برقيات سرية من السفارات السعودية:" الأخبار " تتابع نشر غسيل اللبنانيين (2)

22-06-2015

برقيات سرية من السفارات السعودية:" الأخبار " تتابع نشر غسيل اللبنانيين (2)

 بينما ينقّب الشباب في مصر والعراق وتونس في أرشيفات «ويكيليكس» بحماسة، ويفضحون، بقسوة، الشخصيات التي تورطت بالرشوة والتبعية وبيع الموقف، يجهد بعض أترابهم في لبنان، لا للدفاع عن المشهد المذلّ فحسب (ووثائق لبنان ونخبه، كالعادة، أكثر فضائحية من أي مكان آخر)، بل للقول إنّ المشهد «طبيعي» وهو حال الدنيا وهم يعرفونه أصلاً ويقبلون به. هم صارت لديهم، حرفياً، مناعة ضد الفضيحة.

عامر محسن


أمين الجميّل للملك: ائذن لي بزيارة دمشق
«إذا تلقى الإذن من خادم الحرمين الشريفين، فسوف يقوم بالتنسيق مع الحريري حول الزيارة»... «لن يتخذ أي خطوة في هذا الشأن مع دمشق دون التشاور مع المملكة وأخذ توجيهات الملك شخصياً، (...) وما تطرحه المملكة سيكون المعيار في العلاقة مع سوريا»... «كرر التزام بيت الجميل بتوجيهات المملكة، وأكد أنه لن يعمل أي شئ إلا بتوجيه من الملك عبدالله»... هذه الكلمات ليست للذم بقائلها، ولا هي لاتهامه بالتبعية لنظام آل سعود.أكد الجميّل أنه لن يفعل شيئاً إلا بتوجيه من الملك (مروان بوحيدر)

بل إنها واردة في واحدة من برقيات «ويكيليكس ــ السعودية»، ينقلها السفير السعودي في بيروت، علي عواض العسيري، بلا أي وسيط، عن لسان الرئيس السابق للجمهورية (اللبنانية)، رئيس حزب الكتائب أمين الجميل.
كتب العسيري هذه العبارات، وغيرها، في تقرير قدّمه إلى وزير خارجية بلاده، سعود الفيصل، فأحالها الأخير على ديوان الملك عبدالله بن عبدالعزيز. الاخير لم يردّ طالب الإذن، فمنحه إياه في «توجيه سامٍ» لاقى استحسان الجميل، فعبّر عن شكره له.
في برقية وجّهها سعود الفيصل إلى رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء، عام 2010، يرد ملخص محضر اللقاء بين السفير السعودي والجميل. كان الزمن زمن المصالحة السعودية ــ السورية، وما نتج منها لبنانياً على صورة علاقة توثقت سريعاً بين الرئيس سعد الحريري والرئيس السوري بشار الأسد.
لقاء السفير السعودي بالجميل أتى لتقديم التعازي للرئيس الأسبق، بوفاة شقيقته. لكن الجميّل استغل الأمر لتقديم «فروض الطاعة» لآل سعود. انتقد الأمانة العامة لـ14 آذار، مؤكداً في الوقت عينه «أنه ما يزال في صف رئيس الوزراء السيد سعد الحريري وعلاقته به جيده ولن يتخلى عنه في كل الظروف ولا عن هذا الفريق». ثم انتقل إلى طلب الاذن من الملك السعودي للانفتاح على دمشق: «أشار إلى أنه يودّ أن يعرض على المقام الكريم عن وجود مساع سورية للتصالح معه، وتلقى عدة رسائل جادة حملها إليه كل من سليمان فرنجية والنائب طلال أرسلان، تضمنت رغبة القيادة السورية في فتح صفحة جديدة مع بيت آل الجميل. وذكر أنه لن يتخذ أي خطوة في هذا الشأن مع دمشق دون التشاور مع المملكة وأخذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين ــ يحفظه الله ــ شخصياً، ولن يذهب إلى سوريا دون غطاء سعودي، وما تطرحه المملكة سيكون المعيار في العلاقة مع سوريا. وقال إنه تحدث مع الرئيس سعد الحريري حول تلك الدعوات، وإنه إذا تلقى الإذن من خادم الحرمين الشريفين فسوف يقوم بالتنسيق مع الحريري حول الزيارة».
وبعد الحديث عن شؤون سياسية أخرى، زيّن الجميل انفتاحه على دمشق للسعوديين، فقال إنه «قد يفتح الباب أمام المزيد من المصالحات بين القوى المسيحية». السفير السعودي اقترح أن يرحب رؤساؤه «بفتح صفحة جديدة بين سوريا والرئيس أمين الجميل تسودها الثقة وحسن النيات، على أن يسبق الترحيب بها استطلاع رأي السيد سعد الحريري لكي يكون على علم بما يجري ويليه تنسيق بينه وبين الرئيس أمين الجميل حول شكل الزيارة وتوقيتها وأنسب السبل لاستثمارها لخدمة أهداف مرحلة ما بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين ــ يحفظه الله ــ لدمشق (...)».
حكام الرياض لم يتجاهلوا الأمر. بعد مدة قصيرة، صدر قرار من الملك «بالموافقة على فتح صفحة جديدة بين سوريا والرئيس الأسبق أمين الجميّل والتنسيق بينه وبين دولة الرئيس سعد الحريري حول شكل الزيارة وتوقيتها»، بحسب ما يرد في واحدة من برقيات الخارجية.
عبّر عن أمله بأن تستمر الرعاية الكريمة والدعم لبيت الجميّل وللكتائب
وهذا القرار صدر بصيغة «توجيه سام»، وهي واحدة من صيغ القرارات الملكية التي تصدر لترسم السياسيات للموظفين والأتباع.
ففي برقية أخرى، يأتي وزير الخارجية بصراحة على ذكر التوجيه السامي الصادر يوم 27/4/1431 هجري (12/4/2010 ميلادي)، لينقل عن السفير السعودي في لبنان أن «فخامة الرئيس الأسبق أمين الجميّل قد أعرب عن شكره وتقديره لمقام خادم الحرمين الشريفين ــ يحفظه الله ــ على هذا التوجيه. وأشار إلى انه لم يعط السوريين أي التزام بتحقيق الزيارة، وليس في عجلة من أمره للذهاب إلى دمشق إلا إذا طلبت منه المملكة أن يتعجل في الذهاب. وأكد أنه لن يتخذ أي خطوة مع السوريين إلا بالتفاهم مع الرئيس سعد الحريري وفريق 14 آذار، ولن ينفرد بأي خطوة ما لم ينسق مع المملكة، على أن يتم أي تقارب أو مصالحة مع سوريا من خلال الحكومة اللبنانية. ورأى أنه لتحقيق هذا التقارب هناك مطالب ملحة، مثل ملف المفقودين وترسيم الحدود والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات التابع للمخابرات السورية. وأضاف فخامته أن أي خطوة يتوجب عليه أخذها ستأتي منسجمة مع خطابهم السياسي ومصالح الحزب، ولكن إذا وجهت المملكة بالمسارعة في المصالحة فالأمر متروك لها، وهو يرحب بأي مبادرة تقررها المملكة. كما كرر خلال المقابلة مرات عدة التزام بيت الجميل بتوجيهات المملكة، وأكد أنه لن يعمل أي شيء إلا بتوجيه من الملك عبدالله. وأعرب عن أمله أن يستمر التنسيق مع مقامه الكريم وان تستمر الرعاية الكريمة والدعم لبيت الجميل ولحزب الكتائب الذي هو حزب اعتدال (فاصلة) (...) كما أبدى فخامته قلقه من الوضع الداخلي وانعكاسات الوضع الإقليمي ومن الضغوط التي يمارسها حزب الله على الرئيس سعد الحريري وعلى المؤسسات اللبنانية. وركز في حديثه على البعد الشيعي والسعي الذي تبذله الطائفة الشيعية من أجل تغيير المعادلة لكي يصبح الشيعة هم أصحاب القرار. وأضاف انهم للأسف يمارسون هذا القرار على الأرض، ولكنهم يستميتون في سبيل تقنين ذلك في الدستور. وقال إننا نسعى لمواجهة هذا التحرك الشيعي، وهذا أحد الأسباب التي تمنعني من الذهاب حالياً لسوريا أو التعامل معها، لأنني ألمس التناغم والترابط العضوي بين سوريا وحزب الله، وهذا أمر يجب علينا ان نأخذه في أي خطوة تقارب مع سوريا. (...) وفي نهاية حديثه، عاد للحديث عن بيت الجميل الذي يرى في السعودية الأخ الأكبر، وتمنى أن تكون علاقتهم مباشرة بمعزل عن الوسطاء المحليين، لأن ذلك يعطينا حرية أكبر في الإفصاح عمّا في نفوسنا وفي أذهاننا».



لا وقت لاستقبال نديم
في عام 2012، طلب النائب نديم الجميل زيارة السعودية ومقابلة عدد من المسؤولين. لكن يبدو أن الملك السعودي لم يجد في ذلك أي منفعة. وزارة الخارجية أحالت طلب الجميل إلى الديوان الملكي، ثم أرسلت الرد إلى السفارة في بيروت، لتخبرها «بصدور التوجيه السامي (أي القرار الملكي) بالاعتذار من النائب اللبناني نديم بشير الجميل، بلطف، نظراً إلى الالتزامات والارتباطات».





السعودية تقرّ بصحة الوثائق المسرّبة
أقرّت وزارة الخارجية السعودية بصحة وثائقها التي سرّبها موقع «ويكيليكس»، معتبرة أن «ما تم تسريبه من وثائق لا يخرج عن إطار السياسة المعلنة لوزارة الخارجية في تصريحاتها وبياناتها المختلفة حول القضايا الإقليمية والدولية المتعددة». ومن دون أن يدري، اعترف رئيس الإدارة الإعلامية في الخارجية، أسامة بن أحمد النقلي، بأن بعض ما نُشر أو سيُنشر ينتمي إلى فئة «الوثائق المصنفة بالحماية العالية». فالنقلي ربط تسريبات «ويكيليكس» بالهجوم الالكتروني الذي تعرّضت له وزارته في الثالث والعشرين من أيار الماضي، زاعماً أن الهجوم «المنظّم لم يتمكن من اختراق معظم الوثائق المصنفة بالحماية العالية التي تبلغ الملايين».وزير الخارجية السعودي عادل الجبير (أ ف ب)

فالنقلي استخدم كلمة «معظم» ولم يجزم بعدم اختراق جميع تلك الوثائق الفائقة السرية. وفيما قالت الوزارة إن هذه التسريبات لن تؤثر «بأي شكل من الأشكال في منهجية العمل في وزارة الخارجية، ولا على سياسات الدولة الشفافة»، فإن أداءها وأداء هيئات رسمية سعودية أخرى يُظهران حجم الخطر الذي يستشعره النظام السعودي، نتيجة انكشاف هذه الوثائق. فالخارجية نشرت عدداً من التغريدات على حسابها الرسمي على موقع «تويتر»، وجّهتها إلى «المواطن الواعي»، واضعة التسريبات في إطار «الإضرار بأمن الوطن». ووصفت نشر الوثائق بمساعدة «أعداء الوطن في تحقيق غاياتهم». أما «هيئة التحقيق والادعاء العام» (النيابة العامة السعودية)، فتولّت تهديد المواطنين السعوديين. وعلى حسابيْها على «تويتر» «وانستاغرام»، نشرت الهيئة عدداً من الصور والتغريدات التي تذكّر بالعقوبات التي يمكن إنزالها في حال «نشر وثائق أو معلومات سرية أو إفشائها»، واصفة ذلك بـ«الجريمة التي تصل عقوبتها الى عشرين سنة». وبما أن المملكة السعودية تعتبر نفسها في «حالة حرب» مع اليمن، فإن الإخلال بالمحافظة على سرية المعلومات والوثائق يوجِب تشديد الحكم، بحسب الهيئة.



الاستخبارات السعودية: قواعد حزب الله في بشرّي بحماية أهل عكار!
يبدو ان نموذج محمد زهير الصديق، «الشاهد الملك» (سابقاً) لدى التحقيق الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لاقى نجاحاً لدى الاستخبارات السعودية. الصدّيق كان يعرف كل شيء. التقى «منفذي الجريمة» جميعاً، معاً، ومتفرقين. شاركهم إصدار القرار والتخطيط والتنفيذ بكل حذافيره. يمكن اختصار روايته تلك بأنه كان مع كل المنفذين، في كل زمان، وفي كل مكان.الرئيس السابق للاستخبارات السعودية مقرن بن عبدالعزيز (أرشيف)

ويبدو ان الاستخبارات العامة السعودية اعتمدت الصديّق مدرسةً في توظيفها للمخبرين. تقارير هذه الاستخبارات التي ظهرت في وثائق «ويكيليكس» تنقسم إلى قسمين: الأول هو معلومات عامة للغاية، متوفرة في وسائل الإعلام والمواقع الالكترونية. تُصاغ في تقارير تصنّف سرية، وتمهر بتوقيع رئيس الاستخبارات (كان الرئيس السابق، مقرن بن عبد العزيز، يضع كلمة «الخادم» قبل اسمه في البرقيات التي يبعث بها إلى الملك). وتحت مقدّمة «معلومات توفرت لدى رئاسة الاستخبارات العامة»، تُحشى البرقيات بكلام عام، فيه الكثير من الإطناب والحشو اللفظي والدعائي (على سبيل المثال، وفي برقية صادرة في حزيران 2012 بشأن ردود الفعل اللبنانية على رسالة الملك السعودي للرئيس ميشال سليمان، يقول مقرن: «يرى المواطنون اللبنانيون بمختلف أطيافهم وتوجهاتهم بأن الرسالة تمثل مفتاح الحل في ظل الأزمة التي يعاني منها لبنان». عبارة تعميمية يندر ان ترد إلا في الإعلام الموجّه، لكنها تُقدّم للملك السعودي بصفتها معلومات خاصة من الاستخبارات العامة).
القسم الثاني يتضمن معلومات «خطيرة»، حصّلتها الاستخبارات السعودية من مصادرها «السرية». إحدى أبرز البرقيات تقول فيها إن معاون نائب الرئيس السوري، اللواء محمد ناصيف، عقد اجتماعاً في دمشق، يوم 3/2/2012، مع مسؤولين لبنانيين، «لتكليفهم بالقيام بأعمال امنية ضد الجماعات السلفية والإخوان المسلمين المتواجدين في لبنان، لان النظام السوري يرى بأنهم متورطون بالأعمال والتحركات التي تشهدها سوريا منذ ما يقارب العام». وهذا «التكليف» يأتي في إطار «سعي النظام السوري للقضاء على المجموعات السلفية التي بدأت تتخذ من عاصمة لبنان مقراً لها، خاصة في المناطق السنية».
«اهمية» المعلومات ليست في أصل الاجتماع ولا في مضمونه، بقدر ما هي في أسماء «حاضريه» من الجانب اللبناني، وهم:
الوزير علي حسن خليل، النائب عاصم قانصوه، الوزير السابق عبدالرحيم مراد، رئيس حزب التيار العربي شاكر البرجاوي، القائد السابق للواء الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان، النائب السابق نجاح واكيم ونائبه في رئاسة حركة الشعب ابراهيم الحلبي، النائب السابق علي عيد، والوزير السابق وئام وهاب.
يقترح مقرن على
الملك الاتصال بفرنسا لمنع حزب الله من
إقامة قواعد عسكرية في الأرز

وبحسب وثيقة مقرن، فإن واكيم اعترض على طلب ناصيف، إلا انه «وافق بعد تعرضه للتهديد بتصفيته». بعض هذه الشخصيات بينها عداوات، وبعضها الآخر لم تجمعهما غرفة واحدة منذ عقود. لكن لا فرق. فمخبرو استخبارات آل سعود لا يتوقفون عن بث المعلومات الخطيرة. وعلى المنوال ذاته، يُتبع مقرن برقيته بأخرى، يؤكد فيها أن وهاب تلقى شحنة من الأسلحة والمتفجرات من الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة. «وتم تخزينها في مخزن خاص بحزب التوحيد، في بلدة الجاهلية بإقليم الخروب (فات مخبر مقرن انها في الشوف لا في الإقليم). والحزب المذكور تلقى عناصره وكوادره مؤخراً دورات امنية مكثفة أشرف عليها مدربين سوريين وإيرانيين (كذا)».
هذه «المعلومات» تُعامَل بجدية في الرياض، فيرسلها وزير الخارجية سعود الفيصل إلى السفارة في لبنان، طالباً تزويده بمعلومات عن وهاب وحزبه. وبعد نحو شهرين، ترسل السفارة تقريراً عن وهاب، لتجيب الخارجية بوجوب «الحذر منه». كان ذلك قبل 7 أشهر من تلقي الملك السعودي رسالة من وهاب، ثم تحسّن علاقة الأخير، نسبياً، بالسعودية.
التقارير الاستخبارية عن لبنان وسوريا، تكاد لا تخلو من اسم أحمد جبريل، قائد «الجبهة الشعبية ــ القيادة العامة». فهو الذي سلّم المتفجرات والأسلحة لوهاب. وهو الذي ايدرّب المعارضين الخليجيين بقرار إيراني ــــ سوري في معسكراته «في دمشق واللاذقية»، بهدف «إثارة الاضطرابات في دول الخليج وإعدادهم لتكليف خلايا نائمة». وهو الذي يساعد حزب الله والحرس الثوري الإيراني على «إنشاء قواعد عسكرية جديدة في لبنان، على امتداد 40 كلم من جبال رياق في البقاع على حدود عرسال الواقعة على الحدود السورية». لم يخبر أحد الاستخبارات السعودية بأن رياق تقع في سهل منبسط ولا جبال فيها. لا يهم، وخاصة إذا وردت «المعلومة» في تقرير يقول إن حزب الله كلّف أحد عناصره بالمسؤولية عن «مناطق الأرز ــ بشري ــ عيون السيمان بهدف إقامة قواعد عسكرية لحزب الله والحرس الثوري الإيراني، وهناك اتصالات يجريها المذكور مع بعض وجهاء بلدات جبال عكار مثل فنيدق وعكار العتيقة لتأمين الحماية لتلك القواعد العسكرية». وبكل جدية وثقة، يقترح مدير الاستخبارات السعودية على الملك التواصل مع الدول الغربية، وخاصة فرنسا، لمنع حزب الله من إقامة هذه القواعد.
معلومات الاستخبارات السعودية الفائقة السرية والاهمية والموثوقية، لا تتوقف عند هذا الحد. ففي تقرير صادر عام 2012، يقول مقرن إن معلومات توفرت لديه عن «قيام حزب الله بعقد اجتماع يوم الخميس الموفق (كذا) 3/7/1433 هـ لمناقشة الوضع في سوريا وموضوع اللبنانيين المختطفين على الأراضي السورية. وقد نتج عن هذا الاجتماع قرار استهداف المواطنين السعوديين والقطريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية خصوصاً الشخصيات المهمة منهم». وبناءً على هذه المعلومات، يقترح مقرن بن عبدالعزيز على ملكه إصدار بيان تحذيري للمواطنين السعوديين بمغادرة لبنان وعدم السفر إليه، ورفع مستوى الحيطة والحذر في السفارة، وفضح «مخطط حزب الله» في الإعلام و»الإيعاز لوسائل الإعلام الموالية لقوى 14 آذار في لبنان بطرح هذه القضية من أجل تعرية حزب الله ومخططاته أمام الرأي العام العربي والدولي».
في المحصلة، لا تكشف وثائق ويكيليكس حصراً حقيقة أن آل سعود لا يجيدون سوى دفع الاموال لشراء الذمم، وتبذيرها في غير مواضعها الصحيحة، بل تُبرز أيضاً، بوضوح، مدى الاهتراء الذي تعاني منه أجهزة النظام. اهتراء يجعل محمد زهير الصديق مثالاً أعلى للاستخبارات العامة في السعودية. ومجدداً، لا حيلة امام النظام السعودي سوى في شراء مجموعات القتل، من نيكاراغوا الى بئر العبد وأفغانستان، وصولاً إلى سوريا.

حسن عليق


«النائب» ميشال معوض: نريد مساعدة عاجلة
تعج وثائق الخارجية السعودية بالأخطاء. أخطاء في الصرف والنحو، غياب التأريخ عن بعض البرقيات، غياب التصنيف، أخطاء في الأسماء، وأخطاء في صفات الشخصيات. رئيس حركة الاستقلال، ميشال معوض، هو ابن الوزيرة السابقة نايلة معوض، ورئيس الجمهورية الراحل رينيه معوض. وهو ترشّح للانتخابات النيابية عام 2009، إلا أنه خسر في مقابل اللائحة التي يرأسها النائب سليمان فرنجية.

لكن الخارجية السعودية مصرّة على منحه لقاء «النائب». هو «نائب» في البرقيات الصادرة عن السفير في بيروت، وعن الوزير وعن نائب الوزير. في لقائه مع الأخير، وجّه «النائب» معوّض انتقادات للسياسة الإيرانية، مطالباً السعودية بتقديم «مساعدة عاجلة» لفريقه السياسي، بهدف الفوز بالانتخابات النيابية التي كان ينبغي إجراؤها عام 2013، «لاستعادة مناطق مسيحية خسروها في الانتخابات السابقة». وفي برقية أخرى، يعتذر الملك عن عدم مقابلة «النائب» معوّض ووالدته، موجهاً بتولي وزير الخارجية مهمة استقبالهما. صدر «التوجيه السامي الكريم» بعد أربعة أشهر من تقديم الطلب، فحدّد لهما سعود الفيصل موعداً بعد شهرين إضافيين (بعد نحو 6 أشهر من تقديم الطلب)، لمقابلة نائبه.


السعودية تهدّد LBC: إما معنا أو تتوقف الإعلانات
أمراء «شراء الصمت» يتقنون، كما تبيّن وثائق «ويكيليكس» السعودية، فرض سياساتهم والطاعة الإعلامية بدفع الأموال، لكنهم يعرفون أيضاً كيف يقطعون مصادر تلك الأموال ويتحكّمون في رقاب المستفيدين منها. لعلّ المثل اللبناني الأبرز على كيفية تعامل آل سعود مع المؤسسات الإعلامية لمجرّد شكّهم في أن إحداها خرجت عن طاعتهم هو مثال «المؤسسة اللبنانية للإرسال» LBCI عام ٢٠١٢.(مروان طحطح)

السفير السعودي في بيروت، الذي يؤدي دور «مطاوع» الإعلام اللبناني أحياناً، ينقل لخارجيته في برقية أن قناة «إل بي سي»، «بثّت أخباراً تفيد أن الرئيس اللبناني ميشال سليمان طلب من وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل التوسط مع إسرائيل بشأن مزارع شبعا» (لم تنفِ الخارجية في برقيتها صحة الخبر ولم تؤكّده). السفير السعودي رأى على ما يبدو، أن قيام المحطة اللبنانية ببث أخبار كهذه عن المملكة مخالف للقواعد المتعارف عليها مع بعض الإعلام اللبناني، وها هو ينبّه الرياض إلى أنه «لا يستبعد أن تذهب المحطة في مواقفها الى التطرف في ما تبثّه ضد المملكة».
ولشرح رؤيته تلك عرض السفير على خارجيته الأسباب الكامنة وراء ما فعلته المحطة، فقال إن «إل بي سي» «باتت متأثرة في مواقفها بالنزاع الدائر بين الأمير (السعودي) الوليد بن طلال وبيار الضاهر». وأضاف سبباً آخر هو «توقف الدعم المالي عن الصحافيين والإعلاميين ومحطات التلفزة اللبنانية»، واضعاً كل ذلك وسط أجواء «محاولة إيران السيطرة على الفضاء الإعلامي العربي».
ولمواجهة ذلك، اقترح السفير «الضغط على القناة إذا تمادت في مواقفها ضد المملكة عبر شركة الإعلانات «شويري غروب»» (مجموعة شويري الإعلانية)، موضحاً أن الأخيرة هي «شركة إعلانات لبنانية لها مصالح واسعة في المملكة، وتتحكم في جزء واسع من السوق الإعلاني في لبنان».
وفي برقية اخرى ينقل السفير علي عواض العسيري للخارجية «معلومات» تفيد «أن إيران على استعداد لتمويل بيار الضاهر مالك محطة LBC بشرط تركيزها على الشيعة في المملكة والخليج”.
العسيري أرفق «معلوماته» تلك باقتراح يقول إنه «اذا تعسر الوصول الى تسوية مع الضاهر يجري إيقاف الإعلانات التجارية وخاصة من قبل مجموعة MBC” مع «بحث إيقاف المحطة عبر أقمار البث العربية». اقتراح العسيري لاقى ترحيباً من قبل الخارجية ووزارة الثقافة والإعلام السعودية وصدر «توجيه كريم بالموافقة عليه».
وزير الثقافة والإعلام التقى بدوره كلّا من بيار الضاهر ومساعد الوليد بن طلال وليد عرب هاشم، وأفاد بأن قناة «إل بي سي اللبنانية المملوكة من الضاهر «لا تمتلك حق البث على الفضاء وإنما يقتصر بثها على أراضي لبنان فقط، وتخضع للقانون اللبناني». لذا، «أيّد» وزير الثقافة والإعلام إيقاف الإعلانات التجارية على المحطة في حال استمرار الضاهر في موقفه، وكذلك إيقاف بث محطته عبر الأقمار الصناعية (نورسات)».

صباح أيوب


عسيري مستنفراً: كيف نتخلّص من نصري الصايغ؟
هي برقية (من ٣ صفحات) أرسلها السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري في أيار من عام ٢٠١٢، جاءت بعدما رصدت الخارجية السعودية مقالاً للكاتب في جريدة «السفير» الزميل نصري الصايغ. مقال الصايغ الذي نشر في ١٩ نيسان ٢٠١٢ انتقد سياسة المملكة السعودية الخارجية في المنطقة في ظل الأحداث السورية والبحرينية واليمنية. بعد إرسال برقية مرفقة بالمقال، استنفرت السفارة وتأهّبت الخارجية واستُدعي المخبرون ووضعت خطة متكاملة لمواجهة «الوضع».

بداية تكفّل السفير كالعادة بتصنيف المقال موضوع البحث وكاتبه، وغالباً ما يكون التصنيف مبنياً على هوية طائفية أو نظرة منحازة عن الكاتب أو المؤسسة تضعهم في خانة معنا أو ضدنا: «يندرج المقال ضمن مقولات تحالف الأقليات، وهو تحالف ينشط في إظهار نفسه وكأنه المدافع عن العروبة والمقاوم لإسرائيل والغرب، رغم أن هذا التحالف موجّه ضد السنّة في كل مكان»، هكذا صنّف عسيري مقال الصايغ. ثم انتقل السفير الى التعريف بالكاتب، وأيضاً مع حرص دائم على تحديد طائفة «الهدف» ومحيطه. وفي حالة نصري، ذكرت البرقية أنه «مسيحي وابنته متزوجة من شيعي». هو أيضاً، حسب برقية عسيري، «ذو ميول يسارية وينتمي الى الحزب القومي السوري ويكره فريق ١٤ آذار وكلّ ما يمثله»... و «مواقفه مرتبطة بجهات لم تكن على ودّ مع المملكة، ابتداءً من نظام القذافي وانتهاءً بسوريا وفريق ٨ آذار».
وبالانتقال الى الصحيفة التي يعمل فيها الصايغ، أي جريدة «السفير»، فـ»رئيس تحريرها طلال سلمان تتغلب مشاعره الشيعية على حياده الصحافي»، حسب تقييم عسيري، المُحاضر فجأة بـ»الحياد الصحافي»!

الطلب من وسائل الإعلام الموالية للمملكة مثل «النهار» و«المستقبل» و«الجمهورية» رفع اللهجة ضد المسيئين للمملكة

بعد تصنيف المقال والكاتب والمؤسسة التي يعمل فيها، جاء دور نميمة المخبرين من الداخل. وفي حالة الصايغ، يبدو أن «أحد كتّاب الصحيفة» لعب هذا الدور، فأخبر السفارة السعودية أن «العاملين في الجريدة نصحوا رئيس التحرير بعدم التمادي في نشر ما يسيء للمملكة...»، لكن «يبدو أنه مستمر في خطه»، تلحظ السفارة. عن أي «خط» تكلّم عسيري؟ كلّ ما يشير اليه السفير في البرقية أن الصحيفة «دأبت على نشر مقالات أسبوعية لكتّاب مصريين من جريدة الشروق يعرّض بعضها للمملكة». إذاً، نشر مقالات لكتّاب مصريين ينتقدون المملكة السعودية في جريدة لبنانية يرى فيها المسؤولون السعوديون ما تجب مواجهته!
هكذا، سارع عسيري الى اقتراح استراتيجية للمواجهة، تضمّنت: «استئناف دعم الصحف ووسائل الإعلام الموالية للمملكة مثل «النهار» و»المستقبل» و»الجمهورية»، والطلب منها رفع اللهجة ضد المسيئين للمملكة كتّاباً ووسائل إعلام»، و»شدّ أزر كل من يكتب ضد إيران وسوريا»... اقترح العسيري إذاً تمويل جبهة ضد الصحافيين الذين ينتقدون المملكة وشراء أقلام وأصوات إعلامية للصراخ ضد سوريا وإيران.
أما اقتراحه الثاني فكان الاتصال بسلمان ودعوته الى المملكة، لكن بشرط مسبق أن يطلعهم رئيس التحرير على «التغيرات التي يمكن أن يحدثها في توجّهات الصحيفة (...) وإخضاعه لاختبار نيات لاحقاً» مثل «استكتاب كتّاب مؤيدين للثورة السورية».
وهنا، يقترح عسيري أيضاً التعاون مع كاتب من داخل الصحيفة عينها، كمن يصفه بـ»الشيعي الليبرالي» ساطع نور الدين (رئيس تحرير صحيفة «المدن» الإلكترونية حالياً)، الذي «يبدي ودّاً للمملكة».
بعد تحديد «الأعداء» و»الحلفاء» إذاً ووضع استراتيجية عمل واقتراح خطة مستقبلية لاحتواء «الهدف»، ختم عسيري إعلان حربه الإعلامية بالإشارة الى بعض تداعيات خطّته. إذ يقول إنه «لو حصل ما يقنع رئيس تحرير (جريدة «السفير») بطرد الصايغ».. فهناك «صحف أكثر تطرّفاً مثل صحيفة «الأخبار» سترحّب بانتقال الصايغ اليها». عسيري ذكّر خاتماً بالحلّ القائم دائماً، أي «استمالة الكاتب عبر أشخاص مقرّبين منه أو عبر دعوته الى المملكة». و»زيارة المملكة»، على ما يبدو، تصنع العجائب في قاموس آل سعود.

صباح أيوب

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...