مسرح الهواء الطلق.. ضاع في شوارع المدينة

01-08-2011

مسرح الهواء الطلق.. ضاع في شوارع المدينة

بدأت عروض الهواء الطلق -عروض الشارع- منذ بضع سنين ولم تستطع هذه العروض أن تؤسس لظاهرة مسرحية أو ثقافية أو أن تكون أحد أساليب التعبير الفني الذي ساد العالم منذ بدايات المسرح, أي لأكثر من ثلاثة آلاف عام, هذا المسرح الذي يتماهى مع الناس وينزل إليهم بدلاً من انتظار قدومهم إليه.

في أيامنا العصيبة هذه يجري أي شيء في الشارع إلا مسرح الشارع, مسرح الهواء الطلق, مسرح الساحات والأسواق والحدائق, تلك الاحتفالية المفرحة والمفيدة والمفعمة بالروح الإنسانية والأخلاق الاجتماعية. ‏

إن أهم ما يميز عروض الهواء الطلق هي تلك العناصر التي تحملها هذه العروض وتتميز بها عن عروض أبنية المسارح التقليدية, إنها لا تعتمد النص التقليدي (وان أتت الفكرة من وحي نص معروف), لكنها تتناول قضية, أو موضوعاً مستمداً من حياة الناس والمجتمع وقضاياه الملّحة والآنية والقادرة على محاكاة ذهنية الجمهور العادي دون الاتكاء على النخبة التي تتابع المسرح وتلاحقه أينما كان, بمعنى: أن مسرح الشارع منفتح على أوسع شرائح المجتمع, حتى تلك التي لا تهتم بالمسرح, ولأجل هذا يغلب الطابع المرح أو الكوميدي وكذلك الحركي – الديناميكي لجذب عابر سبيل وإيقافه مقابل شخوص مسرحية وأفعالهم وعلاقاتهم, وهذا بالذات ما يضيف صفة خاصة على عروض هذا المسرح وبشكل خاص على الممثلين الذين يواجهون جمهور مسرح الشارع, ذاك الجمهور المتنوع والمختلف بمستوياته الاجتماعية والثقافية, بل وحتى بعلاقته بالمسرح والفن عموماً, هذا الأمر يتطلب حرفية عالية وإمكانية كبيرة على التأثير وشدّ انتباه المشاهد حتى لو كان عابراً للسبيل أو غير مهتم أساساً بهذا النوع من الفرجة, إن الأساليب الفنية لعروض الشارع المسرحية تتطلب مهارات خاصة وإمكانيات كبيرة من الممثلين وتمكّنهم من تنويع أساليب أدائهم وسرعة البديهة والذكاء والمعرفة الحقيقية لما يتطلب الشارع وجمهوره, إمكانات لا تقتصر على الأداء الحركي والصوتي, إنما تستخدم مختلف أنواع المهارات من ألعاب خفة وأكروبات ورقص وعزف وغناء, إضافة إلى تعامل خاص مع مكملات العرض كاستخدام طبيعة المكان (أشجار أو صخور أو أماكن طبيعية, والتكيف مع خصوصية هذه الأماكن بسرعة وذكاء) إضافة لهذا يمكن أن تستخدم الحيوانات الأليفة والمدربة وحتى مختلف وسائل النقل الفردية أو الجماعية (دراجات هوائية ونارية وعربات وحافلات, وسلالم وتجهيزات ميكانيكية أو ما يشبهها). ‏

ويضطر الممثل الجوال, أو ممثل الشارع للمبالغة في أسلوب أدائه واعتماده بشكل أساسي على نمطية الشخصيات وشعبيتها وإمكانيتها على التأثير العاطفي المباشر, فأداء الممثل في عروض الشارع لا يحتمل أداءً نفسياً أو انفعالياً بدواخله ومكوناته, لذا تعتمد عروض الشارع على الأنواع الكوميدية الساخرة ولا تخشى هذه العروض حتى المباشرية والخطابية أو التحريضية.. ‏

يضاف إلى هذا غياب تجهيزات الإضاءة والصوت, فعروض الشارع إما أن تكون نهارية أو باعتماد وسائل بدائية (كالمشاعل والمصابيح النفطية أو الكهربائية النقالة أو اليدوية), لكن أهم ما يواجه عروض الشارع من اختبارات هو ردود فعل الجمهور المتواجد, مما يتطلب إمكانيات كبيرة على الارتجال وردود الأفعال الآنية الفورية وإمكانية الإبقاء على مشاهديه منجذبين لما يقدمه, ومنع هذا الجمهور من الابتعاد عن العرض الذي يهدده الفشل في حال انصراف هذا الجمهور عنه. ‏

عروض الشارع ومسرح الهواء الطلق, نوع فني خاص ومتميز ويختلف كثيراً عن أنواع الفرجة الجماعية كافة, وفي هذه الأيام, تبدو الحاجة ملحة إلى عروض الهواء الطلق, ولنا أن نتذكر التجربة المتميزة التي حققتها (موسيقى على الطريق) وذاك التوجه والسعي وراء الجمهور بدلاً من انتظار قدومه إلى صالات العرض. ‏

يخرج الكثيرون إلى شارع أيامنا المتأزمة هذه, وتظهر أنشطة مختلفة, السلمية منها والعنيفة, بل وحتى العدوانية, ألا يمكن للمسرح أن يقول كلمته في خضم هذا الزحام في الشارع, كلمة لا تجييش فيها ولا انفعالية متعصبة, بل عبر كلمة فنية تحمل الكثير من العواطف الإنسانية والمواقف العقلانية والفكر التنويري! ‏

عفراء بيزوك

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...