وثيقـة تهـزّ أنقـرة: كيـف يتدخـل الجيـش فـي السياسـة؟

23-06-2008

وثيقـة تهـزّ أنقـرة: كيـف يتدخـل الجيـش فـي السياسـة؟

كشفت صحيفة «طرف» التركية، عن وثيقة أعدتها جهات داخل المؤسسة العسكرية، تعكس انغماساً كاملاً للمؤسسة في الحياة السياسية والإعلامية، وأثارت ضجة وردود فعل، منها المؤيد ومنها المستنكر، فيما نفت رئاسة الأركان وجود وثيقة رسمية بهذا الخصوص.
وتحمل الوثيقة اسم «خطة العمل المدعومة بالمعرفة»، وتم إعدادها في أيلول عام ,2007 أي في الفترة التي كان حزب العدالة والتنمية يعمل على مشروع دستور جديد يضعف مؤسسات الدولة العميقة.
وتقع الوثيقة، التي حملت اسم «لاهيكاـ1»، في 11 صفحة، ولم تشر إلى أسماء من أعدوها، بل اكتفت بالإشارة الى كل اسم عبر عدد معين من حرف «اكس» حتى لا تعرف هويتهم مباشرة.
وذكرت الصحيفة أن الوثيقة هدفت إلى جذب الرأي العام التركي إلى جانب طروحات المؤسسة العسكرية، ومنع النشاطات الفكرية الخاطئة بحق المؤسسة العسكرية وضمان وحدة الجيش. ومن «خطة عمل» الوثيقة:
1ـ إقامة تواصل مباشر، أو غير مباشر، مع رواد الفكر، وإظهار أن القوات المسلحة ليست ضد الدين وأنها تحترم القيم الوطنية والدينية، وأن أفراد القوات المسلحة خرجوا من داخل الشعب، وأن رزمة الدستور (التي كان يعدها الحزب الحاكم) هي ضد الدولة الوطنية!
2ـ دعم أشخاص داخل مجموعات سياسية وإتنية تستهدف القوات المسلحة بهدف شقّ صفوف هذه المجموعات، وإعطاء أولوية للعاملين في الصحافة والفن. بالإضافة إلى تشويه سمعة الصحافيين والفنانين الذي يهاجمون القوات المسلحة.
3ـ العمل على إظهار أن القوات المسلحة ليست معادية للدين، والتذكير بقول مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك ان «الدين مؤسسة ضرورية». وتشرح الوثيقة كيف أن النشاطات الرجعية (أي الإسلامية) تعمل على نشر قناعة لدى الرأي العام أنها مجرد نشاطات لمنظمات مجتمع مدني، فيما أن «البؤر الرجعية» تعمل على تعميم نمط الحياة الإسلامية في المجتمع وإدخال كادراتها في مؤسسات الدولة، وتأسيس بنى سياسية وإدارية، وكلها تنظم من جانب السلطة (حكومة حزب العدالة والتنمية).
4ـ تدعو الوثيقة إلى إجراءات تعكس القلق من النشاطات التي تدعم الإرهاب (الكردي)، والى قطع هذا الدعم عن الإرهاب في شمال العراق، والى عدم بقاء داعمي الإرهاب من دون معاقبة. وإرسال رسالة مماثلة بهذا الخصوص إلى السكان في شمال العراق المحاذين للحدود التركية. والتذكير هنا بكلام لرئيس الأركان التركي بضرورة إعلان أن حزب المجتمع الديموقراطي الكردي، الذي له 20 نائباً، هو حزب إرهابي.
5ـ السعي لدى الجامعات والقضاة رفيعي المستوى وكبار الإعلاميين والفنانين ليكونوا على نفس خط تفكير القوات المسلحة، وإقامة اجتماعات معهم تحت ستار «غداء عمل». أما القضاة فإقامة اجتماعات دورية معهم.
6ـ توجيه الرأي العام والتركيز على الأفكار المؤيدة للقوات المسلحة وتعميم الفكر الأتاتوركي عبر برامج تلفزيونية ووثائقية ومسابقات فنية ورسوم كاريكاتورية.
وتحدد الوثيقة من سيشرف على كل نشاط من بين مؤسسات القوات المسلحة وكيفية الإنفاق عليه.
ردّ القوات المسلحة لم يتأخر، إذ أصدرت رئاسة الأركان بيانا نفت فيه وجود أية وثيقة رسمية، أو خطة، حظيت بموافقة القيادة العليا، وأن ما نشر هو «دعاية رخيصة» ولن تؤثر مثل هذا الدعايات على دور القوات المسلحة في حماية ووقاية الجمهورية التركية حتى النهاية.
بيان رئاسة الأركان لم يزل الشكوك حول وجود مثل هذه الوثيقة، فصحيفة «ميللييت» اعتبرت أن نفي رئاسة الأركان لوجود مثل هذه الوثيقة الرسمية على مستوى القيادة يؤكد أنها أعدت من قبل قيادات أدنى مستوى.
وجاء كشف الوثيقة من جانب صحيفة «طرف» ليؤكد أيضا أن اللقاء الذي تم بين الرئيس الثاني للأركان ايلكير باشبوغ ونائب رئيس المحكمة الدستورية عثمان باكسوت، الذي انعقد أكثر من مرة قبل صدور قرار المحكمة الدستورية حول الحجاب، دخل تنفيذاً لوصايا الوثيقة، علماً أن الصحيفة هي التي كشفت خبر اللقاءات قبل أن يتم الاعتراف بحصولها من قبل رئاسة الأركان تحت ذريعة أنها عقدت لأسباب اجتماعية.
حتى رئيس تحرير صحيفة «حرييت» ارطغرل اوزكوك، الداعم الأكبر وسط الصحافة للقوات المسلحة، لم يقتنع إلا بنسبة 70 في المئة بما جاء في خطة العمل المكشوف عنها، مستغرباً الثلاثين في المئة المتبقية من عناصر الخطة، بل اعتبر تسريب الوثيقة بأنه نجاح صحافي كبير لصحيفة «طرف» ويعكس ضعفاً أمنياً داخل القوات المسلحة يتطلب التفكير فيه بصورة جدية للغاية.
وهذه هي المرة الثالثة التي يكشف فيها منذ عام 1997 عن إعداد القوات المسلـــحة لخطط عمل لجمع ملفات حول عدد كبير جداً من العاملين والعاملات في قطاعات الإعلام والفن والتربية والاقتصاد والجامعات والقضاء وغيرها.
ويلفت في بيان القوات المسلحة انه ذكّر في نهايته على دور الجيش في «حماية ووقاية» الجمهورية، وهي العبارة التي يستخدمها كثيرا في بياناته، ولا سيما في المحطات المهمة والتي تنص عليها المادة 35 من قانون المهام الداخلية للجيش والذي يفسرّها الجيش على أنها تعطيه الحق في التدخل في السياسة، بل القيام بانقلابات في حال تعرض الجمهورية للخطر، والتي بموجبها برر كل التدخلات العسكرية منذ عام 1960!

محمد نور الدين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...