الكويت: الإسلاميون يأكلون العنب في ظلّ توتر مذهبي متصاعد

10-05-2012

الكويت: الإسلاميون يأكلون العنب في ظلّ توتر مذهبي متصاعد

يُفاخر ممثل كتلة "التنمية والإصلاح" في مجلس الأمة الكويتي محمد دلال بأن "الإخوان المسلمين" قد "أنجزوا" في فترة وجيزة ما يقارب الـ 1200 نشاط ومقترح نشاط وطلبات استجواب ومشاريع قوانين. يرفض أي محاولة لتقييم التجربة الإسلامية في البرلمان بعد ثلاثة أشهر فقط من انطلاقتها، مصراً على أن المجلس يواجه حملة سلبية من أطراف يصعب إرضاؤها، "فإذا لجأنا إلى طلب الاستجواب للمحاسبة يتهموننا بالتعظيم وإذا طلبنا لجانا للتحقيق يعيّروننا بالتساهل"، يقول دلال . نواب سنة وشيعة يتعاركون في مجلس الامة العام الماضي، إثر خلاف حول كيفيةالتعامل مع معتقلي غوانتانامو.
منذ وصولهم في بداية شباط، لم يكتف الإسلاميون بإثارة الملفات الساخنة فحسب، أصروا على مسألة تعديل الدستور وسط موجة من ردود الفعل الرافضة لهذا الطرح. حجتهم، وفق دلال، أن "الدستور يحمل في نصه إمكانية تعديله، وكيف لا إن كان يعود إلى وقت كان عدد سكان الكويت 250 ألفاً فقط". ثم ذهبوا، كونهم أغلبية برلمانية، إلى العمل على إقرار بعض القوانين المثيرة للجدل كان أبرزها الأخير القاضي بإعدام من يمس الرسول ونساءه.
وطرح واقع تمدّد النفوذ الإسلامي في السلطة إشكاليات عديدة ترتبط بشكل أساسي بحجم التأثير الذي سيلعبه هؤلاء في ظلّ تمدّد ينبئ بتخطي (أو أنه قد تخطى فعلاً) حدود البرلمان، ووسط مؤشرات تشي بتوتر طائفي ومذهبي متصاعد بات يهدّد المجتمع الكويتي.
بداية، وقبل التوغل في محاولة رصد التجربة الإسلامية في الكويت، لا بدّ من إضاءة مقتضبة على خريطة القوى داخل البرلمان حيث يحجز "الإخوان المسلمون" لأنفسهم 5 مقاعد والسلفيون التقليديون 5 أيضاً، في حين أن الإسلاميين المستقلين، وغالبيتهم قبليون، يشغلون 12 مقعداً. أما الشيعة فلديهم 7 مقاعد، فيما يشغل الليبراليون مقعدين فقط في غياب تام للعنصر النسائي.
وكمقدمة ضرورية كذلك ينبغي الانتباه إلى أن ليس كل الإسلاميين في خانة واحدة. ويوضح في هذا الصدد ما قاله أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت والمعارض "العتيق" شملان العيسى عن أن "القبليين اليوم في خندق الإسلاميين ولكن وفق مصالحهم الخاصة، فهم ليسوا إسلاميين في الصميم.. وكذلك الشيعة في جبهة أخرى.. ولكن تجمعهم أجندة معارضة الحكومة وتحقيق مكاسب جماهيرية"، مضيفاً "الأغلبية غير متفقة على شيء سوى أسلمة القوانين". وإمعاناً في التدليل يروي العيسى قصة أخيه خالد سلطان العيسى الذي تخرّج من أميركا وعاد إلى الكويت برفقة زوجته الأميركية ليتحول "فجأة" إلى سلفي كويتي ويصبح نائباً في مجلس الأمة.
إسلاميو الكويت و"مفتاح الجنة"
قد تقدّم رواية سلطان الأخيرة مثالاً بسيطاً على آلية عمل الإسلاميين داخل الكويت، والتي تشبه إلى حدّ بعيد النهج الذي يعتمده الإسلاميون على امتداد العالم العربي: الدين سلاح لا يُقهر.. من يرفضه كافر ومن ينادي به قابض حكماً على "مفتاح الجنة".
عند وصولهم إلى السلطة كان أول ما طلبه الإسلاميون وزارة التربية في سياق خطة قضت بتعديل المناهج المدرسية بشكل شامل، كما أسسوا أكثر من 135 مؤسسة دينية (سياسية) عملت على تجميع الأموال لأجل "الأعمال الخيرية" مستفيدين من الوفرة النفطية في البلاد لجمع مئات الملايين. الأموال التي حاز عليها هؤلاء لم تخضع لرقابة الحكومة، كان هناك أدلة على حجمها من دون وجود إثبات بشأن آليات صرفها، وذلك بحجة "السريّة" و"عدم فضح أسرار العائلات المحتاجة". أما "بيت الزكاة"، وهو المؤسسة الحكومية الوحيدة في هذا المجال، فيُدار من قبل جمعية "الإخوان المسلمين" كذلك.
ما سبق يجيب على سؤال ما إذا كان لدى الإسلاميين اكتفاء ذاتي أم يحتاجون لمعين خارجي من أجل الصمود، بما يحمله ذلك من فرض لأجندات خارجية. يُضاف إلى العنصر المالي الآنف الذكر العديد من عوامل القوة التي يقبض عليها إسلاميو الكويت. أهم هذه العناصر هو دعم النظام لهم. وفي هذا الدعم "خصوصية كويتية" تفرضها طبيعة النظام الذي لا يملك حزباً لتمرير قوانينه أو متطلباته في مجلس الأمة، الأمر الذي جعله يستفيد من "تمثيل إخواني" له. إضافة إلى ذلك، فإن هناك علاقة متينة بين الطرفين، بدأت منذ استخدم النظام "الإخوان" لمواجهة القوميين، وقد تغلغل هؤلاء في كافة المفاصل الحكومية والخاصة بشكل بات من الصعب التخلص منهم ولو أراد النظام ذلك. وضمن عوامل القوة يبرز كذلك العامل الخارجي، وما يُحكى عن دعم سعودي للحركات السلفية على غرار ما يحصل في العالم العربي.
شيعة الكويت.. والحرب المذهبية
الشيعة هم جزء متأصل من نسيج المجتمع الكويتي، ويمثلون حوالي ثلث المجتمع الكويتي. يشاركون في الحياة السياسية بشكل فاعل كما أن لهم وجودا نافذا في الحقل الاقتصادي وحقوقهم الدينية في الأغلب مصانة.. وكما السنة استفاد الشيعة من توزيع الثروة النفطية، ونجحوا في احتلال مكانة اقتصادية متميّزة، حيث تعد بعض العائلات الشيعية كالوزان وبهبهاني ودشتي من كبار التجار. كما أنهم حصلوا على تراخيص لفتح مساجد وحسينيات، وخرجوا في الموكب الحسيني الأول لهم في العام 2006. إلا أن التوترات الطائفية التي ازدادت بين الشيعة والسنة بتأثير تداعيات حرب العراق اكتسبت زخماً إضافياً خلال السنة الأخيرة، لا سيما بعد اندلاع أزمتي البحرين وسوريا.
وفي عودة بسيطة إلى تاريخ العلاقات بين الشيعة والسنة في الكويت، يظهر أنه في الثمانينيات نما توتر بين الطرفين بسبب نجاح الثورة الإسلامية في إيران العام 1979، والتمييز الذي مارسته الحكومة الكويتية ضد الشيعة، جرّاء توجسها من إمكانية انتقال تأثير الثورة الإيرانية إلى الداخل.
وقد عزز موقف الحكومة الكويتية المؤيد والداعم للعراق في حربه ضد إيران، مشاعر التمايز الطائفي لدى الشيعة، إلا أن موقفهم الرافض للغزو العراقي كان بداية لمرحلة جديدة من الاندماج الوطني.
ثم أتى غزو العراق ليعيد التوتر إلى العلاقة، وقد رافق ذلك مطالب ساهمت في زيادة هذا التوتر كالمطالبة بجعل يوم عاشوراء إجازة رسمية في البلاد، وإدخال المذهب الجعفري في المدارس وغيرها..أما التوتر الأكبر فهو ما تشهده البلاد حالياً جراء الانقسام على قضايا داخلية وإقليمية وإن كان المسؤولون والإسلاميون يطمئنون إلى علاقة تعاون واحترام متبادل.
وعلى الرغم من أن الكويت تفادت إلى حد كبير العنف الطائفي الذي يندلع في دول أخرى في المنطقة، فان الحكومة تضع في اعتبارها دائما احتمال تأجج التوتر بين السنة والشيعة. وفي العام 2010 تم سحب الجنسية من رجل دين شيعي اتهم بالإساءة للمذهب السني. وفي وقت سابق من العام الحالي علقت الكويت صدور صحيفة "الدار" الخاصة بحجة التحريض على الصراع الطائفي.
إلى ذلك، أثار قانون إعدام من يسيء للنبي التوتر الطائفي حيث رفض النواب الشيعة التصويت لإقراره، وطالبوا بإضافة شتم الأئمة الـ12 إلى التجاوزات التي تشملها عقوبة الإعدام في التعديلات القانونية، إلا أن الطلب رفض من قبل الغالبية الإسلامية السنية.
وتعقدت الأمور أكثر مع تأزم الأحداث في سوريا والبحرين والمنطقة الشرقية في السعودية وإيران، ويصف شملان العيسى الوضع بأن "أزمتي البحرين وإيران قد شلّعتا المجتمع الكويتي".
...وليبراليو الكويت؟
تفتقر الكويت اليوم إلى جسم حزبي يمثل غير المتدينين، والسبب الأساسي يقع على عاتق الحكومة التي تتجنب قيام تجمع مماثل، وقد لجأت في وقت سابق إلى حلّ الجسم الليبرالي على حساب الإسلامي.. ويتحدث المعارضون في البلاد عن أعداد كبيرة من الليبراليين في الشارع الكويتي، لكنهم يصفونها بالصامتة التي لا تمتلك من يعبر عنها.
وفي هذا السياق يشير أحد هؤلاء إلى أنه يجري حالياً العمل على إعداد كشوف بآلاف الأسماء من الليبراليين لإرسالها إلى الأمير، بنية إظهار أن هذا العدد الكبير لم يعد يحتمل غياب التمثيل.

هيفاء زعيتر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...