ما العلاقة بين الاستراتيجية العسكرية والمجتمع المدني

22-12-2006

ما العلاقة بين الاستراتيجية العسكرية والمجتمع المدني

الجمل:  دلالة مصطلح الرأي العام تشير إلى ارتباطه بمفهوم المحصلة الكلية الإجمالية للتوجهات والمعتقدات التي يتبناها ويتمسك بها السكان البالغون. وقد تطور مفهوم الرأي العام بعد التطبيقات الإسقاطية التي صاحبت تطور الجوانب السلوكية للعلوم الاجتماعية، وإسقاطاتها على حركة المجتمع والوعي الاجتماعي.
أول ظهور لمصطلح (رأي عام)، كان في اللغة الفرنسية، وذلك عندما استخدم الفرنسي مونتانج مصطلح (L'opinion pudlique)، في معرض الإشارة لعمليات التحول الحضري، والقوى السياسية والاجتماعية.
كذلك أشار لاحقاً بعد ذلك، المفكر الاقتصادي الرأسمالي آدم سميث إلى مصطلح الرأي العام في بعض مؤلفاته، ويعتقد الكثيرون أن المفكر الانجليزي جيرمي بنتام كان أول من قام بتطوير ووضع نظريات حول الرأي العام. استندت إليها جهود المفكرين والباحثين الذين جاؤوا بعده، على النحو الذي أدى إلى تطوير وإرساء القواعد العلمية للتعامل مع ظاهرة الرأي العام.
تزايد الوعي الإدراكي، بأهمية الدور الذي يلعبه الرأي العام في حسم الصراعات داخل الدول والكيانات السياسية الغربية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، وبلدان غرب أوروبا الأكثر اهتماماً بدراسة ظاهرة الرأي العام، والسبب الرئيسي في ذلك يتمثل في المنافسات الانتخابية بين الأحزاب السياسية، الهادفة والساعية لتحقيق الفوز الانتخابي بما يحقق لها السيطرة على دوائر صنع واتخاذ القرار وتسيير دولاب الدولة في هذه البلدان في الحقب المعاصرة، حدثت عدة تحولات في ظاهرة الصراع السياسي داخل، وبين البلدان الغربية، ولم يعد الصراع يتعلق حصراً باستخدام الوسائل والوسائط العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية، بل أصبحت عملية التأثير على الرأي العام، وضبطه وتوجيهه، بما يحقق السيطرة الكاملة عليه، هي الأكثر أهمية في الوقت الحالي.
تقول الباحثة سيتفاني كوخ في دراستها التحليلية التي نشرتها دورية الدفاع الوطني والأمن الجماعي، والتي حملت عنوان (عملية الحرب الحديثة: معركة الرأي العام)، بأن طبيعة عملية الحرب قد شهدت تحولاً وتغيراً دراماتيكياً، وذلك، من الحرب التقليدية (المتماثلة) بين الدول والبلدان التي تملك القوات المسلحة التقليدية، إلى الحرب غير التقليدية (اللامتماثلة)، بين الجماعات المسلحة والدول وجيوشها النظامية.
تشير ستيفاني كوخ، إلى حرب الصيف الماضي بين إسرائيل وحزب الله باعتبارها تمثل النموذج المثالي الذي تعكس معطياته خبرة هذا التحول، وتقول الباحثة بأن حزب الله استطاع أن يستخدم الرأي العام كسلاح رئيسي.
ويمكن توضيح ذلك على النحو الآتي:
• في بداية الحرب كانت إسرائيل أكثر تفوقاً في توازنات معركة الرأي العام، وذلك بسبب استخدامها البارع آنذاك لعملية اختطاف الجنود الإسرائيليين كذريعة شكلت (بؤرة) الحرب الإعلامية الإسرائيلية عند لحظة بدء الحرب.
• في الجزء الثاني من فترة الحرب، استطاع حزب الله أن يحقق اختراقاً كبيراً في جبهة الرأي العام بسبب جملة من الاعتبارات، أبرزها:
- المماطلة الإسرائيلية في عملية وقف إطلاق النار.
- لجوء إسرائيل لعملية العقاب الجماعي المحرمة دولياً.
- البسالة التي حارب بها مقاتلو حزب الله القوات الإسرائيلية.
- انكشاف حقيقة النوايا الإسرائيلية الهادفة إلى توسيع الحرب في منطقة الشرق الأوسط.
تقول أطروحات علم الاجتماع السلوكي، وتطبيقاتها على العلاقات المدنية- العسكرية، بوجود علاقة وثيقة بين الاستراتيجية العسكرية والمجتمع المدني، وذلك في كل الاعتبارات المتعلقة بعملية حشد وتعبئة موارد القوى الوطنية والقومية من أجل خوض الحروب والمعارك.
أبرز الوسائط التي يتم استخدامها في معارك وحروب الرأي العام، تتمثل في الآتي:
• مراكز الدراسات والبحوث الاستراتيجية: وتركز هذه المراكز على عملية صنع المبررات والذرائع وإكسابها طابعاً منطقياً، ثم توليد أو إعادة إنتاج المصطلحات ذات القدرة والكفاءة، في التعبير عن المضمون.
• أجهزة الإعلام:
- الصحافة الورقية والالكترونية.
- الإذاعة والتلفزيون.
- الكتب والمجلات والدوريات.
- النشرات والتقارير.
إن الاهتمام بالسيطرة على الرأي العام، قد أدى إلى اهتمام الكيانات السياسية، بتحقيق عملية الاستحواذ ووضع اليد على أجهزة التأثير في الرأي العام، وأصبحت عملية السيطرة هذه تتم وفقاً لمستويين هما:
• سيطرة هيكلية: وذلك عن طريق إنشاء وإقامة وسائل التأثير في الرأي العام، وحالياً أصبحت كل الكيانات السياسية المتقدمة تملك الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون الخاصة.
• سيطرة وظيفية: وذلك عن طريق التأثير على الوظيفة التي تقوم بها وسائل التأثير في الرأي العام، ومن أمثلة ذلك: تقديم الدعم المالي للصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون على النحو الذي يدفع المسؤولين عنها إلى التحيز لصالح الأطراف الداعمة، وفقاً لأطروحة مصادقة من يصادقها، ومعاداة من يعاديها.
وأخيراً نقول: أصبح في حكم البديهي صحة الأطروحة القائلة: إن الانتصار في المعارك العظيمة يتم بالتعبئة والحشد الفاعل للرأي العام، وعلى خلفية هذه الحقيقة نقول: ماتزال كليات الاجتماع وعلم النفس والصحافة، في الجامعات العربية تتميز بقدرتها في إعداد الخريجين الذين لا يعرفون أبسط أبجديات أطروحات الرأي العام وحسب، بل ولا يدركون الطبيعة (السلوكية) الفائقة الأهمية لتخصصاتهم، وبالذات في الاعتبارات المتعلقة بعملية الحشد والتعبئة الفاعلة للقدرات الوطنية والقومية بما يؤدي لحسم المعركة الفاصلة.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...