جدول أعمال اجتماع جدة ومستقبل «البترودولار»

22-06-2008

جدول أعمال اجتماع جدة ومستقبل «البترودولار»

الجمل: عقدت المملكة العربية السعودية في الأسبوع الماضي اجتماعاً فائق الأهمية في مدينة جدة المطلة على البحر الأحمر، وبرغم أهمية وحساسية هذا الاجتماع بالنسبة لمستقبل المنطقة فإنه لم يجد التغطية والاهتمام لا بواسطة التقارير الإخبارية ولا التحليلات السياسية، وعلى ما يبدو فإن السبب الرئيسي في ذلك يعود إلى "داء" الاهتمام بالخطاب التعبوي الشديد الولع بتداعيات ما هو عسكري – سياسي – أمني، أما الخطاب التحليلي الذي يربط العسكري – السياسي – الأمني مع الاقتصادي فهو غائب تماماً إلا من بعض المحاولات التي تكون في أفضل أحوالها إما غامضة أو "تقريرية" لا تتجاوز حدود التوصيفات الشكلية العادية.
* مضمون اجتماع جدة:
تقول المعلومات والتسريبات بأن السعوديين عقدوا اجتماع جدة من أجل التصدي للاتهامات والمزاعم القائلة بأن المملكة العربية السعودية لم تعمل كل ما في وسعها من أجل كبح جماح أسعار النفط التي أفلتت من عقالها. وقد استضاف الاجتماع كبريات الشركات النفطية العالمية جنباً إلى جنب مع كبار المسؤولين عن الشؤون النفطية والأمنية والاقتصادية في بلدان العالم الكبرى سياسياً وعسكرياً واقتصادياً ونفطياً. وتقول المعلومات والوقائع بأن اجتماع جدة لم يكن مجرد اجتماع بين أطراف منتجة وأخرى مستهلكة للنفط، وإنما كان اجتماعاً يندرج ضمن جدول أعمال يحمل صفة "الجيو-نفط" لجهة غايات جدول الأعمال والتي يمكن القراءة بكل سهولة بين ثناياها لحقيقة أن هدف الاجتماع هو إدارة ملف النفط استراتيجياً على المستويين الكلي والجزئي بما ينسجم مع إدارة الملف الأمني والسياسي والعسكري الخاص بمنطقة الشرق الأوسط.
* القراءة في جدول الأعمال المعلن لاجتماع جدة:
تطرقت المداخلة السعودية إلى مقاربة ارتفاع أسعار النفط استناداً إلى الـ"مخاطر" السياسية التي تحدث بشكل واضح في سائر أنحاء العالم وهي مخاطر ليس للسعودية أي مسؤولية عنها وعلى سبيل المثال لا الحصر لا يمكن أن تكون السعودية مسؤولة عن:
• النزاع بين النيجيريين حول مناطق إنتاج النفط النيجيري.
• النزاع بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل حول البرنامج النووي الإيراني.
• النزاعات في القفقاس وحوض بحر قزوين وما يترتب عليها من تداعيات على الإنتاج النفطي.
• دور موسكو في عملية صنع واتخاذ القرار المتعلق بالسياسات النفطية الروسية.
• مواقف الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز وحلفائه في أمريكا الوسطى والجنوبية التي لا تنسجم مع المصالح النفطية الأمريكية.
المداخلة السعودية تم تقديمها رداً على مداخلات الشركات النفطية الكبرى وممثلي حكومات دول العالم الكبرى، الذي أجمعوا على "تحميل" السعودية المسؤولية التامة عن ارتفاع أسعار النفط العالمي بنسبة 40%.
* القراء في جدول الأعمال غير المعلن لاجتماع جدة:
حتى لا نقع في مصيدة التكهنات القابلة للصواب والخطأ فإننا نلجأ إلى استخدام تحليل جدول أعمال اجتماع جدة وفقاً لثلاثة متغيرات نحاول من خلالها الكشف عن "الجانب الآخر" غير المعلن:
• المتغير البنائي: ارتفع استهلاك العالم اليومي من النفط إلى 85 مليون برميل، تنتج منها روسيا وحدها حوالي 18 مليون برميل والسعودية حوالي 9 مليون برميل.
• المتغير القيمي: يتم تحديد أسعار النفط وفقاً لآلية جهاز الأسعار المنصوص عليها في علم الاقتصاد، وتأسيساً على هذه الآلية تقوم الدول المنتجة بتحديد أسعارها مع مراعاة بعض الدول المنتجة لاستخدام آلية أخرى تقوم على صيغة ربط سعر الدولة المنتجة بأسعار الدول المنتجة الأخرى وصولاً إلى مقاربة السعر الممكن.
• المتغير التفاعلي: برغم وضوح العلاقة التجارية بين المنتجين والمستهلكين والمصدرين والمستوردين والبائعين والمشترين وسياقات عمل الأسواق النفطية، فإن القبول بموضوعية حرية السوق وتحرير التجارة لم تعد مقنعة ومقبولة بواسطة أمريكا وحلفائها الذين ظلوا دائماً يطالبون بتحرير التجارة. بكلمات أخرى، يحاول حالياً كبار المطالبين في العالم بتحرير التجارة وإلغاء تدخل الحكومات في الاقتصاد دفع الحكومة السعودية إلى التدخل في الاقتصاد من أجل القضاء على حرية التجارة وحرية أسواق النفط العالمية.
* ملف النفط السعودي في المواجهة:
تقول التسريبات بأن الإدارة الأمريكية قد طالبت السعوديين مراراً وتكراراً بالعمل على تخفيض أسعار النفط وتشير المعلومات إلى التزام السعودية برفع إنتاجها بحوالي 500 ألف برميل، من أجل التغطية الإضافية للطلب العالمي، ويقول الخبراء بأنه من غير الممكن أن تؤدي زيادة نصف مليون برميل إلى التأثير في 85 مليون برميل. وتقول المعلومات أيضاً بأن الدول المنتجة للنفط تحدد أسعار بيع إنتاجها وفقاً لآليات عمل أسواق النفط العالمية وتداعيات علاقة العرض بالطلب السائدة، وبرغم ذلك يطالب الأمريكيون السعودية بعدم اعتماد ظروف السوق والعرض والطلب كآلية لتحديد أسعار بيع النفط السعودي وبدلاً عن ذلك ترى الإدارة الأمريكية بأن تعتمد السعودية ظروف حلفائها الغربيين كآلية لتحديد السعر. بكلمات أخرى، أن يتم تحديد أسعار بيع النفط السعودي بحسب "استطاعة" أمريكا والغرب على دفع الثمن.
* التطورات الجديدة في نظرية المجتمع الصناعي – العسكري:
رصدت التحليلات والدراسات آلية عمل ما يعرف بـ"المجتمع الصناعي - العسكري" ومدى تأثيره على عملية صنع واتخاذ القرار في البيت الأبيض الأمريكي، ومدى تأثير تداعيات ذلك السياسة الخارجية الأمريكية إزاء الشرق الأوسط وتقول التحليلات بأن عملية غزو واحتلال العراق واستهداف إيران ومحاولات أمريكا التغلغل في آسيا الوسطى وتمديد حلف الناتو إلى مناطق القوقاز والقفقاس تشير جميعها إلى حدوث تحول رئيسي في نظرية المجتمع الصناعي – العسكري بحيث لم يعد هذا المجتمع صناعياً وعسكرياً وإنما أصبح صناعيا وعسكرياً ونفطياً ومالياً. بكلمات أخرى، بسبب عولمة الصراعات والنزاعات فقد تعولمت الرساميل، وبسبب تداخل الصراعات والنزاعات فقد تداخلت وتقاطعت مصالح رأس المال الصناعي والعسكري والنفطي والمالي. ويقود هذا التداخل والتقاطع إلى الاستنتاجات الآتية:
• في حالة انخفاض أسعار النفط تستفيد أمريكا وحلفائها الغربيين وبتحديد أكبر يستفيد رأس المال الصناعي بسبب انخفاض تكاليف الطاقة.
• في حالة ارتفاع أسعار النفط تستفيد أمريكا فقط ويتضرر حلفاءها لأن لأمريكا آليات أخرى إضافية في امتصاص ما يعرف بـ"البترودولار" وتوظيفه وهو ما لا يتوافر لحلفائها الغربيين.
توضيحاً لفكرة أن أمريكا هي المستفيد الوحيد في العالم من ارتفاع أسعار النفط نشير إلى الآتي:
• في حالة انخفاض أسعار النفط إلى 100 دولار فإن حجم الأرصدة النقدية في البنوك الأمريكية سيكون 8.5 مليار دولار يومياً.
• في حالة ارتفاع أسعار النفط إلى 150 دولار فإن حجم الأرصدة النقدية في البنوك الأمريكية سيكون 12.75 مليار دولار يومياً.
وبالتالي فإن رأس المال المالي الأمريكي (القطاع المصرفي الأمريكي) سيحصل على زيادة في قدراته من الأرصدة النقدية في حال ارتفاع الأسعار بما يعادل 50% من إجمالي مبيعات النفط اليومية. وإذا استمرت الزيادة في الأسعار لمدة عام كامل فإن حجم الزيادة في التدفقات النقدية التي تصل إلى قطاع رأس المال المالي الأمريكي سيبلغ 12.75 دولار × 365 يوم، وهو مبلغ يعادل 4553.75 مليون دولار. بكلمات أخرى فإن المبلغ هو 4.6 تريليون دولار تقريباً، وعلى خلفية ذلك نتساءل:
• إذا كانت أمريكا هي المستفيد الأول والوحيد من ارتفاع أسعار النفط فلماذا تطالب الإدارة الأمريكية السعودية بزيادة إنتاجها بما يؤدي لتخفيض الأسعار؟
• السعودية هي ثاني أكبر مصدر في العالم للنفط وهناك روسيا التي تمثل المنتج الأول في العالم، فلماذا السعودية وليست روسيا؟
• يدرك الخبراء الأمريكيون بأن زيادة نصف مليون برميل لن تؤثر على السعر الذي يتم تحديده عن طريق 85 مليون برميل، فلماذا الضغط على السعودية لتنتج نصف مليون برميل إضافي؟
التفسير الوحيد المقبول يقول بأن المطلوب أمريكياً هو دفع السعودية لإنتاج أكبر ما يمكن طالما أن أموال السعودية ستكون مودعة في البنوك الأمريكية، وهو أمر سيعرض السعودية لمخاطر استنفاد مخزوناتها النفطية وفي الوقت نفسه سيتيح لأمريكا وضع يدها على أكبر ما يمكن من الأرصدة السعودية والخليجية وعندما تجف مخزونات النفط فإن "فاتورة" الحساب الأمريكي سوف لن تبقي شيئاً لأصحاب الأرصدة الذين لن يكون في وسعهم القيام بشيء سوى التسليم لـ"قضاء الله وقدره" طالما أن القوات الأمريكية موجودة في القواعد وتصوب أسلحتها على رؤوسهم.

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...