«يونيسف»: كيف أثّرت الحرب على أطفال سوريا؟

15-03-2016

«يونيسف»: كيف أثّرت الحرب على أطفال سوريا؟

رأت نهى (11 عاماً) أخاها للمرّة الأخيرة عندما كان ذاهباً ليشتري لها البوظة المفضّلة لديها في المدينة القديمة في حمص، فأردته قذيفة «هاون». تقول، بينما تجلس حيث قتل شقيقها، «أتخيّله عائداً ومعه البوظة في يده». يتذكّر محمد (16 عاماً)، وهو لاجئ في أحد مخيّمات تركيا، اللحظة التي رأى فيها مدرسته في حلب تُقصف، ثمّ يتابع: «كنت أنوي في الماضي أن أكون مدرّساً، غير أنني أريد، اليوم، أن أصبح صحافيًّا لإخبار العالم عمَّا يجري في سوريا».سيدتان سوريتان مع أطفالهما في مخيّم الزعتري للاجئين في الأردن (رويترز)
«عندما كنت صغيراً، كنت أحب القراءة»، يذكر مشعل (16 عاماً) اللاجئ في مخيم الزعتري في الأردن. ويضيف: «كنت أريد أن أصبح أستاذ مدرسة، إلَّا أنني تركت الدراسة منذ ثلاث سنوات. إذا عدت، سأكون أكبر سنًّا من زملائي.. مَن يعيل عائلتي؟».
يتّكئ سمير (13 عاماً)، إلى جانب شقيقيه محمد (8 أعوام) وعبد الرحمن (12 عاماً)، على جدار في وادي البقاع في لبنان. يبتسم الصغار ويصفون مدرستهم القديمة في حلب. بعد توقّف عام عن الدراسة، تمكَّن والد الفتيان أن يعيد تسجيلهم في مدرسة رسميّة في لبنان في العام 2015. «عندما أكبر، أريد أن أكتب وأغنّي الراب. أريد أن أكتب عمَّا جرى لبلدي، أنا جدّ حزين لما يجري»، يقول محمد، قيل أن يعارضه شقيقه عبد الرحمن «أريد أن أكتب أغاني تجعل الأشخاص يضحكون. لا أريد أن أكتب عن الشقاء.. أحب الفرح». يكتب الثلاثة: «لتكن السماء حدودكم، وليس السقف. جميع الأفكار في العالم بدأت برسالة».
نهى، ومحمد، ومشعل وغيرهم هم عيّنة من الأطفال الذين سلّط الضوء عليهم التقرير الصادر، يوم أمس، عن «منظمة الأمم المتحدة للطفولة ـ يونيسف»، بعنوان «لا مكان للأطفال: تأثير خمس سنوات من الحرب على الأطفال في سوريا وطفولتهم».
وجاء في التقرير الذي أُعدَّ لمناسبة دخول الحرب عامها السادس «تقدّر يونيسيف أنَّ ما مجموعه 8.4 ملايين طفل، أي أكثر من 80 في المئة من الأطفال في سوريا، تأثّروا بسبب النزاع، سواء في داخل البلاد أو كلاجئين في الدول المجاورة»، بينما يعيش حوالي سبعة ملايين طفل داخل سوريا في حالة فقر.
وقتل أكثر من عشرة آلاف طفل بين الأعوام 2011 و2013، و400 طفل في العام 2015، فيما أصيب 500 طفل في العام ذاته بتشوّهات.
ويشير التقرير إلى أنَّ حوالي 3.7 ملايين طفل سوري، أي بمعدّل واحد من بين ثلاثة أطفال سوريين (منهم 2.9 مليون طفل داخل سوريا، و811 ألفاً في المناطق المجاورة)، ولدوا منذ بدء الحرب. هؤلاء لم يعرفوا، بالتالي، سوى العنف والخوف والنزوح. وهم لا يعرفون سوريا التي يتذكّرها أهاليهم.
يشكّل الأطفال نصف عدد اللاجئين السوريّين في المناطق المجاورة. ويوضح التقرير أنَّ «عدد اللاجئين في البلدان المجاورة لسوريا تضاعف عشر مرات اليوم مقارنةً مع ما كان عليه العام 2012. كما أنَّ هناك أكثر من 15 ألف عبروا الحدود السوريّة من دون صحبة ذويهم».
أمَّا أحد أكبر تحديات الحرب، فهو حصول الأطفال على التعليم، إذ وصلت معدّلات الالتحاق بالمدارس داخل سوريا إلى الحضيض. وتشير تقديرات «يونيسف» إلى أنَّ أكثر من 2.1 مليون طفل داخل سوريا و700 ألف في البلدان المجاورة هم خارج المدرسة.
وبحسب التقرير، فإنَّ نصف الأطفال في محافظات دمشق، ريف دمشق، حلب، حمص، وإدلب هم خارج المدرسة. وفي العام 2015، استُهدفت 40 مدرسة، في حين لا يمكن إعادة استخدام 6 آلاف مدرسة، ما يشكّل خسارة لعقدين من الاستثمار في مجال التعليم.
كانت ياسمين (12 عاماً) الأولى في صفّها، وهي تعمل اليوم في لبنان نحو عشر ساعات يومياً لتكسب مبلغ ستة دولارات، فيما يبدأ بعض الأطفال العمل منذ عمر الثالثة. وتُجبَر الفتيات على الزواج المبكر، إذ إنَّ ثلث الزيجات في مخيّمات اللاجئين في الأردن، تعود لإناث لا يبلغن سن الـ 18 عاماً.
ولا تحصل نسبة 70 في المئة من الأطفال في سوريا على مياه نظيفة، ما يزيد خطر انتقال الأمراض المعدية. إذ تمّت السيطرة على فيروس شلل الأطفال، غير أنَّ أوبئة أخرى تتزايد مثل الحصبة، الليشمانيا، والتهاب الكبد الوبائي «أ»، وهناك خطر انتقال الكوليرا من العراق المجاور.
في السنوات الأولى للحرب «تراوحت أعمار أكثريّة الأطفال الذين جُنّدوا للقتال من قبل القوى والجماعات المسلحة ما بين 15 و 17 عاماً، وكانت أطراف النزاع تقوم باستخدامهم، بصورة أساسيّة في أعمال الدعم بعيداً عن جبهات القتال»، لكن اعتباراً من العام 2014، «قامت جميع أطراف النزاع بتجنيد أطفال في سن أصغر من ذلك بكثير حيث لا تزيد أعمار بعض الأطفال عن سبعة أعوام وغالباً من دون موافقة ذويهم».
تذكر هدى (14 عاماً)، وهي اليوم لاجئة في مخيم في الأردن، «أعطاني القائد» سلاحاً وقال لي «جهّزي نفسك للمعركة».
«لا أعرف كيف أرى المستقبل، ربّما أجد الجواب مع الوقت»، يقول محمد (13 عاماً)، متمنّياً إن كان هناك قوّة على هذه الأرض لتعيد له الأشياء التي خسرها. لم تغرق ملاك (7 أعوام) وأمّها في البحر.. كان هناك ضوء آتٍ من الصيادين الذين سحبوهم إلى الشاطئ. خسرت الطفلة أحد أسنانها، وهي فخورة بأنَّ سنًّا جديداً ينمو في فمها. لا تعرف ماذا ينتظرها في أوروبا، غير أنَّها تقول «سأعود إلى سوريا وأعيدها كما كانت».
في المقابل، يوصي التقرير بضرورة وضع حدّ لانتهاكات حقوق الطفل، ورفع الحصار وتحسين وصول المساعدات الإنسانيّة، واستثمار مبلغ 1.4 مليون دولار في العام 2016 للتعليم، والالتزام بتعهدات التمويل، وتعزيز كرامة الأطفال.

ملاك مكي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...