شعراء الفايس بوك

22-06-2010

شعراء الفايس بوك

هل يعلّم الفايس بوك الشعر؟
قد يكون السؤال مفاجئاً، والإجابة صعبة، لكننا نستطيع أن نواجه السؤال بسؤال آخر: لماذا يكتب رواد الفايس بوك كل هذا الشعر؟
لم تكن الرسائل في زمن مضى تعلّم الشعر، ثم لم تكن لتحفز عليه. كانت ترتقي قليلاً عن المستوى العادي، وكان البعض يعتمدون على الكتَبَة، لكن الكل يدخل اليوم في ميدان الرسائل، الكل يُظهر كل ما عنده من مهارات، إن في «الهضمنة»، أو في المعارف، أو في اللياقات الاجتماعية، أو حتى في المهارات الكتابية. وإذا كانت كتابة الرسائل، من قَبْل، موسمية، فإن رسائل الفايس بوك عند كثيرين باتت حاجة يومية، ومَنْ لم يكاتب أحداً معرّض لـ«تحرشات» تجبره على الرد، وبالتالي سَطْرِ عبارات مشغولة، أو تلقائية لا فرق، فهي في الحالتين تؤسس وتبني لغة تنمو وتتطور يوماً بعد يوم.
ما هو واضح أن من لا يستطيع تأليف الشعر بأية حال، يستطيع الاستعارة من الشعراء، فيبحث عن شعر ملائم للمعنى الذي يريده لدى شعراء يعرفهم أو شعراء المنتدى، أعني منتدى اللغة العربية وآدابها الحاضر في الفايس بوك ليكون أيضاً مادة تفاعل، يغرف منه من يشاء، ويضيف إليه من يشاء. وهو يقيم تراكمه الخاص والسريع، وإن غلبت عليه سمة عامة، تفرض سيادة شعر أقرب إلى الشعبي مرة، أو متضمناً لغة سهلة مفهومة مرة أخرى. فمن يدخل هذا المنتدى يرتفع أمامه كرسي نزار قباني فوق الجميع، لسببين بالطبع، الغزل الضروري للعلاقات الشبابية، ثم السهولة التي تناسب الجميع، يأتي بعده شعر أحمد مطر وأحمد فؤاد نجم ومظفر النواب لأسباب تتعلق بالخطاب السياسي. على أن المنتدى يحمل الروحية نفسها التي تتحلى بها صفحات رواد الفايس بوك.
المهم أن المنتديات هي البحر الذي يغوص فيه طلبة الشعر ليتمرسوا بالسباحة، وكذلك كانت الحال في المنتديات الأدبية غير الافتراضية، التي كانت شائعة في تاريخ العرب، قبل الراديو والتلفاز، وبعد كل منهما، وقد سبقت وصول الإنترنت. تلك المنتديات التي كان يتفاعل فيها الشعراء مع طلبة الشعر وهواته، فينبت في حقولها شعراء جدد.
هل حقول الإنترنت، وحقل الفايس بوك الواسع بالذات، الذي يضج بكل هذه الرسائل الملونة بالشعر، يمكن أن يزيد من عدد الشعراء، أو يضع العديد من الهواة على سكة الشعر؟
سؤال قد تكون الإجابة عنه مبكرة، لكنه يعطينا إشارات الإبحار نحو هذه الغاية. صحيح أن اللغات الأجنبية، لا سيما الانكليزية تغطي مساحات واسعة من الدردشة التي نراها، حتى بين العرب أنفسهم، وتلك ظاهرة لافتة للمتتبع، لكن الدردشة الأجنبية أيضاً تميل نحو «لوثة» الشعر.
ليس السؤال غريباً، فما يقرأه رواد الفايس بوك يومياً من شعر، أو ما يكتبونه من عبارات تدنو من الشعر، بشكل يومي، ثم الاحتكاك الدائم بين مجموعات متحركة من الصداقات، تتسع بشكل مطّرد، لتؤسس تراكماً مؤثراً في من يريد ارتقاء سلم الشعر.

أحمد بزون

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...