الانزلاق المعرفي لأزمة احتلال العراق في مراكز الأبحاث الأمريكية

03-07-2007

الانزلاق المعرفي لأزمة احتلال العراق في مراكز الأبحاث الأمريكية

الجمل:   تم طرح العديد من وجهات النظر حول ما جرى وما يجري حالياً، وما قد يجري في العراق، وما هو جدير بالملاحظة أن مراكز الدراسات الأمريكية التابعة لجماعة المحافظين الجدد قد نجحت في تحويل جوهر الأزمة العراقية من أزمة احتلال بالقوة العسكرية الغاشمة إلى أزمة تحقيق الاستقرار.
• الانزلاق المعرفي والأبستمولوجي:
الاحتلال والاستعمار أياً كان نوعه يؤدي إلى ظهور المقاومة الوطنية، والمواجهة بين قوى الاحتلال وقوى المقاومة تبدأ من الرفض والمقاومة السلبية على غرار نموذج المهاتما غاندي الذي أقنع الهنود الحفاة بالجلوس وإغلاق الشوارع الهندية تعبيراً عن الرفض والمقاومة غير المسلحة.. وتصل إلى سفك الدماء والخراب والدمار، عندما يكون الاستعمار والاحتلال من النوع القادم على ظهر دبابات أبراهام المزودة بالفوهات الليزرية وطائرات الأباتشي التي تحمل القذائف الذكية.
وبرغم أن المعالم الرئيسية للمشهد العراقي ظاهرة بوضوح، ظلت لغة التفسير والمعالجة تستخدم مصطلح الاستقرار بدلاً من الاستعمار أو الاحتلال، وأصبحت عقول الكثير من المسؤولين وحتى أبرز الصحفيين واقعة تماماً تحت تأثير قصف أسلحة التضليل الشامل الأمريكية، وأصبح حتى أكثر المعارضين للاحتلال والاستعمار يتحدث عن أزمة تحقيق الاستقرار في العراق.. وهكذا نجح الإعلام ومراكز الدراسات الأمريكية في دفع أجهزة الإعلام وكبار المحللين السياسيين والاستراتيجيين العرب إلى التماهي والانسجام الاصطلاحي والدلالي مع مفردات (خطاب) الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش التي تتحدث عن الاستقرار وإعادة البناء والتعمير. والمثل الأمريكية الأخلاقية في تحرير العراق.
• مراكز الدراسات وثقافة المصطلحات (الذكية):
مصطلح (استقرار العراق) أخذ الأذهان ضمن خارطة طريق جديدة تختلف معالمها كل الاختلاف عن معالم خارطة الطريق الخاصة بمصطلح (الاحتلال).
وإمعاناً في (صناعة المصداقية) نشر مركز دراسات غلوبال سيكوريتي اورغ، ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية العديد من التقارير والبحوث حول استقرار العراق، وجميعها تركز على التفاعلات والوقائع الجارية ومدى تأثيرها على مسؤولية الإدارة الأمريكية في تحقيق استقرار العراق، بحيث وضعت الحصان خلف العربة.
• استعراض تقرير غلوبال سيكرويتي أورغ:
يحمل التقرير عنوان: (قياس استقرار وأمن العراق) وهو عبارة عن تقرير تم تقديمه للكونغرس الأمريكي، بالاستناد إلى قانون وزارة الدفاع الأمريكية.
تتناول محتويات التقرير، الآتي:
- جدول المحتويات.
- الملحق التنفيذي.
1- الاستقرار والأمن:
- النشاط الاقتصادي.
- بينة الأمن.
- تحويل المسؤولية عن الأمن.
2- تدريب وأداء قوات الأمن العراقية:
- تخمين قدرات قوات الأمن العراقية.
- قوات وزارة الداخلية العراقية.
- وزارة الدفاع العراقية.
محتوى التقرير يعكس أزمة محتوى العقل الأمريكي الذي استطاعت مراكز دراسات اللوبي الإسرائيلي أن تتسلل وتتغلغل إلى آليات حركة الذهن الفردي والجماعي الخاصة به، وأيضاً إلى تشكيل نسق القيم المجتمعي الأمريكي على النحو الذي يعطي للاحتلال والاستعمار قيمة حضارية وإنسانية، ويعطي للإدارة الأمريكية الحق والمبرر الأخلاقي في القيام بهذا النوع من الأدوار.
تعمدت كل مراكز الدراسات عدم الإشارة لا من بعيد ولا من قريب للذرائع التي كانت تروج لها في الماضي بمشاركة ودعم الإدارة الأمريكية  حول أسلحة الدمار الشامل العراقية، وعلاقة النظام العراقي بالقاعدة.. وغير ذلك. كذلك فهذه الدراسات، حتى لو سلمنا افتراضياً بصحة منهجيتها في معالجة الأزمة العراقية، فأنها تتعمد أيضاً عدم الإشارة إلى حالة الفساد المستشري وسط النخب العراقية المرتبطة بالاحتلال، وأبسطها حادثة وزير الدفاع العراقي السابق، الذي استولى في وضح النهار وأمام الأمريكيين على مبلغ مليار دولار، وعندما بدؤوا تنفيذ الإجراءات القضائية هذه، سافر هذا الوزير بطريقة غير رسمية وعلنية العراق باستخدام (جوازه الأمريكي)، ولم يعترضه أحد، لأن القانون الأمريكي لا يسمح بالقبض على الأمريكيين وتقديمهم للمحاكمة خارج أمريكا!!
وعموماً، لقد نقلت مراكز الدراسات الأمريكية الأزمة العراقية من حالتها الواقعية البسيطة إلى حالة افتراضية أكثر تعقيداً، تدخل فيها تعميمات الفلسفة الوضعية المنطقية، والفلسفة التحليلية، وعلم (ما وراء) اللغة، و(ما وراء) المنطق.. وسوف يتطلب الأمر زمناً، لكي يقتنع الكثيرين بأن أزمة استقرار العراق هي أزمة احتلال العراق، وبأن ا يقصد بـ(استقرار العراق) هو (احتلال العراق).

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...