنت أنها سترسل طائرات EA-18 Growler ،التي قيل أنها تملك إمكانيات متقدمة، إلى قاعدة جوية في تركيا في محاولة مواجهة نظام س 400 الروسي المنتشر في سورية، بينما حاولت السلطات التركية باستماتة التدخل في الوضع على الأرض السورية. فمثلا قامت وحدات سلاح المدفعية التركية طويلة المدى بقصف مناطق جبلية في اللاذقية... و قرب القتال في حلب، تقوم تركيا بتجميع قواتها المدرعة لخلق نوع من القبضة المدرعة لسحق القوى المعادية. لقد أعادت تركيا نشر وحداتها الثقيلة من الحدود مع اليونان إلى المناطق الحدودية مع سوريه.

و لكن من الواضح أن موسكو سئمت من كل "الحيل" التي يلعبها العرب و تركيا و الناتو. ففي الساعة الخامسة من صباح يوم الثامن من شباط ، كانت المنطقة العسكرية الجنوبية الروسية  على أهبة الاستعداد  لتفقد جاهزية جنودها للقتال. و منح اهتمام خاص لاستعداد الجنود المنقولين جوا  و لنقل الطيران العسكري و لأسطول البحر الأسود و أسطول قزوين  وفقا لقرار القائد الأعلى الروسي.  و أشرف وزير الدفاع سيرجيه شويغو على تدريب القوة الجوية للجيش الرابع و وحدات الدفاع الجوية بشكل شخصي ، و قال الوزير أن الإشراف مطلوب لرفع جاهزية المنطقة العسكرية الجنوبية من أجل الرد على أي نوع من الأزمات و فحص جاهزية الطائرات الحربية و قوات الدفاع الجوي لصد الهجمات الجوية للعدو و حماية الممتلكات العسكرية و الحكومية الروسية.

إنها إشارة واضحة لكل أولئك الذين لا ينوون وقف الاستفزازات و يطمحون لمغامرة عسكرية في سورية. إنها إشارة إلى أن روسيا تملك قوات و مصادر كافية لرد أي معتدي. من الواضح أن تلك القوى يجب أن تفكر مرتين قبل القيام بأي استفزاز على أمل أن الولايات المتحدة سوف تحميهم.

 

*معلق سياسي في شؤون الشرق الأوسط و حائز على درجة دكتوراه في التاريخ

عن مجلة New Eastern Outlook الإلكترونية

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...