المواقع الجنسية: بازار حار والـsxs في سلال الخردة و الخضار

23-09-2006

المواقع الجنسية: بازار حار والـsxs في سلال الخردة و الخضار

الجمل ـ رضوان نجاتي: من حسنات الإنترنت أنها تجعل العالم بكافة وسائل إعلامه وإعلانه في متناول أصابع اليد، يقودنا فيها مفتاح الإنتر من بوابة إلى أخرى، وكل واحدة تنفتح على  عدد لا حصر له من البوابات والنوافذ، ليصبح حتى العابر في دهاليزها الإلكترونية مفقوداً، وملتذاً بضياعه، لا يتمنى أن يجد نفسه، وربما اعتقد بأنه سيخرج منها مولوداً على نحو جديد أو معدل.
لا يكتفي الإنترنت بإرضاء حب المعرفة أو الفضول فحسب، بل  ويقتحم أشد خصوصيات الإنسان من رغبات ويدخله إلى متاهة، باتت من عوالم جنسية مكشوفة، تخصصت بها آلاف المواقع، والتي تهاجم الباحث البريء دون رحمة، بسيل لا يكف عن الاندلاق من الصور الجنسية لنساء ورجال من مختلف الأعراق والألوان والأجناس والجنسيات، من مشرق العالم إلى مغربه، لا يغيب عنها البيض والسود، الصفر والحمر، والألوان التي لها علاقة بالكاكاو والحليب والنسكافه؛ كذلك العرب بملامحهم الشرق أوسطية والعجم بملامحهم العجمية.
 للحظات، يتخيل المتورط في تصفح تلك المواقع أنه نال نصيبه من المتع المحرمة وفاض بالمتع  المستهجنة، بعد أن كحل عينيه إلى حد العمى المحموم بآلاف مؤلفة من الصور لا تحتاج إلى إعمال الخيال إذ أن الصور كفيلة بتأجيجه وحرقه وإحالته إلى رماد، بتجاوزها الحدود القصوى للابتداع البشري في موضوع الجنس فعدى عن الأعضاء الجنسية ذات الأحجام الخرافية والمزينة بالحلي والجواهر والوشم، تؤكد الإعلانات مواصفات الأعضاء البشرية بأنها طبيعية 100% بينما إحجامها تفوق الأحجام الطبيعية، وأخرى صناعية دوبل /مزدوجة بأطوال وقياسات متعددة الأغراض، وأعضاء أنثوية تضيق على الأصبع وتتسع لتستوعب قبضة اليد أو الساعد حتى الكوع، منها الطبيعي ومنها المصّنع، وأخرى ملونة وممكيجة، منفوخة ومترهلة، سمينة ونحيفة، معروضة للبيع، هكذا على عينك يا تاجر، في سلال كسلال الخضار والفواكه أو صناديق عدد الخردة، بالعشرات وبالمئات، وبتشكيلة تفوق الوصف من جانب التنوع والأسلوب المبتكر في العرض، حتى ليخال المرء انه داخل إلى بازار يشكو من غزارة البضائع لا من شحها، ويحار وهو يدقق النظر دون التساؤل عن جودتها، فكلها لا ترضي رغبات موجودة بقدر ما تخلق رغبات هوس محموم.
وإذا انتقل المشاهد البريء أو غير البريء إلى مناظر الوصال الجنسي، يلاحظ أنه تكاد تغيب عنها مشاهد اللقاء الطبيعي بين الذكر والأنثى في حدوده المتعارف عليها، بحيث يعتقد بأن الاتصال كما يعرفه أو سمع عنه غير مألوف في هذا السياق الذي غالبيته تنبذ الاتصال العادي التافه بين الرجل وأنثاه، وحتى الغريزي الحيواني بين الحيوان وأنثاه أيضاً، وإنما ـ وهذا مايراه ـ زحام من البشر أو من ـ البشر والحيوانات ـ  يختلط فيه الحابل بالنابل، تتخالط فيه أوضاعهم وأعضائهم في تشكيل دعائي سريالي، لا يفتقر إلى المبالغة اللافتة والمقززة في تنميق السحاق واللواط، والسادية، والمازوخية، والعادة السرية، لمختلف الأعمار دون استثناء الصغار والشباب والكهول والعجائز المسنين، مع كل ما قد يتداعى إلى الذهن أو ما لا يتداعى، من ممارسات مستهجنة كالجنس بالأقدام، أو جنس التغوط أو التبول، فيتناهب الغاطس في ذلك البازار المشهدي الحار، ويتشهى الاستزادة والنهل من فيض يعتقد أنه مجرد غيض، لكن وما أن تنقضي لحظات الدهشة المحمومة ويبلغ الشبع البصري حده من التخمة المفرطة، تبدأ مرحلة أخرى من إثارة الفضول  وهيجان الرغبة فلا يرضيه مجرد التصفح والإطلاع السري، بل التطلع إلى تجسيد تلك الحالات واقعياً بشرائها الذي لا يتطلب سوى الاتصال بتلك المواقع، ودفع التعرفة حسب الأسعار المعلن عنها بطرق عدة، بطاقات إئتمان، شيكات، أو كاش، المهم أن تتم مبادرة الاتصال، ليستمتع المشترك بأي نوع أو صنف يختاره، بل أن خدمات السوق المفتوحة على هامش المواقع يمكن أن تزود المتلقي بأجهزة وأراجيح وأدوات تعذيب غاية في الضرب الممتع تكفيه جنسياً سواء كان معه شريك أو شركاء أو وحيداً؛ وأن تصله مشترياته إلى عنوانه.
 تكمن قوة التقنية الرقمية في أنها تستعصي على الرقابة الفاعلة مهما حاولت بعض الدول إحكام القبضة عليها للحد من تدفقها الجارف، ولهذا يظهر الجنس على شبكة الإنترنت منيعاً وعالماً قائماً بذاته، دون أن يستطيع أحد النيل منه. وتحت دعاوى الحرية الشخصية، يتلاعب بالغرائز فيمنحها آفاقاً وهمية بالغة الاتساع، يبدو فيها وكأن الجنس في العالم على قدم وساق، موجود دائماً وبكثرة، والشبكة إنما تكشف الستار عن عالم نخاله لكثافته حقيقياً. 
    بعد وقت، أو مع القليل من التبصر نكتشف أن عشرات الآلاف من المواقع خلفها عدد محدود من الناس، حيث أن خدعة الإنترنت الذكية تقوم على التفريخ من الفيلم أو المشهد أو حتى اللقطة الواحدة والمحدودة عدداً لا نهائياً من اللقطات، فمثلاً عندما تؤخذ لقطة عامة لمشهد يحتوي على عدد من الأشخاص يمارسون الجنس الجماعي، يتم قصقصتها إلى أجزاء  وتفاصيل وتحويلها عبر المونتاج والإخراج إلى صور ولقطات أخرى كثيرة يبنى عليها موقع كامل ضمن آلية عمل تجاري ذكي رابح ورائج، وقد لا يبدو مستهجناً أن تشير الإحصائيات الغربية إلى ان معدل تزايد تلك المواقع يومياً قد يصل إلى أربعة آلاف موقع  85 % منها ذو طبيعة تجارية، حيث تبيع أدوات الترفيه الجنسي بأنواعه وأشكاله المختلفة، وهي تمثل ثالث أكبر قطاع مبيعات على الشبكة.
 ولعل تلك المواقع لا ترضي حاجة إنسانية جنسية مكبوتة، بقدر ما ترضي النهم الذاتي لكشف المحظور، والتمتع السري بالحرام، والتلذذ بالممنوعات والمحرمات مهما إنعدمت إنسانيتها، غالباً ما تكتفي بالنظر، وهي أشبه بالتلصص الذي  كان ثقوبياً فتطور وأصبح عبر الشبكة بانورامياً. يتفرد الكومبيوتر بهذه الخدمات، ويتميز بها على الوسائل الأخرى مثل التلفزيون والفيديو، كوسائل تحتمل مشاركة الآخرين، وبالتالي المراقبة. أما الكومبيوتر فوسيلة فردية تؤمن للفرد وسيلة شخصية لإشباع حميمي يبدو متبادلاً من جراء التواصل على الشبكة، عدا عن الحماية التي تؤمنها خصوصية الإنترنت، إذ تعد فضاء خاصاً لا يطارده أو يطاله القانون، فلا يوجد أي نظام دولي يعاقب على وجود صور إباحية على شبكة الانترنيت وكذلك لا يوجد قانون يمنع مشاهدة الفرد لها.
 وكما نعرف، فإن هذا الانكباب على الجنس الشبكي مطلوب في المجتمعات المغلقة  أكثر من غيرها، كالمجتمعات العربية وهو ما يساهم في زيادة حمى إطلاق المزيد من المواقع الجنسية على الشبكة ، والتي يحاول العرب الدخول إلى ميدانها ولو على نحو أقل خبرة، وذلك بسبب ندرة الصور، فتحاول المواقع العربية الاستعاضة عنها بالكلمة، أو تفتح باب الدردشة  الجنسية السافرة، وقد يفوق استعمال المحظور من اللغة العربية في فعاليته التهييجية تلك الصور بالغة الغرابة، إذ أن الكلمات مهما بلغت من إباحية تحتفظ بهامش للخيال، فيما تذهب الصورة بتصعيده إلى الحد الأعلى وفي الوقت نفسه إلى الحد منه بإيصاله لسقفه. عدا أنها أقرب إلى بيئتها في التعاطي مع الموضوع الجنسي ولم تصل بعد إلى مصاف الترف والتسلية العبثي  الذي وصلته الحضارة الغربية في هذا المضمار. وبعض المواقع العربية تتخذ لعناوينها تسميات الأعضاء الجنسية باللغة العربية المكتوبة بأحرف لاتينية، وتستعير صوراً غربية وتركب عليها وجوه شخصيات فنية مشهورة، ممثلات ومغنيات، مع الكتابة باللغة العربية على الصور تعليقات ساخرة ومثيرة، تفوق في تأثيرها اللقطة المصورة والعمليات الفنية التي أخضعت لها لتأخذ طابعها العربي. ولعل أهم المواقع العربية الجنسية التي يبدو فيه فاعلية الكلمة المكتوبة بأوضح تجلياتها في موقع أنطلق مؤخراً خصص للايروتيكة العربية، ومع أنه يطرح الجنس من زاوية علمية وأكاديمية تقف في مواجهة المواقع الإباحية المبتذلة. إلا ان نشره لكتاب الروض العاطر التراثي الذي لا يختلف في مفهومه للجنس عن المواقع الجنسية في الأباحية. حيث أنه و رغم الفارق الزمني، يبدو الروض العاطر كعمل إيرويتكي كتب لطبقة غنية ومترفة، وهي طبقة الملوك والأمراء والسلاطين، وعني بتفاصيل أساليب التلذذ الجنسي في مختلف أنواع العلاقات سواء المثلية أو الطبيعية من خلال اللغة المكتوبة التي تفوق تأثيراتها الصور في وقتنا الحالي.
 من جانب آخر تجب الإشارة إلى أن هذا التنوع الجنسي في الثقافة العربية التراثية حظي أيضاً بعناية مماثلة في الحضارات الهندية والصينية القديمة عندما بلغت أوجها، وقد ينسحب ذلك على حضارات قديمة أخرى كان الجنس فيها جزءاً من الطقس الديني والروحي، والفارق يتمثل غالباً في وسائل التعبير ففيما برعت الهند والصين بالنحت والتجسيم في بناء وتزيين المعابد، برعت شعوب أخرى كالفرعونية مثلاً بالرسم والحفر على الجدران، فيما ظل المسلمون العرب يدورون في محراب اللغة والكلمة المكتوبة من شعر ونثر.
     ومن خلال مقاربة الجنس في تلك الحضارات الغائرة في القدم والمواقع الجنسية اليوم على شبكات التلفزة والانترنت، نكتشف كم عالم الجنس محدود وبسيط فكل ما قد يبتدعه الترف الجنسي للغرب من صور لا تعدم نظيراً لها في الحضارات القديمة، وبشكل أجمل وأكثر عمقاً وملامسة للجوهر الإنساني، إذ أن الجنس في العالم القديم لم ينفصل فيه الجسدي عن الروحي حتى في طقوسه الجماعية المقامة كصلاة للآلهة في المعابد، فيما نراه اليوم على الإنترنت طقوساً جسدية مغرقة في تلاصقاتها الضحلة. ولا تمثل الكمية الهائلة للمواقع  بصورها السيالة وكلماتها النابية سوى تنويع شكلاني، يسطح المشاعر الإنسانية ويجردها من عاطفة الحب، بينما كان الجنس في الحضارات القديمة مسألة إنسانية مرتبطة برؤية الإنسان للكون لا تضيع فيها هويته الفردية الخاصة، وكان الحب خليطاً من الجنس والتدين واللذة والقداسة. أما لغة مواقع  التجارات الجنسية فترفض التعامل مع زخم وكثافة الظاهرة الإنسانية الجنسية، وتكتفي لغتها بمفرداتها الضئيلة بالتركيز على الفرد، والتركيز من ثم على الذات الجنسية، وتلخيص الفرد بأعضائه التناسلية  منبع اللذة، في عمل ليس أقرب بل هو الاستمناء بعينه، حتى لو كان الفعل جماعياً أو متعدد الوجوه والأشكال والأوضاع، فتنفي عن الجنس وظيفته الأساسية في التواصل مع الطرف الآخر حتى في حالتيه المثلية أو السحاقية أو الشاذة مع الحيوانات، وكأنما الرغبة في الانفتاح اللامحدود على العديد من الأطراف والشركاء يرتد إلى الذات لتنكفئ على نفسها.
 وإذا ما تأملنا في الإنترنت كوسيلة تواصل بين البشر وانفتاح على العوالم الأخرى القصية والتي مهما بلغ اتساع طيفها في مجتمع افتراضي يتواصل عبر الشبكة، تؤكد بوجهها الآخر على العزلة عن المحيط البيئي والجغرافي للذات الإنسانية، وكلما غرق المرء في التواصل مع الشبكة الرقمية لتحقيق رغبات شخصية وحاجات أصيلة أو طارئة، زادت عزلته عن محيطه، ولعل هذه النتيجة التي تتمظهر في مجال الجنس هي واحدة من النتائج التي تفرزها الحضارات في ذروة ازدهارها، وأيضاً واحدة من تجليات الانحدار التنازلي للحضارة، فعندما يبلغ المجد الشخصي للإنسان أو للمجتمع ذروته يدخل في متاهات الدوران حول الذات، ومن ثم التجمد في المكان والاضمحلال، وهذا  يفسره ما وصلت إليه الحضارة الرومانية ومن بعدها الحضارة العربية الإسلامية في نهايات العصر العباسي، التي ازدهرت فيهما آداب الايروتيكة واللذائد الحسية من لهو وطعام وشراب، وأيضا الحضارة الغربية التي بدأت تفرز اليوم نظريات الاضمحلال الحضاري وكأنما طريق الصعود الحضاري ينتهي في النقطة التي يموت فيها المفهوم الإنساني للحياة والذات. وإذا رصدنا الكلمات العربية والأجنبية وطرق الترويج اللغوي في المواقع الجنسية نكاد لا نعثر على كلمة حب أو عاطفة كتلك التي نسمعها عادة في الأفلام السينمائية العادية وكتب الأدب ووسائل الإعلام، التي ربطت بين الجنس والحب في مصطلح  مثل making love  ، بل  وقد لا نرى في تلك المواقع مشهداً جنسياً عادياً أو طبيعياً بين رجل وإمرأة أو حتى من ذات الجنس، وكأنما كلهم مصابون بالخوف من الحميمية. إن التجرد من العواطف يعطي الصورة الحقيقية، وهي المشوهة،عن مجتمع مثالياته في الكسب والمزيد من الكسب، فيه كل شيء يباع، والخوف من التسليم بالبديهيات فيرفض العواطف الطبيعية.
  الآن وعلى الرغم من رفض غالبية المجتمعات لتجارة الجنس، واستنكارها للنماذج التي تحاول تعميمها، نجد أنها بدل أن تواجهه بقوانين صارمة، تنحو إلى  حبسه في مستنقعات الشواذ  وزواريب المهوسين الجنسيين، لكنه وقد صار أون لاين  "على الخط " وبمتناول الجميع، تضع الإنسان في مواجهة رغباته، وتساؤلاته عن قيمه  وأخلاقياته ومتطلباته الحقيقية. ترى هل سيكون لتلك الوفرة في الشذوذ والخروج عن المألوف  انعكاس إيجابي في إعادة الاعتبار للإنسانية وللآخر وللطبيعة ؟ سؤال مفتوح على مرحلة ما بعد الإشباع !


الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...