جوزف حرب طالع ع بالو يفل

13-02-2007

جوزف حرب طالع ع بالو يفل

مجموعة الشاعر اللبناني جوزيف حرب الاخيرة "طالع ع بالي فلّ" المكتوبة بالمحكية اللبنانية تحمل قصائدها كثيرا من سمات شعره السابق.. كتلك الجدية الحزينة التي تشبه العبوس والنظر الى الحياة بتقطيب لا ظلّ لابتسامة فيه. لكن المجموعة تحفل بمشاعر اكثر حرارة وتأثيرا في النفس.

من ابرز ما يميز هذه القصائد عن بعض نتاجه السابق كمجموعة "المحبرة" الضخمة المكتوبة بالفصحى.. ايحائية قوية تحمل دفئا او فلنقل حرارة دون لهب تنبعث من موضوعات تنصب على حركة الزمن والايام الافلة وما يحفره ذلك في الارواح والابدان. ومن جديدها ان الحزن فيها صار يطل علينا في صور مختلفة من الشيب والهرم والعجز وخيبات الامل ومن "نوافذ" عمر اشبه بقطار يتسارع نحو محطة اخيرة.. تطول السفرة ام تقصر.

وتبقى قصائد حرب مسرحا لاسئلة وجودية طغت على بعضها في نتاج سابق له ميكانيكية ذهنية باردة لكنها في المجموعة الاخيرة استطاعت اخفاء او التخفف من قدر كبير من هذه الميكانيكية لحساب مزيد من الدفء في مشاعر وجدت سبيلها الى السطح في التعبير عن التجربة الشعورية.

واستمرت القصائد في كثير منها تعكس اتجاها عند الشاعر يتمثل في تحويل فكرة او موقف فلسفي ما الى شعر لكنه استطاع في الغالب تذويب الفكري الجامد وتحويله الى مادة شعرية دافئة موحية. صحيح ان هذه المادة لم تتحول الى لهب حارق لكنها في هدوئها الحزين قد تكون اكثر تاثيرا وبقاء من اللهب وهو قصير العمر.

وقد يصعب على القارىء الا يتذكر باستمرار -من حيث الاسلوب والروح التي تسري في كثير من القصائد- الشاعر الكبير الراحل ميشال طراد الذي اهدى اليه حرب اكثر من قصيدة.

الكتاب الانيق الصقيل هو العمل التاسع بين شعر فصيح وبالمحكية لحرب صدر عن دار "رياض الريس للكتب والنشر" في 443 صفحة متوسطة القطع احتوت على ما لا يقل عن 180 قصيدة تتباين في الطول والقصر. وحرب هو الرئيس السابق لاتحاد الكتاب اللبنانيين.

الغلاف ووسط الوان رحيل غسقية غلب السواد على نورها المتبقي الارجواني اللون حمل صورة تظهر رجلا يشبه الشاعر موليا يسير في اتجاه الغروب. مرة اخرى يمزج الشاعر بين المجازي والواقعي اذا انه اراد ان تاتي الصورة موضحة او منسجمة مع عنوان المجموعة "طالع ع بالي فل" بمعنى ارغب في الرحيل. والعنوان هو عنوان القصيدة الاخيرة في المجموعة.

يشكل عنوان القصيدة زبدة ما فيها اذ جاءت التفاصيل اقرب الى حيثيات تؤدي اليه او اشبه بمقدمات منطقية تؤدي الى هذه النتيجة. وفي تعبير عن تجربة انسانية نرددها عربيا بصور مختلفة منذ "سئمت تكاليف الحياة... لزهير بن ابي سلمى" يقول حرب "عشت/ وعرفت/ حزنت/ وفرحت/ وكبرت/ وهلق/ ي هالدني/ انغمسي بموج الليل./ بيكفّي/ زهقت/ من هالكون/ زهقت من هالكل/ وطالع ع بالي فلّ."

من القصائد التي سبقت الاخيرة بقليل واحدة بعنوان "اجمل" تدخل في باب جردة حساب للعمر وفيها يقول "اجمل م شفت/ امي عشيي/ حاملي بالبيت مسبحة الصلا/ واجمل م عشت/ هاك القصص/ يللي كنت اتخيلا."

اولى القصائد حملت عنوان "كلام" وفيها دخول الى عالم النفس وما يضج فيه. يقول "جوّا م بعرف مين في/ جوا/ م بعرف مين عايش../ مين هوي../ وليش غامض../ ليش سري../ وكيف ساكن كل هالايام فيّ../ وكيف ما بعرف ش اسمو/ منين جايي../ شو بيعمل.."

وعلى طريقة مذهب "الاغنوسطية" او اللادرية منذ القدم مرورا بالفيلسوف الانجليزي ديفيد هيوم وصولا الى احد ابرز من حملها الينا في العربية اي ايليا ابو ماضي في "الطلاسم" حيث يصل الى خلاصة تشكل زبدة ذلك المذهب فيقول "كل ما ادريه اني لست ادري".. يصل حرب الى القول "كل يللي بعرفو/ اني م بعرف."

لكن مشكلة الشاعر ان هذ المجهول زاده تأرقا دون ان يستكين اليه ببرودة الموقف الفلسفي. يضيف هنا وكانه في كلام او حديث عادي كما في اسلوب كثير من شعره قائلا ان عالما من الغرباء يسكنه. "صرت اكتر حزن/ اكتر خوف/ اكتر اسئلي/ .../ في غربا جوا/ م بعرف مين هن/ في/ غربا فاتوا وانا نايم../ وغايب/ اذا بشعر فين بشعر كانن شي/ شبح او شي جرس/ بالعتم عم بيرن/ وبخاف لما بسمعن/ لكن اذا نسيتن بجنّ..."

في قصيدة "مهجور" عالم رومانسي من الوحدة والوحشة. يقول "نازل شتي رايق/ ع وادي شجر حور/ اصفر/ واحمر/ حط عا كتافو ضباب/ ووحدي وحزن صوتي كاني بيت مهجور/ وهوا حرّك الباب/ وغياب شمس وغيم يتمسك فيا/دموعو.. وعتم ضيّع شموعو يقلها/ ضلّي.../ هيك روحي/ وقت بتفلي."

قصيدة "سكّر" مثل على القصائد شبه التقريرية التي تطغى فيها الفكرة على التعبير عنها بشكل شعري مؤثر.

قصيدة "انا" تختصر كثيرا من الروح التي تسود قصائد المجموعة. انها العمر المتسارع يفاجئنا بل يصدمنا حين نراه منعكسا خارج انفسنا فنتوهم او نحب ان نتوهم ان الخلل "هناك" في المراة التي شاخت.. لا فينا نحن. يقول "من انا وزغير/ من زمن ستي/ والحكايي/ بعرف مرايي/وجهها يا صيف ضيعة ونسّمت بكير/ ولونها بركي بوادي.. وفي قمر غرقان فيها/ شو غرف فضة مضوايي./ ... وافترقنا../ كلمتين وبينهن عالسطر محاييي/ ولما التقينا بعدها../ شو مختيرة صارت المرايي."

المصدر: رويترز

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...