ذكرى عاشوراء عند المسلمين السنّة

11-03-2007

ذكرى عاشوراء عند المسلمين السنّة

يتساءل السيد جعفر السيد محمد حسين فضل الله ("النهار" 1 شباط 2007) عن طريقة تحويل عاشوراء – وهي العلامة المميزة في شعائر المسلمين الشيعة – ذكرى اسلامية عامة تتجاوز المذاهب. والحاجة ماسة – في ايام الفتن المتنقلة هذه – الى مثل هذه الدعوات التي تُوسّع مناطق الاتفاق وتُضيّق مكامن الاختلاف. فقد يختلف المسلمون السنّة مع اخوانهم الشيعة حول عدة امور، ولكن لا يجوز ان يكون من بينها اختلافهم حول الحسين او حول عاشوراء. وفي ما يلي محاولة لمقاربة اخرى لهذا الموضوع تعكس فهماً لآراء السنّة طبقاً للاخبار المعتبرة لديهم.

يُجمع المسلمون على حب الحسين رضي الله عنه حفيد رسول الله (ص). فوالده علي بن ابي طالب الملازم للرسول، ونعم المستشار لخلفائه من بعده، اول من اسلم من الفتيان ورابع الخلفاء الراشدين. امه فاطمة الزهراء ابنة الرسول، الزاهدة، الراضية، الصدّيقة، الزكية، التي كانت تسمى "ام ابيها"، اكثر الناس شبهاً به كما روي عن السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما رأيت احداً كان اشبه كلاماً وحديثاً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، وكانت اذا دخلت عليه قام اليها، فقبلها، ورحب بها، وكذلك كانت هي تصنع به" وعنها ايضاً: "ما رأيت احداً اصدق لهجة من فاطمة". كان مولد الحسين سنة 4 للهجرة واستشهد في 10 محرّم سنة 61 هجرية بكربلاء. وردت في فضله احاديث كثيرة فعن ابي سعيد الخدري عن رسول الله: "الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة" وعن ابي هريرة عن رسول الله: "من احبهما فقد احبني ومن ابغضهما فقد ابغضني".

عارض الحسين بيعة يزيد بن معاوية ولم يرض ان يتم امر المسلمين دون شورى حقيقية وجاءته آلاف الرسائل من اهل الكوفة تطلب منه القدوم، وارسل ابن عمه مسلم بن عقيل ليستطلع له الامر. ولما وصل مسلم الى الكوفة بايعه اثناء عشر الف شخص فكتب الى الحسين يبلغه فيه قوة شوكته في الكوفة فعزم الحسين على المسير. اشار بعض كبار الصحابة الى الحسين بعدم الخروج – حباً له وخوفاً عليه – فقال له ابن عمه عبدالله بن عباس"... لو اعلم انك اذا اخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع علي وعليك الناس اطعتني واقمت لفعلت ذلك". اما عبدالله بن عمر فبعد ان عجز عن اقناعه بالعدول عن المسير اعتنقه وقال له: "استودعك الله من قتيل" وقال مثل هذا محمد ابن الحنفية وهو اخ للحسين من ابيه.
تمكن عبيد الله بن زياد من قتل مسلم بن عقيل بعد حملة تخويف واستمالة لاتباعه. وبلغ الحسين خبر مقتل ابن عمه فأعطى الاذن لاصحابه بالانصراف – ولكن اخوة مسلم بن عقيل قالوا: "والله لا نبرح حتى ندرك ثأرنا او نذوق كما ذاق مسلم". وصل الحسين الى كربلاء حيث لاقاه جيش من اربعة آلاف مقاتل وجرى التفاوض بين الفريقين. رفض الحسين عروضاً اعطيت له تمثلت في نزوله على حكم ابن زياد وقابلهم بعروض اخرى: اما ان يتركوه فيرجع من حيث اتى، او ان يذهب الى الشام، او ان يسير الى احد الثغور. وتم رفض عروض الحسين ووقعت المجزرة فقُتل من اولاد علي بن ابي طالب، جعفر والعباس وابو بكر ومحمد وعثمان، ومن اولاد الحسين، علي الاكبر وعبدالله، ومن ابناء الحسن، عبدالله والقاسم وابو بكر. وقتل المجرمون الحسين وقطعوا رأسه وارسلوه الى عبيد الله بن زياد. ومن ثم سُيّرت النساء والاولاد الى دمشق قبل ان يعود موكبهم حزيناً الى المدينة المنوّرة.
لم تكن ثورة الحسين بن علي رضي الله عنهما بهدف الحصول على السلطة، بل لانه كان يرى انحرافاً بدأت ملامحه تطفو في ثنايا المجتمع الاسلامي، وفي هذا يقول ابو الاعلى المودودي: "ان من يعرف سيرة بيت الامام الحسين وسمو اخلاقهم لا يمكن ان يظن – حتى مجرد ظن – ان هؤلاء كانوا يريقون دماء المسلمين من اجل الحصول على السلطة والحكم لانفسهم". نشأت ثورة الحسين عندما رأى ملامح الانحراف عن المبادئ الاسلامية عبر التخلي عن الشورى التي تعتبر مرتكز الحكم في الاسلام.

يلاحظ المتتبع للاخبار الواردة عن جل علماء السنة انهم لا يحبونه ولا يلعنونه ويكفينا في هذا المقام ما ورد عن صالح بن احمد بن حنبل قال: "قلت لأبي: ان قوما يقولون: انهم يحبون يزيد، فقال: يا بني، وهل يحب يزيد احد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت: يا أبت، فلماذا لا تلعنه؟ فقال: يا بني، ومتى رأيت اباك يلعن احدا!". نعم يذكر بعد علماء السنة ان بعض الاخبار التاريخية تدل على ان يزيدا لم يرض بقتل الحسين كما ذكر مثلا ابن كثير. ويكفينا تعليقا على هذا الامر ما ذكره قاضي المحاكم السنية الشيخ محمد احمد كنعان: "هذا ليس عذرا ليزيد، فهو شريك في قتل الحسين بسكوته وعدم معاقبة القتلة، كما هو الواجب، والسلطان بيده".

يأخذ المسلمون الارشاد في كيفية التعاطي مع المصائب من القرآن الكريم الذي يقول: "وبشّر الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون". ومن السيرة النبوية يروى ان النبي صلى الله عليه وسلم لما جرح في غزوة احد شق ذلك على اصحابه وقالوا: لو دعوت عليهم! فقال: "اني لم ابعث لعَّانا، ولكني بعثت داعيا او رحمة. اللهم! اهد قومي فانهم لا يعلمون". وتذكر السير ان رسول الله خرج يلتمس عمه حمزة فوجده وقد قتل ومثل به فغضب وتوعد المجرمين فأنزل الله في ذلك: "وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين. واصبر وما صبرك الا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون" فعفا وصبر. وجاءت صفية بنت عبد المطلب فنظرت الى اخيها الشهيد فصلت عليه بثبات واستغفرت له. وبعد سنوات جاء فتح مكة وعفا رسول الله عمن ناصبه العداء في فترة سابقة قائلا لهم "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، وفيهم من تلطخت يداه بدماء حمزة وغيره من الاصحاب. وهكذا كان الهدي النبوي في التعاطي مع المأساة عبر الصبر والثبات والعفو.
ولا يجيز السنة التفاعل العنيف مع الفواجع ويقولون انه لو جاز الندب على فقد عزيز لجاز على فقد الرسول – جد الحسين – اذ ان في فقده اكبر مصيبة لمن آمن به، ولو جاز الندب بناء على عنف المأساة لجاز الندب – مثلا – على النبي يحيى بن زكريا الذي قتل بطريقة مفجعة كما هو معلوم. ولا ينفي ما تقدم رد الفعل البشري الطبيعي والذي يتفاعل فيه الانسان قلبيا ووجدانيا مع عاشوراء بكل ما تتضمنه من دلالات وعبر حيث لا يجد المسلمون بكل فئاتهم موقعا لهم الا مع الحسين. نعم يمكن ملاحظة ان البعض من علماء ومؤرخي السنة يودون لو ان الحسين لم يخرج الى الكوفة – ولكن قدر الله سابق – وتلك كانت نصيحة بعض كبار الصحابة المعتبرين وبعض المعاصرين لتلك الفترة، مع الاعتراف المسبق بصوابية القضية التي يحملها الحسين.
تبقى الاشارة الى ان الاختلاف بين السنة والشيعة في مظاهر التعاطي مع حادثة عاشوراء هو – في الاساس – فرق في كيفية التعبير. فهم يتفقون على همجية الظلم الذي اصاب الحسين ويتفقون على بغض من قتله ويحزنون على هذه الفاجعة ويختلفون في كيفية التعبير عن هذا الحزن. ونتيجة للاصوات التي ترتفع عند بعض علماء الشيعة والتي تطالب بترشيد طريقة احياء هذه الذكرى، تتضاءل الفروق في التعبير بين السنة والشيعة في هذا الامر، حتى يكاد يصبح كالفرق بين الشيعة انفسهم. فالشيعة يختلفون في كيفية التعبير ويجيزون له اشكالا شتى يوافق عليها بعضهم ولا يرضاها بعضهم الاخر وهو تماما كالفرق بين ما هو مشهور عند الشيعة من كيفية التعبير وبين اخوانهم من السنة الذين يعتبرون ان التعبير الاسلم هو ما فعله الرسول عند فقد الاحبة – تبعا لما صح عندهم من الاحاديث.
ختاما يتضح تقارب النظرة بين المسلمين والسنة والشيعة الى الحسين وفاجعة كربلاء ويبقى الاختلاف في بعض تفاصيل التعاطي مع هذه المأساة. وقد يكون في مثل الدعوات التي اطلقها السيد جعفر السيد محمد حسين فضل الله مناسبة لترشيد شعائر احياء هذه الذكرى عند فريق من المسلمين، وتعزيز مكانة الحسين اكثر واكثر عند الفريق الآخر ويبقى الهدف عند الفريقين استقاء العبرة من حياته واستشهاده رضي الله عنه.

يوسف صيداني

المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...