اللغة التي انتحرت على شفاه المذيعات

12-08-2010

اللغة التي انتحرت على شفاه المذيعات

الجمل- ميساء آق بيق: فيصل القاسم يسأل في برنامجه الاتجاه المعاكس عن السبب وراء وجود ألف محطة فضائية عربية، وأنا أحمد الله أن المال لا يجري في أيدي 300 مليون عربي وإلا لوجدنا 300 مليون محطة تزحم الفضاء، إذ إن السمة الرئيسية فينا نحن العرب أننا انفراديون وكل شخص معجب برأيه وعقله وأسلوبه في الحياة، لا نعرف معنى العمل الجماعي أو الاتفاق على كلمة وربما تتركز أكثر مصائبنا في هذه الصفة. نظرة واحدة على الأوضاع في جميع البلاد العربية تعطينا الصورة واضحة، لا اتفاق على سلطة أو على حكومة أو على وزارة أو على مؤسسة أو حتى على معارضة إن وجدت، والأطراف التي تسمي نفسها معارضة تعتلي منبر الاحتجاج من دون حلول، ولا تأخذ منحى المعارضة البناءة بالترافق مع عمل إيجابي إلى جانب الحكومة لمصلحة الشعب والبلاد. هل يستطيع أحد أن يذكر لي برنامج معارضة واضحاً يستند إليه المواطن في حال إجراء انتخابات حرة؟ يا لها من مهزلة!
* * *
كنت أعتقد أن اللغة العربية انتحرت على شفاه مذيعات المنوعات وأقنعت نفسي بعدم ضرورة التحدث بلغة فصحى في برامج التلفزيون الخفيفة. غير أن ذبح اللغة العربية بات على ألسنة المحسوبين على الصحفيين ممن يقرأون الأخبار بالصوت والصورة أو بالصوت فقط. كان لدي قناعة بأن سوريا هي قلعة اللغة العربية الحصينة، فعدم اجتياز مادة اللغة العربية في أي عام دراسي كاف وحده ليجعل الطالب يعيد السنة كلها، ثم شاءت الأقدار أن أذهب في مهمة إلى دمشق لتدريب بعض خريجي كلية الإعلام على العمل في الأخبار التلفزيونية وفجعت بأخطائهم النحوية القاتلة. تمنيت لو أن أي مسؤول توظيف في أقسام الأخبار في أجهزة الإعلام يشترط دورة لغة عربية مكثفة على السيرة الذاتية لأي متقدم بطلب توظيف، وتمنيت لو أن أحداً يبتكر خطة جذابة لتعليم قواعد اللغة العربية في المدارس بعيدا عن الجمود والرتابة والملل الذين يسيطرون على مناهج تعليم اللغة العربية في المدارس، تمنيت لو أعلم لماذا يزدهر التعليم في المدارس الأجنبية الخاصة ويتدهور إلى الحضيض في المدارس الحكومية العربية، واستهجنت أن تكون مهنة التدريس في بلادنا العربية في آخر سلم الوظائف المحترمة وهي الأقل عائدا ماديا، وشعرت أننا في المجتمع العربي نحتاج إلى ثورة وانقلاب في أنظمة التعليم، وأعتذر عن استخدام كلمتي الثورة والانقلاب اللتين يعتبر ذكرهما كفراً.. !
* * *
عندما يترك أي أميركي منصبه الحكومي تبدأ لغته تجاه العرب بالتغير لأنه لم يعد في مركز صناعة القرار، هذا ما يحدث مع بريطانيا التي يهاجم رئيس وزرائها حصار غزة ويصف القطاع بأنه سجن مكشوف. بريطانيا لم تعد في خانة صناعة القرار الدولي، منذ مدة وهي تعكس ظلا ملازما لسياسات الولايات المتحدة الأميركية لا تستطيع الخروج من عباءته، وهي في وضع اقتصادي تحتاج فيه إلى كل جنيه يدخل خزينتها من أي سائح أو مستثمر، كما أنها لم تعد لديها قوة الضغط الكافية لتجعل الحكومة الإسرائيلية تغير من مواقفها أو تخفف من تطرفها، أما اعتراض إسرائيل على تصريحات ديفيد كاميرون فيصب في خانة التابوهات التي تعودت الدولة العبرية على سجن الغرب داخلها، ولا يختلف هذا الاعتراض عن ذلك الذي تصاعد على كلام المخرج الأميركي أوليفر ستون عندما قال إن الأذى الذي سببته ألمانيا النازية للروس كان أكبر من ذلك الذي سببته لليهود، وإن الاستمرار في اجترار قصة المحرقة سببه سيطرة اليهود على أجهزة الإعلام.. إنها الديمقراطية الإسرائيلية!!
* * *
اتخذت لفترة طويلة موقف الرفض لأي مفاوضات عبثية مع إسرائيل التي لا تجد مصلحتها ولا بقاءها ولا مستقبلها في السلام. ولكني أتوقف هذه الأيام عند التطورات الأخيرة وأجد نفسي أغير توجهي، أود أن أطرح سؤالا غير بريء، على ماذا يستند العرب عندما يرفضون المفاوضات؟ إسرائيل تضم أراض وهم تتناقص أراضيهم، إسرائيل توسع مستوطناتها وهم تتضاءل صلاحياتهم. هي تهدم قرى وبيوتا والعرب يهدمون كل ما يساعدهم على البناء، إسرائيل تزيد في ترسانتها العسكرية وتجري مناورات حربية ماذا يفعل العرب بأسلحتهم؟ هي تعتمد على التأييد الدولي لها فالعالم كله يدور في فلكها والعرب ينتظرون أن يخرج أحد من الأدراج قرارات دولية تراكم عليها الغبار، الذكرى تعود إلى عام 47 عندما رفض العرب قرار التقسيم وهم لا حول لهم ولا قوة فكان أن اعترفت روسيا والولايات المتحدة بقيام دولة إسرائيل في الدقائق الخمس الأولى لإعلان هذا الكيان، ويبدو أن أميركا تضغط على إسرائيل كي تتفاوض والأخيرة تضغط على بعض العرب كي يرفضوا التفاوض، واعجباه!!

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...