إسرائيل تتحايل على الضغوط الدولية بتغيير أسلوب الحصار

18-06-2010

إسرائيل تتحايل على الضغوط الدولية بتغيير أسلوب الحصار

أصدر ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية أمس بياناً أعلن فيه أن أعضاء المجلس الوزاري المصغر توافقوا على تغيير سياسة الحصار المفروض على قطاع غزة بإدخال سلسلة من التسهيلات عليه. وبدا جلياً في التوافق الذي تمّ بعد أكثر من أسبوعين على مجزرة «أسطول الحرية» أنه ليس سوى استمرار لسياسة التعمية الإسرائيلية التي، مثلما أقرت «لجنة تيركل» للتحقيق، أقرت أيضاً تخفيف الحصار.
وكان واضحاً منذ اللحظة الأولى الفارق بين البلاغ الموجه للإسرائيليين باللغة العبرية، والبلاغ الموجه للعالم باللغة الإنكليزية. فالبلاغ باللغة الإنكليزية أشار إلى اتفاق على تخفيف الحصار، فيما أن البلاغ باللغة العبرية أوضح أن القرار لم يتخذ بعد.
وأشارت «هآرتس» إلى أن صيغة البلاغ، كما وزعت على الممثليات الدبلوماسية، كتبت بصيغة المجهول وجاء فيها أنه «اتفق» (It was agreed) على توسيع إدخال البضائع ومواد البناء إلى قطاع غزة. ولكن باللغة العبرية تمّت الإشارة إلى أن نتنياهو تحدث في نهاية الاجتماع من دون إظهار إذا كان هناك توافق أم لا حول ما قاله بشأن أن «إسرائيل ستغير الأسلوب من أجل تمكين توسيع إدخال بضائع مدنية إلى غزة». وأضاف البلاغ أن «هذا يشمل توسيعاً مدروساً لإدخال مواد (بناء) لمشاريع مدنية».
وفي الحالتين بدا أن القرار الذي رتب، كما هو واضح، مع منسق الرباعية الدولية طوني بلير لم يتخذ بعد صفته الإجرائية. فالبلاغ الإسرائيلي يتحدث عن اجتماع لاحق للمجلس الوزاري المصغر للبحث في الجوانب الإجرائية المتعلقة بالقرار. وهذا يعني أن القرار، من الوجهة العملية، هو مجرد قرار تمهيدي وأولي يحتاج إلى قرارات إجرائية لإدخاله حيز التنفيذ.
وأوحى هذا القرار بأن حكومة نتنياهو لم تحسم أمرها بعد: هل ستبقي على التزاماتها بموجب اتفاقيات أوسلو أم ستحاول التنصل من المسؤولية عن قطاع غزة كما طالب الوزير إسرائيل كاتس؟ كما أن هذا القرار بين أن حكومة نتنياهو لا تزال بحاجة إلى المماطلة لكسب المزيد من الوقت قبل تحديد موقفها النهائي من الحصار. ومعلوم أن أي قرار إسرائيلي بهذا الشأن يعني، بأشكال مختلفة العلاقات مع كل من السلطة الفلسطينية في رام الله والحكومة المصرية فضلاً عن الغلاف الدولي الذي ساعد إسرائيل سابقاً إما في إنجاز الاتفاقيات أو في فرض الحصار.
وكان أعضاء المجلس الوزاري المصغر قد اجتمعوا صباح أمس للبحث بشكل نهائي في الصيغة التي توافق عليها بين نتنياهو وبلير حول تخفيف الحصار عن غزة. وكما سلف جرت الإشارة بالعبرية إلى أن قراراً لم يتخذ بهذا الشأن وبالإنكليزية إلى أن القرار اتخذ ولكن بشكل مبدئي. ولكن من المعطيات المتوفرة يتبين بأنه لم تجر أي عملية تصويت، وبالتالي ليس هناك من قرار ملزم وإنما إجمال من نتنياهو للمواقف. وبموجب القانون الإسرائيلي فإن هذا الإجمال غير ملزم عملياً ما يعني استمرار قانونية القرار الذي اتخذ في عهد حكومة أولمرت بعد أسر الجندي جلعاد شاليت بفرض الحصار.
وفي الاجتماعات السابقة للمجلس المصغر عرض وزراء وقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية رأيهم في الأمر. وقد تراوحت الآراء بين اتجاهين: واحد يعارض بشدة أي تخفيف، لأن ذلك يعني منح حركة حماس إنجازات، وآخر يطالب بالتخلص تماماً من أي مسؤولية عن غزة وحصر التدخل في الشأن الأمني فقط.
ووزّع ديوان رئاسة الحكومة تعميماً على الصحافيين جاء فيه أن الخطوات التي جاءت في قرار الحكومة ستنفذ على الفور. ولكن الفحص الذي أجراه الصحافيون أثبت أن أية توجيهات جديدة لم تقدّم للجهات المعنية بفرض الحصار. ولكن الأفعال في واد والأقوال في واد آخر. وأعلن مسؤول أمني إسرائيلي أنه «قبل اجتماع المجلس الوزاري المصغر كانت لدينا النية في توسيع إدخال البضائع إلى غزة». وأضاف «لقد أبلغنا الفلسطينيين أننا سنسمح بإدخال كل المواد الغذائية والأدوات المنزلية وأدوات الكتابة والمفروشات ولعب الأطفال إلى غزة. ولكننا لم نتلق أوامر بشأن أية مواد أخرى».
وقال وزير الدفاع إيهود باراك في تفسيره للقرار إن «المقصود هو إدخال المزيد من البضائع، ولكن على الدوام بعد فحص إسرائيلي للتأكد من عدم احتوائها على أسلحة أو مواد يمكن أن تستخدم عسكرياً. وقد أعطينا رأينا في مسائل الاسمنت والحديد ونفحص إمكانية السماح بمشاريع تجري تحت إشراف جهات دولية مثل الرباعية، الأمم المتحدة، أو منظمات دولية جدية أخرى. وبوسع مشاريعهم أن تحصل على كمية الاسمنت والحديد ومواد البناء المطلوبة لها». وشدّد على أن كل الإجراءات ستتم من دون إزالة الحصار البحري ومع إصرار بأن «كل من يرغب في نقل مواد إلى غزة عليه تمريرها عبر أسدود، بالضبط مثل الحاويات التي تذهب لرام الله وبيت لحم ونابلس».
ورغم أن القرار الإسرائيلي بعيد عن تلبية مطامح أهل غزة وناشطي السلام الدوليين إلا أن من المؤكد أنه ما كان ليتمّ لولا الضغط الدولي الذي نجم عن التضحيات الجسام التي قدّمها شهداء وجرحى ومناضلو أساطيل الحرية. وهناك في إسرائيل من يرى في قرار الحكومة الإسرائيلية الباهت والملتوي هذا انحناء أمام عاصفة الضغط الدولي هذا.
حلمي موسى
المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...