طرابلس من مدينة العلم والعلماء إلى أرض خصبة للتطرف

27-01-2013

طرابلس من مدينة العلم والعلماء إلى أرض خصبة للتطرف

من أطلق على طرابلس لقب مدينة "العلم والعلماء" لم يخطئ، فهي المدينة التي أنجبت الكثير من العلماء في الفقه والعلوم الشرعية، وفي العلوم المدنية والقضائية ومختلف شؤون العلم، كما انتشرت في أرجائها المساجد والكنائس والمكتبات.
هذه البيئة شكلت الأرض الخصبة لنشوء حالات من التطرف الديني لم تألفها في تاريخها الطويل الذي يشهد عليها مدينة منفتحة تتقبل الآخر، وتتلاقى فيها المآذن مع أجراس الكنائس.
الأرض الخصبة جذبت بعض رواد التطرف من حركات أصولية وجدت في طرابلس مرتعا لها، وتقبلا من بعض الشرائح التي كانت تعاني في الاساس من تهميش اجتماعي وسياسي ومن فقر وبطالة، بل وتهميش ديني نتيجة رفضها للمفاهيم الوسطية، بحثا عن الغلو والتطرف.
يمكن القول أنّ طرابلس بدأت تشهد حالات التطرف بشكل أكثر وضوحا في أوائل ثمانينيات القرن الماضي منذ أن تحولت الى ملجأ لقيادات اسلامية اصولية هاربة من سوريا، اثر احداث حماة، ومن ثم التفاعل بين هذه القيادات وبعض المجموعات الاصولية الصغيرة التي كانت محصورة في بعض المناطق الطرابلسية دون ان تجد قبولا لها في المجتمع الطرابلسي الذي كان يسوده الفكر العلماني من احزاب وقوى وطنية ووقومية وعلمانية.
غير أنّ المحنة اللبنانية، التي نالت طرابلس نصيبا منها، أفسحت المجال أمام هذه المجموعات الاصولية التابعة لحركة "الاخوان المسلمين" ولمجموعة سلفية ربما لم يكن عدد عناصرها يتعدى أصابع اليدين ومن ثم انسحاب الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مع قواته من بيروت إلى مدينة طرابلس في خضم الصراع بينه وبين القيادة السورية بشخص رئيسها يومذاك الرئيس الراحل حافظ الاسد، الأمر الّذي دفع بعرفات الى شن عمليات انتقام من حلفاء سوريا والى تقديم كل وسائل الدعم لمجموعات محلية وتأسيس حركات مذهبية طائفية، وبالتالي جمع هذه الحركات والخلايا في اطار واحد بدأت تنمو في كنفها الحركات الاصولية بعد نشوب معارك عنيفة انتهت بدخول الجيش السوري وانهاء هذه الحركات بعد سقوط عدد كبير من الضحايا والجرحى، لكن نتائج هذه المعارك وجدت من استمر في تكريسها في ذاكرة الطرابلسيين كي تبقى الجرح النازف يستعمل حين تدعو الحاجة لقضايا سياسية.
منذ ذلك الوقت بدأت تتنامى الحركات الاصولية ويتوسع انتشارها بعد أن وجدت من يمولها ويقدم لها الدعم وصولا الى منحها رخصة رسمية التي نالها حزب التحرير بعد اكثر من ستين عاما من المنع وهو الحزب غير المرخص له في معظم الدول العربية نظرا لرفضه انظمة الحكم القائمة وتكفيرها ولدعوته الى قيام الخلافة الاسلامية.
تراجعت الاحزاب العلمانية في طرابلس لصالح تمدد الحركات الاصولية التكفيرية التي نجحت في استقطاب الشباب وفي تعبئتهم بمفاهيم هي نتاج اجتهادات لقادة اصوليين مع تزيين الجهاد والاستشهاد من جنة تعج بحور العين.
واستقطبت هذه الحركات العاطلين عن العمل والفقراء لقاء حفنة من الدولارات فاصبح الانضمام اليها الشغل الشاغل للشباب مع سلاح يفاخر به هؤلاء.
شوارع طرابلس باتت اليوم اشبه بشوارع مدينة منغلقة في افغانستان فمظاهر اللحى واللباس الخليجي والمنقبات هي الغالبة في شوارعها حتى بات مظهر امرأة غير محجبة هو اللافت والنافر.
توحي الحركات الاصولية انها لا تسعى الى امارة اسلامية في طرابلس لكن واقع الحال ان هذه الامارة باتت الامر الواقع في المدينة، وكل تصرفاتهم وحراكهم يوحي ان طرابلس باتت امارة اسلامية غير معلنة، الى حين نضوج الوقت لذلك.

دموع الأسمر

المصدر: النشرة الالكترونية اللبنانية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...