العودة إلى الشرق الأوسط القديم أهون الشرور

12-01-2007

العودة إلى الشرق الأوسط القديم أهون الشرور

مع عودة كوندوليزا رايس الى المنطقة لتطلب مساعدة مصر والأردن ودول الخليج في دعم الاستراتيجية الأميركية الجديدة في العراق, كل شيء يدل على ان سياسات القوة قد فشلت في رسم حدود ومضامين «الشرق الاوسط الجديد», وان العودة الى «الشرق الاوسط القديم» هي أهون الشرور.
واذا كانت الرسالة تقرأ من عنوانها فان ردود الفعل الاميركية والعراقية والعربية والدولية على التوجهات البوشية الجديدة توحي بأن المنطقة كلها ­ و ليس العراق وحده ­ قادمة على كارثة او ما يشبه الكارثة, لأن الفتنة التي يتهيأ لها العراق لن تظل محصورة في حدود العراق.
واللجوء مجدداً الى القوة الضاربة في البحث عن الأمن, في محيط بغداد اولاً ثم في مختلف المناطق العراقية, يمكن ان يستدرج مَنْ لم يستدرج بعد الى أتون الخلافات المذهبية, وهو استدراج لا يفيد منه إلا أعداء العرب والمسلمين.
وليس سراً ان المزاج العربي والاسلامي بصورة عامة, لم يعد يحتمل الطريقة التي يتعاطى بها حكام العراق الجدد مع اهلهم وذويهم من أبناء الشعب الواحد, لأن هؤلاء الحكام محسوبون على ايران والولايات المتحدة معاً, وليس على مستقبل العراق.
ليس سراً كذلك ان معظم الحكام والسياسيين العرب يتلاقون على ان السلوك الأميركي في العراق, معطوفاً على السلوك الايراني, كلاهما لا يخدم وحدة العراق منذ الاحتلال حتى اليوم. وفي اوساط النخبة من المثقفين العرب اقتناع يترسخ خلاصته ان ضعف العرب كفيل بأن يدفع اخصامهم ومنافسيهم, أياً كانت خلافاتهم الذاتية, على التوافق المصلحي ضدهم, الأمر الذي يمكن ان يتطور من حالة غير مخططة او مصادفة بحتة, الى اخرى مخطط لها يتقاسم فيها الطرفان المكاسب على حساب المصالح العربية.
والواقع ان ما بين عرب الخليج, والعرب بصورة عامة, وايران حرب باردة لم تتوقف منذ اندلاع حرب الخليج الاولى, وقد ازدادت حدة بعد احتلال «الجزر الثلاث» واطلاق المشروع النووي الايراني, واستعرت بما يشبه يقظة الأحقاد الدفينة بعد إعدام صدام حسين بالشكل الذي أعدم به.
صدام المشنوق الملوي الرقبة سابقة عربية يمكن ان تنسف كل الحسابات البوشية في العراق, وكل الخطط الأمنية التي يستعد نوري المالكي لتطبيقها بتغطية اميركية.
وكلام العاهل الاردني عن «الهلال الشيعي», ثم كلام الرئيس المصري عن المشروع النووي الايراني, وبينهما كلام دول مجلس التعاون الخليجي عن «مشروع نووي مضاد», كلها مؤشرات على ان المنطقة تتهيأ للدخول في صراع من النوع المدمر, يصعب حسمه في اي حال بالوسائل البوشية.
من اين يبدأ الحل؟
الظن الراجح انه يبدأ من لحظة العودة الى «الشرق الاوسط القديم», اي الامتناع الاميركي عن استخدام القوة بصورة منفردة لاعادة رسم خرائط المنطقة ومصائرها.
وهو يبدأ بالعودة الى منطق الاستقرار الاقليمي كاطار عام, وفق استراتيجية تحافظ على المصالح الاميركية ­ والغربية بشكل عام ­ من دون ان تغرق العراق ولبنان وفلسطين ودول الجوار العراقي في مآزق بلا رحمة.
ولعل المطلوب من الديمقراطيين العائدين الى الكونغرس, ان يقتنعوا ­ قبل ان يُقنعوا الادارة البوشية ­ بأن استراتيجية استخدام القوة في ارض العرب المسلمين, من اجل إحداث تغييرات قسرية, يمكن ان تحوّل المساحة العربية ­ الاسلامية بكاملها الى «افغانستان» يصعد معها الاصوليون الى السلطة, تماماً كما حدث في الصومال وأسس للحرب الاخيرة في القرن الافريقي.
والآلة العسكرية الاميركية التي تحاول ان تعزل سوريا وايران, هي التي أسست لسياسة المحاور الجديدة في المنطقة, وأسقطت طروحات «المعتدلين» لمصلحة المتطرفين في العراق وفلسطين بصورة خاصة, وأحدثت احتقاناً متزايداً في لبنان يخشى معه ان ينزلق مجدداً الى الصراع الداخلي, سواء انتصر البوشيون او هزموا على امتداد المنطقة.
هل ينجح الديمقراطيون في إعادة ترتيب اوراقهم العربية والاسلامية, وتغيير المعادلات التي لم تنتج حتى الآن سوى حروب باردة واخرى ساخنة على مستوى الشرق الاوسط؟
هل يمكن ان نحلم ­ بالرغم من كل المآسي التي عشناها منذ اربعينيات القرن الفائت ­ بالعودة الى الشرق الأوسط القديم؟
 


فؤاد حبيقة
الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...