غزة تجاهد... والعرب يمنحون إسرائيل فرصة جديدة لإحراقها

01-01-2009

غزة تجاهد... والعرب يمنحون إسرائيل فرصة جديدة لإحراقها

.. وفي اليوم الخامس على واحد من أشرس الاعتداءات الاسرائيلية وأعنفها على الشعب الفلسطيني، ظل قطاع غزة أسير الغارات الجوية والبحرية، التي حصدت المزيد من مواطنيه، واختارت بينهم بشكل خاص الطواقم الطبية وفرق الاسعاف، فضلا عن العائلات التي احتمت بالمساجد والمراكز الانسانية الدولية، فيما أثبتت المقاومة الفلسطينية انها استوعبت الضربة الاولى، وتابعت توجيه صواريخها في اتجاه المستوطنات المحيطة بالقطاع، بمعدل ثابت وبمدى اوسع، كما واصلت استعداداتها لمواجهة الاجتياح البري الاسرائيلي الذي يبدو انه صار مرجحا خلال اليومين المقبلين.
وفي اليوم الخامس ايضا، ارتفع عدد الضحايا الفلسطينيين، الى معدلات غير مسبوقة، في اي من الحملات العسكرية الاسرائيلية، اذ قارب الاربعمئة شهيد دفنوا على عجل، واكثر من ألفي جريح غصت بهم المستشفيات والمستوصفات التي باتت تفتقر الى الحدود الدنيا من القدرة على الاستمرار، والتي لم يصل اليها سوى عدد من الاطباء الاجانب الذين تطوعوا لنجدة جرحاها، وما زالت تنتظر وصول المعونات الطبية التي اعلن عنها عدد كبير من الدول العربية والاجنبية.
لكن يبدو ان انتظار غزة سيطول، ويزداد صعوبة لا سيما في ضوء النتائج المخيبة لاجتماع وزراء الخارجية العرب، الذي تهرب من تحمل المسؤولية عن المذبحة الكبرى، وتواطأ على خيار تدويل الازمة ورفعها الى مجلس الامن الدولي، مع ما يعنيه ذلك من اعطاء اسرائيل فرصة زمنية اضافية لاكمال مهمة سفك دماء فلسطينيي القطاع وتدمير مدنهم وقراهم ومخيماتهم، خصوصا وان انعقاد المجلس يتطلب مشاورات مسبقة قد تطول اياما، وربما اسابيع، لا سيما بعدما اعلن ان الرئيس الفلسطيني محمود عباس سيتوجه الاثنين المقبل الى نيويورك، كما ان انعقاده وقراره المفترض سيواجه حتما بالفيتو الاميركي، الذي اعلنه الرئيس جورج بوش صراحة امس في اتصاله مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، في استعادة شبه حرفية للموقف الاميركي خلال الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان.
وفي الوقت الذي كان الوزراء العرب يوجهون اتهاماتهم الضمنية الى الجانب الفلسطيني وخلافاته التي اعتبروا انها سبب الحرب الاسرائيلية، كانت السلطة الفلسطينية وحركة حماس تتبادلان إلقاء المسؤولية والحملات السياسية، التي تعود معظم بنودها الى ما قبل الحرب الحالية، فيما وجه رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية اول رسالة متلفزة الى الشعب الفلسطيني اعطى الانطباع خلالها ان مقاومة غزة، لا تزال صامدة ومتماسكة لم تتأثر بالضربات الجوية والبحرية الاولى، وهي تستعد للرد والمواجهة، المباشرة مع العدو .
وقائع اليوم الخامس
أوصدت إسرائيل الباب أمام أي فرصة للحل، حيث قررت المضي قدماً في عملياتها العسكرية ضد غزة، التي ذهب ضحيتها حتى مساء أمس نحو ٤٠٠ شهيد فلسطيني وأكثر من ألفي جريح، غالبيتهم من المدنيين، رافضة بشكل قاطع اقتراحاً فرنسيا بوقف لإطلاق النار لمدة ٤٨ ساعة يفسح المجال أمام إيصال مساعدات إنسانية للقطاع المنكوب.
في المقابل، يبدو أن المقاومة الفلسطينية قد »خرجت من تحت الأنقاض«، كما جاء في تعليقات وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث أمطرت المستوطنات والمدن الإسرائيلية بعشرات الصواريخ، التي طالت لليوم الثاني على التوالي بئر السبع، عاصمة صحراء النقب، والمدينة الاستراتيجية في جنوبي إسرائيل.
وذكر مسؤول إسرائيلي بارز، في أعقاب اجتماع الحكومة الأمنية المصغرة، أنه »تقرر مواصلة الحملة التي أطلقت ضد حماس في غزة«، فيما نقل عن رئيس الوزراء إيهود أولمرت قوله إنّ إسرائيل أعطت حماس »سنوات من الفرص« لوقف إطلاق النار. وأضاف أنه »في حال نضجت الظروف، ووجدنا أنّ هناك حلاً دبلوماسياً يضمن الأمن في الجنوب، سنأخذه في الاعتبار«، لكنه أضاف أنه »في الوقت الحاضر لا يوجد« حل كهذا.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية ايغال بالمور أنّ »الاقتراح (الفرنسي) لا يشمل أية ضمانات بأن حماس ستوقف إطلاق الصواريخ والتهريب«، فيما اعتبر المتحدث باسم مكتب أولمرت مارك ريغيف أنّ »حلول الإسعافات الأولية غير مستدامة وغير حقيقية«.
وفيما ذكرت مصادر دبلوماسية فرنسية لوكالة »آكي« الإيطالية أنّ لدى باريس انطباعا بأنّ الحكومة الإسرائيلية »تدرس جدياً« المقترحات الأوروبية بوقف إطلاق النار، فإنّ وزارة الخارجية الإسرائيلية أعلنت أن الوزيرة تسيبي ليفني ستتوجه إلى باريس اليوم، حيث ستؤكد رفض حكومتها للاقتراح الفرنسي.
وكانت صحيفة »هآرتس« أشارت إلى وجود تباين في أوساط قادة الاحتلال بشأن الاقتراح الفرنسي، حيث أيده باراك ورفضه أولمرت فيما لم تبد ليفني موقفاً إزاءه. وأضافت الصحيفة أن أولمرت بلور أربعة شروط للتهدئة هي، وقف إطلاق الصواريخ، ووقف العمليات من جانب حماس، ومنع تهريب الأسلحة، وإنشاء نظام مراقبة للتأكد من تطبيق حماس لهذه الشروط.
وفي السياق، برر البيت الأبيض رفض إسرائيل الدعوات إلى التهدئة في قطاع غزة، مؤكداً ان ثمة »تطابقا في وجهات النظر« بين الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء الإسرائيلي حول هذا الموضوع.
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض غوردن جوندرو إن بوش اتصل بأولمرت لبحث الوضع في الأراضي الفلسطينية وسبل وقف الأعمال الحربية. وفيما لم يتطرق جوندرو إلى تفاصيل المحادثة الهاتفية، أشار إلى أنّ العملية البرية »جزء لا يتجزأ« من العملية الشاملة ضد حماس، ونقل عن بوش ان »على حماس ان توقف اطلاق الصواريخ على اسرائيل وان هذا الامر سيكون اول خطوة يجب القيام بها في وقف لاطلاق النار«، موضحاً انّ المطلوب من حماس ليس الاحجام عن اطلاق صواريخ على اسرائيل فحسب، بل وقف تهريب السلاح الى قطاع غزة.
من جهة ثانية، نقلت »هآرتس« عن أولمرت قوله لقادة دول أجنبية إنّ »زعماء عربا يحثوني على عدم وقف العملية العسكرية والاستمرار في توجيه الضربات العسكرية ضد حماس«.
يأتي ذلك، في وقت اتهمت حماس السلطة الفلسطينية بتشكيل خلية طوارئ في رام الله دورها الاتصال مع بعض عناصر من فتح في غزة لجمع معلومات عن مواقع حماس السرية، ومن ثم إيصالها لقنوات التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو ما نفته الرئاسة الفلسطينية، متهمة حماس بأنها »جنحت إلى التصعيد تنفيذاً لأجندة إقليمية«.
وكان الرئيس الفلسطيني محمود عباس هدد في كلمة متلفزة، بوقف المفاوضات مع إسرائيل في حال لم توقف عدوانها على غزة،
ميدانيات
ميدانياً، واصل الطيران الحربي الإسرائيلي، أمس، غاراته على أنحاء متفرقة من القطاع، ما رفع عدد الشهداء إلى نحو ،٣٩٧ والجرحى إلى أكثر من ألفين، إصاباتهم متفاوتة، فيما ذكرت مراكز حقوقية فلسطينية أنّ غالبية ضحايا اليومين الماضيين هم من المدنيين.
ورغم انخفاض وتيرة القصف الجوي، مقارنةً بالأيام الأولى للعدوان، وهو ما عزاه المحللون الإسرائيليون إلى سوء الأحوال الجوية، شنت الطائرات الإسرائيلية أكثر من ٢٠ غارة استهدفت منازل مدنيين ومكاتب حكومية، بعضها تعرض للقصف سابقاً، إضافة إلى المساجد وطواقم الإسعاف، فيما قصفت المدفعية مناطق في شمالي القطاع، في حين أطلقت زوارق حربية قذائف رشاشة، بشكل متقطع، على ميناء غزة.
وفي ما بدا أنه تحضير لمجزرة جديدة ضد المدنيين في القطاع، زعم رئيس جهاز الشاباك يوفال ديسكين، في تقرير عرضه في اجتماع الحكومة الأمنية المصغرة، أنّ حركة حماس حولت عشرات المساجد في القطاع إلى مخازن أسلحة وغرف لإدارة الهجمات، وأضاف أنّ »مقاتلي حماس يختبئون في المستشفيات. قسم منهم في مستشفى الشفاء في غزة وقسم في مستشفى للولادة«، مشيراً إلى أنّ »بعضهم يتجول بزي أطباء وممرضين، وقسم آخر يختبئ في المساجد«.
وفي ردها على العدوان، واصلت فصائل المقاومة إطلاق الصواريخ على المستوطنات والمدن الإسرائيلية، مضيفة مدينة بئر السبع إلى دائرة أهدافها لليوم الثاني على التوالي، ما أسفر عن إصابة أكثر من ٨ إسرائيليين بجروح والعشرات بهالات من الهلع. وذكرت مصادر إسرائيلية أنّ عشرات الصواريخ سقطت على مستوطنات سديروت وأشكول ورحافيم وأوفاكيم وشاعار هنيغيف، ومدينتي عسقلان واسدود، فيما أصاب صاروخ من طراز »غراد« مدرسة في مدينة بئر السبع، محدثاً أضراراً بالغة.
وكانت المقاومة أطلقت أربعة صواريخ باتجاه بئر السبع، أصاب أحدها الشارع الرئيسي في المنطقة المعروف باسم »عابر إسرائيل«، ما اضطر السلطات الإسرائيلية إلى إغلاقه ما تسبب في أزمة لوجستية كبيرة بالنظر إلى أهميته الاستراتيجية وقربه من مركز للغاز وشبكات ضخمة للتيار الكهربائي.
ونقل موقع صحيفة »يديعوت احرونوت« على شبكة الانترنت عن نائب قائد قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي الجنرال افراهام بن دافيد قوله »نشهد توسعا في إطلاق الصواريخ من غزة إلى مسافة ٣٠-٤٠ كيلومترا«، مضيفاً أن الصواريخ التي أصابت مدرسة في بئر السبع أمس مصنوعة في الصين، وهي أثقل من صواريخ القسام المصنعة محليا. وأوضح أنّ هذه الصواريخ تتضمن حشوات معدنية يمكن ان تنتشر في دائرة شعاعها ١٠٠ متر من نقطة الانفجار.
إلى ذلك، اعتبرت حماس، على لسان المتحدث باسمها فوزي برهوم، أنّ أي حديث عن تهدئة يعني »مساواة بين الضحية والجلاد«، مؤكدة ان أي تدخل عربي أو أجنبي يجب ان يبنى على »وقف العدوان ورفع الحصار وفتح كل المعابر«.
وفي دمشق، حذر الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، الذي بدأ جولة سريعة في المنطقة تشمل سوريا والأردن والسعودية ومصر، من أن العدوان الإسرائيلي على غزة نسف كل الجهود لتحقيق السلام، مؤكدين ضرورة تحرك الدول العربية والإسلامية لإرغام إسرائيل على الوقف الفوري »للمحرقة الجارية ضد شعب أعزل من السلاح«. 

المصدر: السفير
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...