رفــــيق أم ســــيّد؟!

11-11-2006

رفــــيق أم ســــيّد؟!

الجمل- ماهر سلوم- السقيلبية:  أكثر شيء كان "يدهشني" في المجتمع الاشتراكي، أو ما كان يسمى "مجتمع اشتراكي"، هو طريقة التخاطب بين الناس!.. طريقة واحدة موحدة للجميع: أغنياء كانوا أم فقراء.. كباراً كانوا أم صغار.. بروليتاريا كانوا أم مسؤولين حزبيين.. متعلمين كانوا أم "أولاد شوارع".. علماء كانوا أم طلاب علم.. ضباطاً كانوا أم مدنيين!!. طريقة التخاطب هذه لم تكن تحوي سوى كلمة واحدة وحيدة جامعة مقدسة، ألا وهي كلمة: "رفيق"!.. كيفك يا رفيق.. أهلين يا رفيق.. كم هي الساعة يا رفيق.. اسمح لي يا رفيق.. هل عندك طلبي يا رفيق.. كم سعر هذه أو تلك يا رفيق.. أبشرك يا رفيق فلان بنجاح عمليتك التي أجراها لك الرفيق الدكتور فلان الفلاني.. أطمئنك يا رفيق فلان بأننا قبضنا على سارق بيتك وهو الرفيق فلان الفلاني من أصحاب السوابق... إلى آخر هذه العبارات "الرفاقية" المكرسة في كل مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والعلمية و...الخ.
طبعاً، اليوم، كلمة "رفيق" غدت من التراث وحلت محلها كلمة "سيّد"، لكنها لم تُقتلع بشكل جذري من الذاكرة الجمعية للمواطن (الاشتراكي سابقاً)!. الفرق الوحيد هو أنه إذا ما أخطأ أحدهم ونطق بهذه الكلمة (رفيق) بدلاً من (سيّد) سينهال عليه سيل من التوبيخات والتقريعات والتهكمات، وسيكره الساعة (24/24) التي انقلب فيها النظام، ويسب العولمة وما ارتبط بها من مفردات: نظام عالمي جديد ـ اتفاقية التجارة العالمية ـ عالم وحيد القطب ـ قرية عالمية واحدة ـ سوق عالمية واحدة ـ ثورة الاتصالات العالمية.. الخ!!
 قي أمريكا اليوم.. أمريكا ما بعد العبودية.. أمريكا الرأسمالية المتطورة.. أمريكا الامبريالية. في هذه الـ أمــريكــا صارت كلمة "سيّد" الكلمة المطلقة الانتشار في التخاطب والمخاطبة. هذه الكلمة نسخت (ألغت) ما سبقها من كلماتٍ كرست التمييز بين البشر بكل أشكاله. المدهش أيضاً أن كلمة "سيد" لدى "المواطن الرأسمالي حالياً"، مثلها كمثل "رفيق" لدى "المواطن الاشتراكي سابقاً"، كلمة مقدسة واحدة وحيدة جامعة!.. كلمة تطلق على كل أصناف البشر الصالح منها والطالح.. كلمة لا (يتورع) شخص كالسيد بوش مثلاً (الإرهابي بوش، برأي الكثيرين منا) من استخدامها، كلازمة، في كل مرة يتحدث فيها عن أشهر إرهابي في العالم (السيد أسامة بن لادن)!!.
"مشكلة" الأمريكان (الرأسماليين الحاليين) أنهم يكابرون ولا يرضون أن يتعلموا من الآخرين (الاشتراكيين سابقاً).. هم يُعلّمون ولا يتعلمون. ألم يدركوا بعد أن "امبرياليتهم" الحالية هي "أعلى مراحل الرأسمالية"؟! وبأن التناقض عندهم بين "قوة العمل" وملكية "وسائل الإنتاج" سيؤدي حتماً لسقوط النظام؟!.. وبأنهم، حتماً، إلى الاشتراكية سائرون؟؟!!... إذاً! عليهم منذ الآن أن يدربوا الناس على أسلوب جديد للتخاطب والمخاطبة؛ أقله باستخدام كلمة "رفيق" ومشتقاتها!! (ربما هم لا يستعجلون هذا الأمر الآن لاعتقادهم أن البون ما زال شاسعاً بين نظامهم الحالي والنظام القادم الموعود)!!. 
 في بلادنا النائمة منذ ما قبل التأريخ.. بلادنا: حيث النظام لا نظام، ونظريات الاجتماع والسياسة والاقتصاد مستوردة بدون فيزا، ومنقحة ومهذبة ومشذبة ومهجنة على الطريقة المحلية الفريدة. في بلادنا هذه كيف يتخاطب الناس؛ وأي كلمات يستعملون؟؟.. بصراحة يا "أخوان" (طبعاً، يمكنكم استبدال الكلمة الأخيرة بما يوازيها حسب الرغبة) قد تطول الإجابة إلى ما لا تحمد عقباه!!.. على كلٍ يمكنكم اختيار واحدة من هذه الكلمات الشهيرة والغير محظورة: ((يا أستاذ ـ يا خيّو ـ يا أخونا ـ يا حبيب ـ يا دكتور ـ يا حكيم ـ يا عمو ـ يا عالم يا هو... الخ)). كل الكلمات متداولة ما عدا: "رفيق" و"سيّد"!!.. أولسنا من مخترعي "عدم الانحياز"؟!
 قديماً (أو حديثاً، فالوقت معيار نسبي) قال أحدهم: "كما أرفض أن أكون عبداً أرفض أن أكون سيداً"!.. طبعاً، نحن من الموافقين على هذا القول بالمطلق؛ ولكننا نطالب بإمكانية استبدال كلمة "عبد" بـ "رفيق" حسب الضرورة! مع التشديد على حقنا في أن نخاطب الآخر بعبارة: يا إنسان!!
ت2 ـ 2006

مساهمات القراء

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...