العملية البرية والخيارات الصعبة

01-01-2009

العملية البرية والخيارات الصعبة

أظهرت السجالات التي دارت في اليومين الأخيرين في القيادة الإسرائيلية أن العملية البرية في قطاع غزة ليست نزهـة. وكانت إسرائيل تأمل أن تحقق الضربة الجوية هدفها الأساس وتدفع حركة حماس وفصائل المقاومة إلى القبول بالاشتراطات الإسرائيلية التي تفصل الصواريخ عن الحصار والمعابر. ولكن ما أن تبين أن هذا الهدف لم يتحقق واستمرت الصواريخ بالتساقط على إسرائيل حتى صار الحديث عن العملية البرية نوعاً من القدرية.
فالجيش الإسرائيلي يشـعر أن وقف النار الآن ومن دون وقف الصواريخ يجــبره على تنــفيذ عملية برية. والخلاف حــول هذه العمــلية قائم في المستوى العسكري بشكل لا يقل عنه في المستوى السياسي. ولا يعود هذا الخلاف فقط للثمن الذي يمكن لإســرائيل أن تدفعــه وإنما كذلك للفائدة المرجوة. فالكثيرون في إسرائيل يؤكـدون أنه لـيس بوسـع عملـية بريــة أن تقضي على خطر الصواريخ نهائياً وإنما تقلصها فقط.
وهكذا فإن وزير الدفاع إيهود باراك حــاول التشبث بالمبادرة الفرنسية كوسيلة للتــخلص من مخاطر العملية البـرية أو من أجل توفيــر أقصى الجهد لإنجاحها. وبحسب عاموس هارئيل في »هآرتس« فإن »توصية باراك جاءت على خلفية التأخير في بدء الحملة البرية في القطاع. فالقوات تحتشد منذ يومين، في ظروف طقس قاسية على مقربة من القطاع وتتلقى قذائف الهاون. وتحت غطاء المطر، تواصل حماس إطلاق الصواريخ. قتلى إضافيون في الجبهة الداخلية من شأنه ان يثير ضغطاً جماهيرياً على الحكومة للبدء بهجوم بري، قبل ان نستنفد الفرصة بإنهاء الحرب«.
ويضيف أن باراك يأخذ بالحسبان إمكانية أن تصل الامور الى حد خطوة برية ولكــنه على علم ايضاً بالثمن: »خسائر غير قليــلة والتــخوف من أن يعلق الجيش على مدى اشــهر داخل القطاع دون ابتلاع او لفظ«. وقد تبدى جــليا أن في الجيش الإسرائيلي من لا يريدون العــملية البرية. وهذا ما أشار إليه بن كسبيت عندما كتب يوم أمس في »معاريف« أن التردد بدا ليس فقط بين القادة السياسيين وإنما أيضا في القيادة العسكرية.
غير أن في الجيش الإسرائيلي من يسعى في الأسابيع الأخيرة إلى تحطيم الشعور الشائع بأن الجيش يخشى العمليات البرية. ويطالب هؤلاء بقوة بتنفيذ العملية البرية التي تحقق هدف السيطرة الميدانية التي توفر القدرة على منع إطلاق صواريخ. ومع ذلك فإن المخاوف تتعاظم وهو ما تجلى في اضطرار قيادة الجيش للمطالبة حتى الآن بتجنيد احتياطيين. وكان التجنيد الأول لحوالى سبعة آلاف جندي والثاني لـ٢٥٠٠ ويزيد.
وتحاول وسائل الإعلام الإسرائيلية التأكيد بأن العملية البرية صارت حتمية وأن السؤال هو متى وبأي صورة. فالضربات الجوية استنفدت أغراضها ولم تعد هناك أهداف كبيرة أخرى غير عمليات »اصطياد« خلايا إطلاق الصواريخ. وعدا ذلك فإن الطائرات تعود مرة تلو مرة لقصف الأهداف ذاتها.
غير أن الحديث عن العملية البرية صار فعلياً حديثاً عن عمليات برية محدودة مكانياً وزمانياً. فإسرائيل لا تريد الغرق في أوحال القطاع ولا تريد العودة لاحتلاله. وبحسب هذا المنطق فإن العملية البرية التي يجري الحديث عنها تغدو عملية ترمي إلى خلق ظروف أفضل لتحقيق الهدف الإسرائيلي للتهدئة بتفاهم سياسي أو كأمر واقع. ويكثر القادة العسكريون من الحديث حاليا عن أن هدف العمليات هو إجبار حماس على القبول بفرض الهدوء على الحدود وليس أكثر من ذلك.
ومع ذلك فإن المراسل السياسي لـ»هآرتس« ألوف بن أشار إلى ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تتعاطى معها إسرائيل. وأول هذه السيناريوهات خلق نظام جديد في القطاع، وتسقط حماس وتسلم القطاع من جديد الى سلطة ابي مازن الفلسطينية- مباشرة او بوساطة قوة دولية او عربية عامة. وكتب أنه لا توجد شخصية اسرائيلية تناصر هذا التوجه، لكن بنيامين نتنياهو يلمح اليه بحديثه عن »إسقاط نظام حماس في الأمد البعيد«. أما السيناريو الثاني فهو ميزان رعب. بعد اظهار القوة ستراجع اسرائيل هدنة متوترة ومسلحة ازاء حماس التي اذلت وهي تحتفظ بالسيطرة على الغذاء والوقود في غزة كأداة ضغط اقتصادي. هذا هو توجه وزير الدفاع الذي يؤيد القوة والردع. يمكن ان نراه صيغة محسنة من الهدنة مع حزب الله في الشمال. أمّا السيناريو الثالث، فهو إتمام الانفصال. تتوصل اسرائيل مرة اخرى الى هدنة مع حماس وتعلن ازالة مسؤوليتها عن غزة وإغلاق المعابر في نهاية فترة انتقال وإعادة تنظيم، يعد القطاع فيها لاستقبال مدد وموارد ضرورية من طريق مصر والبحر بمساعدة دولية. وهكذا يستكمل آخر الامر انفصال اريئيل شارون.

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...