هواجس الشعر لممدوح عدوان

05-12-2006

هواجس الشعر لممدوح عدوان

لا يذهب ممدوح عدوان في كتابه (هواجس الشعر) الى تحطيم القول الشعري ليعيد كتابته من جديد. فهو الى كونه شاعرا، هو مسرحي وروائي ومترجم وسيناريست وناقد، عمل في كل ما كتبه الى منح الكلمة قدرة السطوع، يريد من القول الشعري والمسرحي أن يسطع، ويكون له موقع في النفس الانسانية، فلا يكون قولا مستسلما، بل قولا يوقظ إحساساتنا فلا نموت، لأنه قول يكوّن وجودنا الإنساني.
وممدوح لا يتردد في الكشف عن العمليات التي تولّد الشعر لديه، فيرى أن الشاعر وحده من يملك شجاعة ان يظل طفلا، أو ان يعود الى طفولته بين الحين والآخر، وأن يتعامل مع العلم حسب رؤاه الطفولية هذه، وبالتالي يقبل أنه لم يكبر. ولن يستغرب ان يتعامل العالم معه على أنه صغير أو قاصر، ولكنه بفعله هذا يُذكّر كلاً منا بالطفل الكامن في نفسه والذي وأدناه ونسيناه.
الشاعر برأي ممدوح ايضا هو ذلك الإنسان المقر بتناقضاته، والقادر على التعامل معها بديموقراطية، فهو بريء بمقدار ما هو فاسق، وهو مؤمن بمقدار ما هو كافر، وهو همجي بمقدار ما هو خائن، وهو الشعري بمقدار ما هو نثري. ولهذا فإن ممدوح عدوان ينصحنا أن لا نسعى في حياتنا الى تلخيص الانسان، فالإنسان هو ذلك التعدد الللامتناهي، وهو ذلك التنوع والغنى. ويريدنا أن لا نلخص مواهب الإنسان ما استتر منها وما انكشف ففي كل إنسان شاعر، لأن في كل إنسان طفلا قد تم قمعه لكي لا يُسقط أشعته على العالم، ولكي لا يقبل الأشعة التي تأتيه من هذا العالم، ولا أحد يعرف الآن أين صار ذلك الطفل المنسي في أعماق الرجل الكبير الذي نراه.
قصيدة النثر
ممدوح في هواجسه يذهب بنا نحو اكتشاف رداءة الشاعر في الشعر حين يحب امرأة، فبرأيه ان قصائد الحب الجيدة هي عن النساء كلهن، وعن الرجال كلهم. أما قصائد الحب الرديئة فهي تلك التي لا تعني إلا أصحابها، ولذلك يبدو جدانوف، أو ستالين، محقا حين استشاروه في طباعة ديوان حب لأحد الشعراء فقال: اطبعوا نسختين واحدة له وواحدة للمرأة التي يحبها. الكاتب، كما يقول جان جينيه في حديثه عن الحلاج، يدفن اللغة وهو يبدعها، انه يدفن الدلالة المتداولة ثم يحييها دلالة جديدة مدهشة، أي انه يدفن المتعارض عليه عن معنى الكلمة، ويدفن معه معناها القاموسي ويستخدمها كما شاء لها هو. أما قصيدة النثر فهي برأيه تجربة مستعارة من الشعر الغربي، وإذا كان شعر التفعيلة قد تأثر في بداياته بالشعر الفرنسي أو الانكليزي إلا أنه في ما بعد، عرف كيف يصل الى قصيدة عربية بنت لغتها. لكنه لم يستطع، بعد إلا نادرا، أن يفعل ذلك في قصيدة النثر، ويجب أن لا ننسى أن الشاعر الانكليزي الذي قلده شعراؤنا ليس لديه تراث شعري أبعد من القسم الثاني من منتصف القرن الرابع عشر والمقصود (تشوسر) أبو الشعر الانكليزي بينما عاش امرؤ القيس في الجاهلية وعاش المتنبي في النصف الأول وقليلا من النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي 915965 ولا ننسى ايضا خصوصية اللغات الاخرى دون الأخذ بها انها أفضل أو أسوأ. لكن لكل شاعر ولكل لغة تراثاً، وكما يقول يوسف الخال: (الحي لا يُدفن) وهو يقصد التراث، وإلا كنا نعيد تقاليد الوأد. ان ما يُدفن هوالمعنى المتداول والمألوف للكلام، في التراث أو سواه، بينما الجانب الحي يبقى ولا يمكن دفنه. ومقابل الذين يريدون تحويل الشعر الى لعبة لفظية بحتة وتجارب لغوية خالصة، هناك من أراد أن يعود بالشعر الى بدايته الأولى، حيث انطلق الشعر من الصوت، فراح يحوّل الشعر الى صوت فقط، ويعتبر الشعر لعبة صوتية خالصة.
شهادات
ممدوح عدوان في كتابه (هواجس الشعر) الذي صدر بعد رحيله بعامين نراه يؤسس، يدشن معنى الشعر، باعتبار أن الشعراء يؤسسون لما سيبقى. واذاً فهو ضد أفول الشعر حتى لا تنتهي الميتافيزيقا، وهو ذلك لا ينسى أن يصف جيل الستينيات من الشعراء في سوريا بأنهم جيل بلا آباء وأن بعضهم لا علاقة له بالإبداع، أي انهم تقدموا بوصفهم شبانا مسيسين تحتاج اليهم تلك المرحلة، فاحتلوا مواقع مؤثرة في الإعلام والثقافة والنشاطات الجامعية، ولم تساعد هذه الفرصة في تقديمهم كأشخاص وحسب، بل ساعدت من خلالهم بجهودهم في تقديم الشعر الحديث ومقولاته. ولكن سهولة الانتصار في تلك المعركة كما يروي ممدوح عدوان أثرت في بعض أبناء هذا الجيل وجعلتهم بمن فيهم ممدوح عدوان غير واثقين من قوتهم، فبدأوا البحث عن مصداقية في الساحة العربية، ولذلك فإن معظمهم توجه الى مجلات كانت تصدر في بيروت والقاهرة وعمان وبغداد، وكانت ساحتنا في دمشق خالية من مجلة ثقافية محلية تفتح المجال للحوار والنقد. فصارت الصفحات الثقافية في الصحف اليومية تقوم بهذا الدور قدر ما تستطيع.
ثم يذهب ممدوح عدوان الى إطلاق قول شهاداته في علي الجندي وشوقي بغدادي ونديم محمد ونزار قباني ونازك الملائكة ولقمان ديركي وأمل دنقل وبدوي الجبل وسنية صالح التي تشعر وأنت تقرأها كم كان بإمكان امرأة من هذا النوع أن تعيش سعيدة لو أنها ظلت مستكينة في داخلها، لو أنها لم تكن ترى، فحتى غضبها يرشح رقة وهي تؤنب هذا العالم الشنيع، بمرارة وخيبة، وكأنها تربي ابناً خان الحليب، تؤنبه وهي توشك أن تبكي عليه، ومنه.

الكتاب: هواجس الشعر
المؤلف: ممدوح عدوان
الناشر: دار ممدوح عدوان دمشق .2006

انور محمد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...