«واسطة العقد» مغناة لمحمد عمر وحسين نازك

23-01-2010

«واسطة العقد» مغناة لمحمد عمر وحسين نازك

يأخذ العرض المسرحي الغنائي «واسطة العقد» مادة حكايته من مصادر متنوعة، تمزج بين شكل الأسطورة اليونانية والتراث الفلسطيني. فالحكاية الأساسية التي تقوم عليها المغناة، وهي من تأليف وإخراج محمد عمر، تستوحي من حكايا الإغريق؛ فــتاة مســجونة في برج عال، ولا يفك سجنها إلا العــثور على عقدها اللؤلؤ، المرصود والموزع على المــدن. يمضي شاب فلسطيني مقدسي في رحلة عذاب مضنية، كما لو كان في الأوديسة مثـلاً، للعثور على العقد، وفي الطريق يتعـــرض في كل مرة إلى اختبار. وفي مــواجهة الأخــطار يزوده الراوي (يؤديه زيناتي قدســية) بثلاث تمائم، تمثل رموزاً للثقافة الفلسطينية، كما أرادها الكاتب، الأولى كتاب لخليل طوطح في التربية والتعليم، وبه ينصح الراوي من أجل تحويل الرغبات إلى أجنحة تحلق بنا إلى أهدافنا، والثانية سنارة إدوارد سعيد، وفي العرض جاء رسمها على شكل علامة استفهام، والثالثة حزام كان يرتديه القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني، ومن شأنه أن يزودنا بالشجاعة والطاقة الخلاقة.
ومن أجل المناسبة، والمناسبة هي الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربية، أصر العرض أن يحشر حكاية المدن المجاورة النائمة، التي تخبئ حبات اللؤلؤ المرصودة، تلك المدن التي حتى لو اجتمعت فإنها لن تنفع البنت الأميرة في سجنها البرجي، فاجتماعها لا يفيد من دون واسطة العقد، القدس.
وصحيح أنه غالباً ما تكــون الحــكاية في المغناة بسيطة، لكن ليس إلى هذا الــحد من السذاجة، وإلا صرنا أمام عرض للأطفال، السذّج ربما. فثيمة العروبة والتحسر عليها، واستنهاضها استهلكت، على الأقل لدى المعــطف الذي خرج منه معظم الفرقة، ونعني فرقة «إنــانا» التي طلع منها المخرج وزمــلاؤه من الراقــصين، ولو أن العروبة هناك وُظــفت بشــكل تجـاري مؤثر، حيث التجوال على المدن «النائمة» كان يفضي إلى أغنية ورقصة وملابس من ذاك البلد العربي، الأمر الذي سيأخذ الفرقة ببــساطة للعرض هناك. أما «المدينة النائمة» نفسها، فستلقي بشبهة النوم إلى المدن الأخريات.
غير أن الحكاية هنا تقوم على تبسيط آخر، حيث البطل في مواجهة الأشرار، وهؤلاء هنا هم اليهود الذين يظهرون بلباس ديني يهودي صريح، أو يظهرون بمظهر الأفاعي وأشكال مخيفة أخرى.
يمر العرض على علامات عشوائية من التاريخ الفلسطيني الحديث مثل مقبرة الأرقام التي يخصص لها أغنية ورقصة. كما يحفل بالرموز المسيحية، حيث العرض يبدأ من عند رسام يرسم الأيقونات في سوق الدباغة بالقدس، ويريد أن يرسل للأب أسطفان بأيقونة للسيدة العذراء ليأخذها معه إلى الناصرة.
تراث القدس
كان لافتاً في العرض عدم الجدة في الرقص، وقلة الحيلة في تصــميم الملابس والــديكور، الذي تناوب بين جدار في المدينة يتوسطه باب يطل على سوق، هو ساحــة للرقــص، ووراءه برج الأميرة الأسيرة، وبين أمكنة أخــرى قليلة كبئر الأرواح. لكـن اللافــت أكثر هو كــلام الأغاني، المكتوب بنفس شعري هاو ومبتدئ، والمفارقة أن وضعت في قـوالب لحنية قيّمة، ولعلها الشيء الوحيد الذي لفت إليه عين الإعجاب، هذه التي لحنها الموسيقار الفلسطيني حسين نازك، هو المعروف بأغانيه الحماسية التي تأخذ مباشرة من التراث، لكنه هنا تخلى عن الحماسة، لصالح الموسيقى، لكن من دون أن يهمل التراث، لكنه هنا يعتبره تراث المدينة لا الريف، كما في عمله عن المجاهد عز الدين القسام. ولعل نازك نهل هنا من تراث المدينة المسيحي فقدم ألحاناً بدت في معظمها جديدة على الجمهور.
إن عمل نازك الذي توقف منذ زمن، بعد فرقة «العاشقين»، وبعد مغناة «سرحان والماسورة»، جدير بأن يلقى الاهتمام، فلعله الوحيد الذي قدم مغناة فلسطينية معاصرة، كان يمكن لها لو استمرت من دون انقطاع أن تثمر او تفضي إلى ما هو جديد وحسن.
أما في النص والرقــص فلا ندري لماذا نشعر كما لو أننا أمام عمل واحد مــنذ العــرض الأول لـ «إنانا» وحتى «واسطة الـعقد». صحيح أن فرقاً كهذه قربت الرقص إلى الجمهور، لكن الصحيح أيضاً أنها توقفت عند حد لم تــقفز عنه، أو هي لا تريد القـفز عنــه طالما أن من السهل اجتذاب الجمهور مع رقص يريد أن يظل شعبياً.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...