«الضيوف» لـ سهيل عقلة: فوبيا الغرباء

10-08-2016

«الضيوف» لـ سهيل عقلة: فوبيا الغرباء

تنتصر مسرحية «الضيوف» للمباشرة الفنية في طرح مقولتها التي أخرجها سهيل العقلة عن نصٍّ «سيدات في حالة تقاعد» للكاتبين البريطانيين «إدوارد بيرسي» (1891-1968) وريجينالد دينهام (1894-1983)، مسقطاً عبر شخصيات العرض على حال السوريين، وباستعارة قرآنية ساقها المخرج على «بروشور» العرض بقوله: مجدولين حبيب وغيداء خالد في مشهد من «الضيوف».. جحيم مفتوح«عندما يفور التنّور في طوى، ستعلم الأرض المباركة كم كانت طيبة»، محققاً بذلك تناصاً مع طوفان نوح وقصة صعوده إلى جبل، احتماءً ومَن معه من فيضان الماء الذي أبدله «عقلة» بطوفان النار، كدلالة على الجحيم المفتوح في بلاده منذ أكثر من خمس سنوات. العرض الذي تناول ثنائية الضيف ومضيفه، بدت في ظاهرها قصةً عادية للغاية، لولا الإشارات التي مرّرتها المسرحية عن الغرباء ومصير مَن يؤويهم في بيته، حيث تحتمل هذه الإشارات أكثر من قراءة، سواء فيما يتعلّق بالجيوب الوهابية التي تربّت داخل الأرياف وبعض المدن والبلدات السورية، وكان لها في ما بعد تأثيراً مباشراً على تطوّر الأحداث المندلعة في سورية، أو حتى في الإشارة لتلك الخصومات القديمة الجديدة بين مثقفي مدينة ومثقفي أرياف، حيث تجلّت ذروة المواجهة بين غلاة المتحزّبين لصفاء المدينة في وجه الوافدين إليها من أخوتهم أبناء الريف السوري الفقير ستينيات القرن الفائت، فاعتبر الفريق الأول القادمين من الأرياف السورية إلى عاصمة بلادهم بعد الاستقلال عبارة عن «غرباء» لم يحترموا حسن الضيافة، وأنهم «جفّفوا نهر بردى وشوّهوا معالم المدينة بأغنياتهم وسلوكياتهم الشعبية غير المتمدنة» فانعكس ذلك على مضمون العديد من أعمال روائية سورية، تشفّى فيها «مدنيون» من «ريفيين متخلفين أجلاف» سواء بدواعي مناكفة السلطة، أو بسبب أحقاد طبقية مزمنة لم تتخلّص منها المدينة السورية. تشير المسرحية، ومن عنوانها، إلى هذه الصدامية بين طبقات المجتمع، فاستعارت النسخة الإنكليزية عن حياة ممثلة سابقة «فيسك» (سعاد، ديالا العلي) تعيش مع صديقتها «إيلين غريد» (سامية، دلال عمران) في مكان ناءٍ عند مصب نهر التايمز. تزورهما أختا «إيلين» كل من «لويزا» (ليلى، مجدولين حبيب) و «إميلي» (سلوى، غيداء خالد)، وهما ـ كما صوّرهما الكاتبان الأصليان ـ امرأتان بسيطتان من الريف تدعوهما لزيارتها فتأتيان، وبعد فترة تذكّر فيسك صديقتها إيلين بضرورة عودة أختيهما، لكن الأختين ترفضان العودة فتتشاجر فيسك وإيلين لتستعد هذه الأخيرة لإرسال أختيها إلى لندن، ولكنهما تدعوهما للبقاء دائماً معها. تذهب الأختان، ثم تذهب فيسك في رحلة، لتعود الأختان إلى المنزل وتتصرفان وكأن المنزل صار منزلهما. في هذه الأثناء يظهر «ألبرت» (عماد، سهيل العقلة) ابن أخت الشقيقات الثلاث. بعد أن قام أصلاً بزيارة سرية لفيسك آخذا منها الأموال ومتلاعباً بمشاعرها الأمومية، ثم ليعود مجدداً بعد أن سرق بنكاً وقرر الاختباء مع خالاته، فيكشف ألبرت عن جريمة قتل إيلين لفيسك.
تتوالى بعدها أحداث مثيرة للعرض، فالمسرحية المبنية على قصة جريمة، والتي أُنتِجت لأول مرة في 26 آذار من عام 1940 قُدّمت وقتها على مسرح «هنري ميللر»، كنوع من الميلودراما النفسية التي عوّلت على موضوعية النفس البشرية، على خلاف ما حاولت النسخة السورية تقديمها كحجة على وقاحة «الضيف» وتصويره كقاتل وسارق ومزوّر وهمجي، فجاءت نسخة كل من «بيرسي» و «دينهام» غريبة ومثيرة في زمن الحرب العالمية الثانية، وهذا ربما ما دفع المخرج «تشارلز فيدور» وقتذاك ليقوم بتحقيقها كفيلم سينمائي بالعنوان نفسه عام 1941، إذ قدّمت «سيدات في عزلة» في تلك الفترة أكثر من ثلاثمئة عرض، واعتُبرت أول مسرحية جديّة زمن الحرب، بعد أن توقع لها النقاد الفشل الأكيد.
أما في النسخة السورية فاستقى كل من جان وعقلة من النص الأصلي ظروفاً مشابهة لشخصياتهما التي بدت كرتونية في أداء ممثليها غير المقنع والمليء بالاستجداء، فيما ترك الباب موارباً على إسقاطات عديدة، منها حوار «ألبرت - عماد» ولجوئه في المشهد الأخير للنص القرآني لتبرير جريمة قتل (السيدة سعاد)، في حين اعتمد مخرج العرض على حضور مشهدي أقرب إلى معرض «موبيليا» مُستعملة منه إلى ديكور مسرحي، وذلك من خلال حشو الفضاء بـ (عفشٍ) ثقيل جمعت ألوانه بين الأحمر الفاقع والذهبي، في محاولة لعكس ثراء البيت على الخشبة، ما ضاعف من جمود هذه الكتل وعدم توظيفها على المنصة إلا لأغراضها المعيشية التقليدية من قيام وجلوس، لاسيما في المشهد الأول الذي قدّمَ فيها عقلة ثنائية إيقاعية جاءت على النحو التالي: (دُم وتك) مسقطاً إياها لفظياً على إيقاع القذائف، لتتحوّل الوحدة الإيقاعية (دُم) إلى (دَمّ) على ألسنة الممثلين «ضيفك بلّش دمّ، وبلّش تك».

(دمشق)
(]) تُعرض على مسرح القباني، دمشق من 2 إلى 15 آب

سامر محمد اسماعيل

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...