جدل بعثي حول العمل الحزبي و الوطني ( 1 من 2 )

07-09-2016

جدل بعثي حول العمل الحزبي و الوطني ( 1 من 2 )

 الجمل ـ د. عيسى درويش:
لم أطلع على الجدل الدائر في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية حول موضوع العمل الحزبي والوطني بسبب عارض صحّي .. و قد تكرّم وأرسل لي صديق بعض هذه الحوارات ومنها مقال الرفيق عبد اللطيف عمران في جريدة البعث بتاريخ 27 تموز الماضي.زكي الأرسوزي
ورغم أهمية الموضوع و احترامي لآراء من كتب حول الموضوع وجدت من واجبي أن أبدي الملاحظات الآتية:
1 ـ في المصطلحات :
وكثيراً ما ذهبنا إلى اختلاف حول هذه المفاهيم وبدلاً من أن نصل إلى نتيجة إيجابية في التقييم وجدنا أنفسنا في انزلاق غير مقصود في التعميم ومنها على سبيل المثال مفهوم الحزب الثوري .. ووقع جدل في مرحلة الستينات من القرن الماضي في صفوف البعث حول هذا المصطلح، فالمؤسسون لحزب البعث قالوا أن حزب البعث حركة انقلابية وكتب ميشيل عفلق الكثير حول مفهومه ونظرته لتحقيق الإنقلاب في رفض الواقع والتقاليد، والتجزئة، والاستغلال، والجهل، ولكن كيف ؟!
قال عفلق ورفاقه بضرورة رقي الأمة حيث تلتقي بروحها بمعجزة خارج التاريخ فتنهض الأمة من سباتها وتهب من غفوتها وهذا لا يتحقق إلا باستلهام الرسالة الخالدة للأمة أي استحضار روحها الحضارية والثقافية كي تلتقي بنهضتها كما التقى الوحي الإلهي منزّلاً من السماء في رسالة الإسلام للعرب فحملها العرب وتحرّروا، وحرّروا العالم المعروف آنذاك.
وانكبّ زكي الأرسوزي على كتابة رسائله الفلسفية مركّزاً على اللغة، والمثل العليا للأمة، مثل العبقرية العربية في لسانها، ورسالة الأخلاق، وغير ذلك من رسائل البعث متأثراً بفلاسفة عصر النهضة في أوروبا ( نيتشه و هيجل و كانط). وبدون إسهاب فهم القادة المؤسسون لحزب البعث أن الثقافة، والأخلاق، والتعليم، وتحرير المرأة، والكادحين من عمال،وفلاحين، واستقلال الدول العربية، وتحررها من الاستعمار، وعلى رأسها فلسطين سيؤدي حتماً إلى وحدة الأمة العربية، وأنها أصبحت تمتلك حريتها وستختار الطريق الإشتراكي لتحقيق العدالة للجميع.ميشيل عفلق
ويلاحظ المهتمون بتاريخ الحركات السياسية في الوطن العربي أن دستور البعث جاء بمبادئ عامة ولم يضع شكلا للدولة، أو المجتمع، أو دولة الحزب، أو شكل دولة الوحدة. بل ترك هذا الموضوع للتطور في المستقبل، ومن هنا نشأ الخلط في المصطلح بين كون حزب البعث حزباً ثورياً، أو حزباً انقلابياً، ووقع الانقسام في الحزب عام 1965 ،وقامت القيادة القومية بحلّ القيادة القطرية، وقامت حركة شباط وظهر ما يعرف باليمين واليسار في حزب البعث العربي الاشتراكي.
2 ـ المصطلح الثاني هو الاشتراكية:
ونتذكّر أن البعض قال أن اشتراكية الحزب هي الاشتراكية العربية، والبعض قال الاشتراكية العلمية، وما بين هذين المصطلحين دخلت على خطّ الحزب مؤثرات ومصطلحات الحركة الناصرية، والمصطلحات الماركسية مثل الصراع الطبقي والتناقض الديالكتيكي، والمادية التاريخية، والمركزية الديمقراطية، والطليعة الثورية، والحزب الواحد والحزب القائد إلخ ...
والمنطلقات النظرية حافلة بهذه المصطلحات، ومرة أخرى وقع الحزبيون في تفسير المصطلحات كل كما يراها وظهرت الأمراض الإنتهازية، والبيروقراطية، والشلل الحزبية، ورأينا انقسامات في جسم الحزب أضعفت مسيرته وأنهكت قواه، وجعلته فريسة للأطماع الداخلية والخارجية، وتعرّض الحزب لانتقادات مريرة من كتّاب التيارات اليسارية، والإنعزالية والدينية.
3 ـ المصطلح الثالث هو مصطلح دولة الحزب:
وهذا المصطلح بقي اصطلاحاً هلامياً غير مستقر، وطُرحت تساؤلات عن كيفية قيام دولة الحزب وإلى جانبه أحزاب تقليدية علنية، أو سرّية، وكيف تكون دولة الحزب الواحد، والواقع الطبقي في المجتمع لم يتغيّر وشكل الاقتصاد مازال اقتصادا مختلطا فيه القطاع العام، والخاص، والمشترك، فكما أن وسائل الإنتاج مختلطة بين الأشكال القديمة كالمحراث الذي يجرّ بالدواب إلى جانب أشكال إنتاجية أرقى تعتمد على الآلات فردية، وجماعية، وبوجود قانون السوق المعروف في المفهوم الرأسمالي، وما هو الدور الاجتماعي للدوله هل هي دولة الكادحين وتدفع الرواتب، والأجور، وتقدّم نفقات التعليم، والصحة، والخدمات الأخرى. أم هي دولة جميع فئات الشعب، وتلتزم بتوزيع الدخل القومي بعدالة بين الجميع .؟ 
وكانت الدولة تطرح العلمانية شعاراً، وتمارس تدريس الدين في المدارس، والمساجد واقعاً، ولم يتم الفصل بين الدين، والدولة، وإبعاد الدين عن السياسة حيث لكل مواطن حرية العبادة، والمعتقد، وهذا حق من حقوق الإنسان لا جدال فيه.
ومرة أخرى وقعنا بعدم التمييز بين دور الحزب القائد، ودور أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وهل هي أحزاب تابعة يتخذها الحزب ديكوراً له، ودون فاعلية لها بين الجماهير، وما هو حجم الأحزاب الرجعية ودورها في المجتمع وتأثيراتها السلبية وخاصة الأحزاب الدينية المموله خارجياً والمدارة بوساطة قوى أجنبية.
ونجم عن ذلك تساؤل كبير هل الحزب هو حزب الدولة، أم أن الدولة هي دولة الحزب ؟ ونظراً لضخامة دور الدولة بعد ظهور المشاريع الضخمة وملكية القطاع العام لها كالبترول، والسدود، ومحطات الكهرباء، والمصانع مما أضعف دور القطاعات الأخرى، وأدى إلى خلل في هيكل الاقتصاد وبالنظر للظروف الخاصة للقطر السوري باعتباره قطر مواجهة وجبهة صمود في وجه الاحتلال الاسرائيلي زادت قوة الجيش الوطني العقائدي، وتشعّبت مهامه في حماية الوطن وإعماره، وأصبح مدرسة عريقة للتقاليد إلى جانب مؤسسة أمنية مهنية قادرة على الرصد، والمتابعة مما جعلها مادة للإعلام المضاد، وأعداء الوطن ونحن لا ندافع عن الأخطاء بل هي الحقيقة كما تتجلّى الآن في صمود هذه المنظومة الجيش، والشعب، والأمن، في وجه أكبر معركة في التاريخ بعد الحرب العالمية الثانية، بل هي الحرب العالمية الثالثة تجري في سورية وعلى سورية بين التقدّم من جهة، وبين الجهل والتخلف من جهة أخرى.
ونتيجة هذا المصطلح والخلط في المفاهيم ظهرت البيروقراطية والفساد ورأسمالية الدولة وانعدم التثقيف الحزبي، والشعبي، وضعف دور الإعلام التقليدي الذي كان سطحياً لا يتماشى مع التطورات الحديثة في الأداء، والكادر، والفكرة، والتطور التقني، ودراسة سلوك الجماهير، وطريقة التعامل مع الأحداث. وهذه عينة من المصطلحات وليست كل المصطلحات.
وبعد هذه المقدمة وسلفاً أقول لا مجال للفانتازيا الفكرية في هذه المرحلة، ويجب أن يكون شعار كل مواطن شريف داخل القطر السوري، أو خارجه، هو الوقوف مع الجيش العربي السوري ضد أعدائه، ومع الوطن كرمز للتسامح ، والأخوة، والعيش المشترك، وتعزيز الرابطة الوطنية، والقومية، في مواجهة دعاة الطائفية، والتبعية، والتجزئة، لامجال الآن لأي خلاف جانبي، أو هامشي، إلا اذا كان في سبيل الوطن وتحقيق الانتصار.
وأقول أن قدر السوريين منذ الأزل أن يكونوا أحراراً في الموقف وأسياداً في الموقع، وسيذكر لهم التاريخ أنهم كانوا أهلاً للأمانة، وأقصد بذلك الموقف الوطني القومي العروبي الإنساني التسامحي لأن سورية مهد الحضارات، وموطن الرسالات وهي الأمينة، والمؤتمنة على ذلك على الأقل منذ ولادة المسيح، وحتى الآن.
وأقصد بالموقع سورية بلاد الشام قلب العروبة، وتاج الشرق القديم، وحارسة الشرق الحديث، سورية المقاومة، والشعب المقاوم، وسينصف التاريخ قريباً سورية، والسوريين. وأعود لأذكر الأخ عبد اللطيف عمران بالحكاية التالية عندما ذهب السادات للقدس شنَّ حملة شعواء على العرب، واتهمهم بالتقصير نحو مصر، سيما دول البترول. واعتبر أن المصريين سيعيشون بعد الآن في النعيم بلا حروب، وبلا قرف على حدّ قوله.
وبعد فترة ظهرت الحقيقة، وثار شعب مصر ضده فاتهم الفقراء، والمتظاهرين بالحرامية، وسجن رجال الفكر من جميع الاتجاهات، وفي طليعتهم الأستاذ الصديق الراحل محمد حسنين هيكل، ولم يخرجوا من السجن إلا بعد مصرع السادات. و بعد تخلي مصر عن القومية العربية ماذا حصل ؟!.
الوضع الاقتصادي في أسوأ الأحوال، والإرهاب يضرب الجيش المصري في سيناء، وإسرائيل تحرّض دول حول النيل للتأثير على حصّة مصر في مياه النيل، والخروج على الإتفاقيات المعقودة منذ خمسينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى تهديد الأمن القومي المصري على الحدود مع ليبيا، وافتعال الخلافات مع السودان في قضية حلايب وليس بخافٍ الموقف المصري مما يجري في سورية والإنسياق المصري في المخطط الغربي الخليجي، وأعود للموضوع إذا كان الهجوم الصهيوني ـ الأطلسي ـ الأمريكي ـ الرجعي يمارس الحرب علينا هل نواجهه بالإنكفاء إلى الداخل لنناقش ما هو الحزبي وما هو الوطني وما هوالقومي وهل قمنا في يوم من الأيام في تصدير الثورة و هل اخترنا غير مقاومة الاحتلال الصهيوني و تحرير فلسطين طريقا آخر ؟

إقرأ أيضا:

العمل الحزبي الوطني والقومي: د. عبد  اللطيف عمران  جريدة البعث  27/7/2016

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...