الداية من الحاجة إلى الأفول

09-05-2010

الداية من الحاجة إلى الأفول

الداية الحلبية استقالت بعد أن هرمت!!

تضاءلت أعداد المتقدمات إلى امتحان مزاولة مهنة القبالة في حلب حتى كادت تنعدم مع ازدياد أعداد الممرضات اللواتي يزاولن المهنة إلى جانب الطبيبات اختصاصيات التوليد وأمراض النساء في الوقت الذي هرمت فيه القابلات التقليديات وابتعدن عن ممارسة التوليد.
ومع تطور الحياة العصرية لم تعد الكثير من العائلات تثق بمهنة القبالة التقليدية في ظل لجوء بعض النساء إلى وضع حملهن تحت تأثير المخدر وبلا ألم وانقرضت ظاهرة «أم» أولاد الحي وهي القابلة القانونية التي توكل إليها جميع الولادات قبل ذيوع علوم طب التوليد العصرية.
«لا يمكن أن ألجأ حتى إلى ممرضة اختصاصية بالتوليد في الوقت الحالي حرصاً على حياة زوجي والأولاد، ولذلك أستعين بأحد مشافي التوليد للقيام بالعملية وبأجر لا يتعدى 4 آلاف ليرة سورية لا تستحق المجازفة بالعملية واللجوء إلى قابلة قانونية تزاول المهنة من طريق الممارسة»، كما يقول مازن الموظف الأب لثلاثة أولاد والموظف لدى القطاع الخاص.
ويرى أحمد اليحيى (موظف حكومي) أن مشافي التوليد العامة خير وسيلة لتحقيق الغرض بدل اللجوء إلى القابلات أو غيرهن: «على الرغم من منغصات الولادة في المشفى الحكومي مثل عدم قبول الحامل ما لم تكن في حالة الولادة إلا أنني مطمئن لولادة زوجتي فيها بتوافر الخبرات الكافية لذلك».
واشتهرت في حلب عائلات اختصت بقابلاتها مثل عائلة الداية التي حملت اللقب لوجود العديد من النساء اللواتي يمارسن مهنة القبالة في العديد من أحياء حلب. وعادة ما تزوال القابلات اختصاص التوليد في الأحياء الشعبية ولا تزال القابلات كبيرات السن يزاولن المهن في أحياء السكري والصالحين والأنصاري الشرقي.
ومعروف عن القابلات خبرتهن بأمراض الأنف والأذن والحنجرة ومعالجة التهاب اللوزات المتضخمة عبر الضغط عليها عدا القيام بأعمال جراحية بسيطة مثل قطع اللهاة عبر سكين خاصة بذلك عند إعاقتها لعملية بلع الطعام، ويلجأ أبناء الأحياء الشعبية إليهن عند ارتفاع درجات حرارة الأطفال لتشخيص المرض ووصف العلاج له.
وللدلالة على مكانة الداية أطلقت أمثال كثيرة بحقها مثل «ابن الداية مدلل» كدليل على حظوتها الاجتماعية حيث تقدم لها النذور ويسكب لها الطعام وتعطى الصدقات والزكاة وتدعى إلى الولائم والأفراح وخصوصاً أعراس الشباب- الأطفال الذين كانت سبباً في ولادتهم.

خالد زنكلو   

  لا وجود للدايات في اللاذقية
أخذت القابلات القانونيات في محافظة اللاذقية سابقاً حظوة كبيرة من اهتمامات النساء الحوامل اللاتي كن يعتمدن الولادة على أيدي قابلات قانونيات وكان يترافق عمل القابلات هذا في المدينة بعمل الدايات في ريف المحافظة لبعدها عن مركز المدينة حيث كان يتركز وجود القابلات سابقاً في المدينة وبعدد محدود لا يغني عن وجود الداية وكثيرة هي الحالات التي كانت تخسر فيها الحامل حياتها وجنينها معاً نتيجة لخطأ بعمل الداية أو حدوث اختلاطات أثناء الولادة تقف الداية أمامها مكتوفة اليدين عاجزة لعدم معرفتها سوى بالحدود الدنيا من أمور الولادة وبطرق يدوية. وكان عمل القابلة في المدينة يستحوذ على وقتها الدائم بليلها ونهارها لوجود قلة محدودة جداً من القابلات لا تلبي حاجة الحوامل للإشراف والمتابعة والولادة ورغم أن الاعتماد على القابلات كان يشكل حالة طمأنينة للحوامل إلا أن هذا الأمر لم يجنب البعض من حدوث اختلاطات تفقد الحامل جنينها أو تخسر حياتها ليس لجهل القابلة بل لضرورة وجود أجهزة تستوجب إنقاذ الحالة، ومع التطور العلمي ووجود المشافي العامة والخاصة والمراكز الصحية والأطباء الذين بات وجودهم بنسبة كبيرة في المدينة والريف التغى دور الداية تماماً وكذلك دور القابلات القانونيات حيث باتت المرأة ونتيجة العلم والوعي والحرص على صحتها وصحة جنينها تسعى جاهدة لمراقبة حملها منذ البداية وحتى الولادة على أيدي أطباء مختصين في المستوصفات والمشافي والعيادات، والخيار أمامها تحدده إمكاناتها المادية ومهما تدنت إمكاناتها تلك لا تلجأ أبداً للقابلة مهما كانت الأسباب سوى في حالات نادرة جداً لنساء لهن خصوصية معينة في حياتهن ما جعل دور القابلة ينحصر في مجال الرعاية الصحية، حيث أوضحت رئيسة الصحة الإنجابية في مركز الرعاية الصحية باللاذقية الدكتورة وفاء حلوم أن مديرية صحة اللاذقية تضم نحو 400 قابلة منهن 180 قابلة في المشافي العامة و214 قابلة في المراكز الصحية يتركز عملهن ضمن برنامج الصحة الإنجابية الذي يشمل عدة برامج: رعاية الحامل، تنظيم الأسرة، الكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم، المشورة الصحية والتثقيف الصحي الخاص بالصحة الإنجابية، رعاية ما قبل الزواج، نشر التوعية حول الأمراض المنقولة جنسياً ورعاية السيدة ومعالجة العقم، كما تخضع القابلات لدورات تأهيل مستمرة، وأفادت حلوم أن نسبة 95% من ولادات اللاذقية تتم في المشافي من قبل طبيب مختص مع قابلة يشرف عليها، بينما توجد نسبة 5% من الولادات تتم على أيدي قابلات قانونيات في المنازل.

نهى الشيخ سليمان

سوقهن رائجة للفقراء في حمص

ما زال سوق القابلات (الدايات) رائجة في بعض أحياء مدينة حمص وبلدان ومناطق المحافظة والأسباب تعود إلى قلة الموارد المادية لدى شرائح المجتمع المحلي فيها لكن يمكننا أن نجد في الجانب كثيراً من النسوة يقصدن المشافي لوضع مواليدهن نتيجة انتشار ثقافة صحية بعد إنشاء المراكز والمشافي المتخصصة والعامة لتغيب الدايات من التسلل إلى منازلهن اللواتي بدأن يشكون من قلة عملهن عن العقود الماضية لتظهر مكانهن القابلات خريجات المعاهد والطبيبات النسائيات المرتبطات بعقود مع أحد المشافي.
وأشار كثير من النسوة إلى أنهن يتوجهن للمشافي وقد اتبعن أساليب تمكنهن من توفير كلفة أجور الولادة باقتطاعهن من مصروف العائلة الشهري لتسديد التكاليف حيث تبلغ قيمة الولادة الطبيعية في أغلب المشافي بين 5-8 آلاف ليرة والعملية القيصرية 15 ألف ليرة وقد تصل إلى 20-25 ألف ليرة حسب نوعية الحالة وانتقاء جناح الإقامة والمستوى المادي للأسرة.
من جهتها إحدى الطبيبات النسائيات أكدت أن عمل الدايات والقابلات لا يمكن التفريق بينها رغم تخريج دفعات من القابلات يستندن إلى علم ومعرفة فهن يرتكبن أخطاء أثناء الولادة مشيرة إلى ما واجهها من حالات مهمة وخاصة إصابة سيدة ولدت على يد القابلة دون السؤال عن زمرة الدم وفي هذه الحالة يفترض إعطاؤها حقنة محددة لمنع انتقال الأضداد من الأم للجنين كي لا يؤدي إلى انحلال الدم ما عرض حمولها التالية إلى تشوهات وموت الأجنة.
على حين ترى القابلة إسعاف العياش أن كثيراً من الأحيان يتم الاعتماد عليهن في معظم الولادات وتولدت الرغبة لدى النسوة بوضع مواليدهن في المنازل وكثيراً ما يدعوهن إلى تركيب اللوالب واستدعيت إلى إحدى الحالات في قرية تابعة لتلكلخ وكانت الولادة قد تمت دون استخلاص المشيمة التي لم تخرج بشكل كامل من قبل الداية ورغم تأكيداتها على إرسالها إلى المشفى بأسرع وقت ممكن لكن ذوي المرأة واجهوها بالرفض الشديد رغبة منهم وبإلحاح في إجراء كامل الإسعافات داخل المنزل رغم وجود نزف كبير لديها وأمام إصرارهم لجأت إلى إسعافها بتدليك الرحم والضغط عليه مستخدمة قفازات معقمة واستطاعت إنقاذها وتزداد الولادات في المنازل لكن بعد مراقبتها لمدة ساعتين والتأكد من انقباض الرحم بشكل كامل. كما أردفت قائلة: لقد واجهتني ولادة صعبة لمولود بلغ وزنه ما يزيد على 5 كغ ووجدت صعوبة في إخراج جسمه بعد إمساك الرأس وكم كانت فرحتي كبيرة إثر انتهاء الولادة بعدم حدوث حالة انعضال كتفي ما يستدعي كسر عظمة الترقوة عند المولود.

 رفاه الدروبي 

طرطوس: الداية.. في الدراما فقط

لأكثر من جيل تطورت الحياة وازداد الوعي الصحي واختفت الداية من قرى ومدن طرطوس لذلك من الصعب علينا إبعاد الصورة النمطية «للداية» التي عممتها الدراما..
 ومن الصعب نسيان جملتها وهي داخلة إلى منزل المرأة الحامل «ردو المي ع النار» من الصعب نسيان ذلك لأن الكثير من الأسئلة التي تولد كان توأد في وقتها تحت حجج شتى أهمها طبعا الحياء والخجل ومن الطريف أن الكثير منا حتى الآن لا يعرفون مثلاً ما فائدة الماء الساخن في الولادة؟!! أثناء الإعداد لهذه المادة بحثت كثيراً عن أي «داية» متقاعدة لطرح بعض الأسئلة عليها وللأسف محاولاتي باءت كلها بالفشل.. إلى أن فوجئت بأن هناك داية لا تزال على قيد الحياة في إحدى قرى القدموس الجبلية البعيدة (حدادة) حافظت على لقب الجدة «تاتا» فضة أم محمود طوال عمرها المديد 85 سنة حدثتني عن مهنتها وحياتها قائلة: تزوجت وعمري 14 وأنا أم لعشرة أولاد رافقت أمي إلى الولادات وأنا طفلة وتعلمت منها.. كنت بالثلاثين عندما قمت بأول ولادة بمفردي.. وقمت بـ3 ولادات بيوم واحد.. وخلال حياتي قمت بـ150 حالة ولادة في قريتي حدادة وبدوقة..
أما عن الماء الفاتر فقالت: نحتاج للماء الفاتر والملح لغسل الأم والطفل بدل المعقمات الموجودة حالياً..
وحول أصعب اللحظات التي مرت خلال مسيرتها قالت: حصلت حالة وفاة واحدة عندما وصلت كانت الولادة شبه منتهية واستطعت إنقاذ الطفلة لكن الأم توفيت مع العلم أنها كانت ولادتها الثامنة.
وآخر ولادة قامت بها كانت منذ 5 سنوات لسيدة من قرية مجاورة حضرها الطلق والطريق مقطوع بسبب الثلج ذهبت سيراً على الأقدام مسافة 1.5كم وبقيت برفقة المرأة حتى الصباح وكانت على اتصال مع الطبيب النسائي في الصباح نقلوا المرأة بوساطة الجرار الزراعي مسافة 4كم ثم نقلت إلى أقرب مشفى وبقيت أم محمود معها حتى قامت بالسلامة مع العلم أن المرأة كانت بوضع حرج وكانت ثالث ولادة لها وولادتها السابقة كانت قيصرية وطفلها مقعد (الطبيب النسائي قال لها لو كنت أصغر سناً لعينتك مساعدتي).
وبالنسبة للأجور أيام زمان قالت: كانوا يدفعون لي 10-15ل.س أو هدية بهذه القيمة.. أما الفقراء فكانت الولادة دون أجر.. أما بالنسبة لدور أبو محمود فكان يقوم بإيصالها إلى المنازل إذا طلبوها بوقت متأخر ليلاً وينتظرها حتى تنهي عملها ليعيدها إلى المنزل وكان مسروراً بعملها لأكثر من سبب أولاً كانت تساعده في إعالة الأسرة وثانياً كان يعتبر عملها مهنة إنسانية.

 محمد حسين

الحكسة: الداية من الحاجة إلى الأفول

لعبت الداية أو الولادة (أو الصرارة كما تسمى) دوراً مهماً في حياة الحسكاويين وسدت فراغاً كبيراً وحلت مشكلة طبيعية إنسانية وهي بمثابة الأم للمرأة والجدة بالنسبة للمولود وذلك نظراً لأهمية عملها فكانت تمارس أعمالاً عديدة إضافية ومكملة فإلى جانب كونها تولد النساء فهي تشرف على أيام حملهن من الناحية الصحية وحتى على السلوك اليومي للمرأة الحامل لكي تصل إلى ولادة صحيحة ولها الفضل الكبير في إنجاب الكثير من رجال المحافظة الذين وصلوا إلى مراتب عليا في الحياة، وتعتبر الصرارة عملة نادرة فقليلات هن اللواتي يمارسن مثل هذا العمل لأنه يحتاج للخبرة والمهارة والجرأة وخفة اليد فتجد واحدة لعدد من القرى أو منطقة كبيرة وكانت تقوم بمهمة القابلة هذه الأيام.

كما أن للداية رأياً في تسمية المولود فهي التي تقرر اسم الطفل تماشياً مع وضع الإنجاب فإذا عسرت المرأة سمي صعباً وإذا كانت الولادة سهلة سمي المولود سهلاً أو سهيلة.
كما كان من عادات النساء في تلك الفترة الاحتفاظ بسرّة الولد بعد قطعها، فتجفف وتحفظ في مكان آمن، حتى إذا سنحت الفرصة بعد فترة عمدت والدته إلى رميها في السراي مثلاً، كي يصبح ابنها من الحكّام، أو رميها على باب ثكنة عسكرية أو مخفر شرطة، تفاؤلاً بأن يصبح ابنها من الضباط، وكان الحرص شديداً على عدم رمي السرّة مع نفايات الولادة خوفاً من أن تأكلها هرة أو كلب شارد، فيلحق الشؤم بالولد.
أما اليوم فقد تغير الوضع فتطور الحال إلى وجود القابلات القانونيات بالخبرة أو خريجات وزارة الصحة ثم تطور الوضع إلى الولادة في المشافي العامة أو الخاصة بعد الإشراف على الوضع الصحي للحامل من قبل أطباء اختصاصيين في الجراحة النسائية منذ بداية الحمل وهنا يبرز دور طبيبات النسائية حيث تفضل المجتمعات المحافظة الولادة بإشرافهن لعدم الإحراج سواء من المرأة الحامل أو حتى الزوج الذي غالباً ما يرتاح للطبيبة أكثر من الطبيب رغم أن معظم عيادات النسائية سواءً للأطباء أو الطبيبات مكتظة بالمرضى والمراجعين ما يدل على تطور الوعي الصحي لدى الناس.

عامر أحمد   

في السويداء.. أيامهن بدأت بالانحسار!!

خمس وعشرون ليرة وثلاث صابونات وفوطة سميكة وقليل من المونة، هي أجرة الداية التي ظلت إلى وقت قريب المعتمدة في قرى المحافظة، (على الرغم من وجود مشفى وطني بطاقم طبي كبير جله من الأطباء الاختصاصيين)، والتي كانت كالخادمة للطفل الصغير بوجود والدته وجداته، كنوع من الحسنة التي نذرت نفسها له، ويكاد هذا النوع من السيدات اللواتي دفعهن وضعهن الاجتماعي للعمل بهذه المهنة ينقرض مع دخول جيل جديد من القابلات القانونيات المعتمدات، وخريجات مدرسة التمريض في السويداء اللواتي سحبن البساط بشكل تدريجي من تحت هؤلاء حتى باتت ذكراهن من الماضي القريب. وانتعشت مهنة القابلات خلال فترة التسعينيات بشكل كبير مع بقاء الأطباء الاختصاصيين خارج التغطية بسبب إحجام النساء والرجال عن الذهاب إليهم نتيجة العيب والخجل. واقتصرت أسعار القابلات على 500 ليرة سورية في البداية مع بقائها لمدة أسبوع كامل تتردد على بيت الولادة، ومع الزمن تصاعدت أسعارهن بشكل مطرد ووصل الآن إلى ما يعادل ألفي ليرة مع بعض الهدايا، ومنهن من يرافق الولادة إلى المشفى الوطني للبقاء معها حتى موعد الولادة بناء على اتفاق مسبق للأجرة.
تقول القابلة القانونية ر–ن : إنها ترفض بشكل مطلق الذهاب إلى المنازل مهما كانت الحالة لأن المراكز الصحية والمشافي الوطنية تعج بالقابلات القانونيات والأطباء الاختصاصيين.

ضياء الصحناوي
 

(دايات) القنيطرة بالفطرة..!

لعل القارئ مرّت في ذاكرته صورة «الداية» أم زكي في مسلسل «باب الحارة» عندما كانت تهمّ على عجل إلى نساء الحارة عند المخاض مستعينةً بالماء الساخن والخرق النظيفة..
ورغم تطورات العصر ووصول الطب إلى درجة كبيرة من التقدم فإن بعض المهن التي كانت تتعامل بشكلٍ مباشر مع الإنسان، ومنها مهنة «القابلة» أو ما تسمى باللهجة العامية «الداية» التي على يدها ولدت «أمهات زمان» أطفالاً أصبحوا الآن رجالاً... مازالت قائمة حتى يومنا وتلقى رواجا وخاصة في القرى النائية والبعيدة عن مركز المحافظة.
ومهنة «القبالة» التي كانت قديماً تنتقل بالوراثة، أو بالتعلم عن طريق «دايةٍ» خبيرة وكبيرة في السن، أخذت منحى آخر في الوقت الحاضر من بعض الجامعات لتدرج هذا التخصص ضمن أقسامها، وذلك من أجل إيجاد قابلاتٍ قانونيات ذوات كفاءة عالية يعملنَ وفق أسسٍ علميةٍ صحيحة، ولاسيما أن مجتمعنا يهيمن عليه الذكور في القطاع الصحي.
ومازلت أذكر حتى الآن «الداية» أم محمد في قريتنا التي تعمل في مهنة شاقة وصعبة جداً وتحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى الشجاعة والصبر، «حسب زعمها» فكثيراً ما تعاني أم محمد كما تعاني المرأة التي تقوم بالإنجاب ولاسيما على مستوى التفكير فهي تظل في بال مشغول وفي قلق مستمر حتى تضع الأم مولودها وتقوم سليمة معافاة، ناهيك عن الظروف التي يتم فيها استدعاؤها في منتصف الليل وتزداد الأمور صعوبة في ليالي الشتاء الباردة، كما تزداد هذه المعاناة عندما تكون أمور الولادة عسيرة الأمر الذي يتطلب أن تستمر في العمل والمراقبة عدة ساعات أحياناً.
وأكثر ما يهمها بعد أن تتم عملية الولادة هو الالتفات والانتباه بشكل كبير إلى صحة الأم وبعد الاطمئنان عليها تنتقل إلى المولود الجديد وأول ما كانت تقوم به مساعدته على التنفس الأمر الذي يحدث دائماً جراء البكاء الناتج عن الألم ثم قطع حبله السري بعد ذلك تقوم بتمليح المولود بوضع كمية من الملح مع الماء وغسله بها، ثم تعود في اليوم التالي وتقوم بنفس الشيء وفي اليوم الثالث تغسله وتخلصه من الملح الأمر الذي يساعد على تفتح مسام جلده وإكسابه رائحة عطرة.
واللافت من هؤلاء القابلات اللاتي مارسن المهنة «بالفطرة المحضة»، أن ذاكرتهن بقيت تختزن الكثير من حكايات الميلاد بعد أن استخرجن «بيدٍ خفيفة» الأجنّة من أرحام الأمومة.
حيث تقول حمدة في العقد الثامن من العمر: أمارس هذه المهنة منذ مطلع شبابي حيث كنت أتعلم من إحدى القابلات، وبدأ الناس يطلبونني بالاسم، وأضافت: بصراحة هذه الثقة التي منحني إياها أبناء المنطقة دفعتني إلى أن أكون خير القابلات، والفضل يعود إلى حماتي التي لم تترك صغيرةً أو كبيرة إلا علمتني إياها في هذا المجال، وهذه المهنة بصدق زادت من شعوري بالأمومة، لدرجة أنني أحسّ بأن كل من وُلدوا على يدي هم أولادي وخارجون من بطني».
مضيفة: «كنتُ أمكث مع النفساء لأكثر من عشر ساعات حتى أتأكد من عدم حدوث أي مضاعفات، وإن حدثت هذه المضاعفات فأنا أقدم العلاج، وإذا لم يكن بإمكاني، سرعان ما أقوم بتحويلها إلى المستشفى، والحمد لله أنه لم يمت على يدي أي طفل بتاتاً طوال حياتي المهنية، مشيرة إلى أنها كانت تعالج المواليد من بعض الأمراض مثل «اليرقان» (الصفار)، كما أن الأطفال الذين كانوا يولدون وهم في حالة إغماء، كنتُ أعالجهم بضربهم بشكلٍ خفيف على ظهورهم، وبرش القليل من الماء على وجوههم».

خالد خالد   

 

في إدلب.. تراجع دور القابلات 

مع بداية القرن الماضي وبداية القرن الحالي شهدت مهنة القبالة إقبالا كبيراً من قبل البنات اللواتي يفضلن تلك المهنة على غيرها من الوظائف الحكومية والتعليمية.. بل بتن ينافسن الطبيبات في توليد النساء، حيث يحضرن إلى منزل الولادة ويمكن أن يقمن بتوليد عدة ولادات في يوم واحد وبالتالي الحصول على أجور بدأت من 500 ل. س ليتضاعف هذا المبلغ إلى أرقام أكبر، ولكن يبدو أن غياب العناية والرقابة الصحية الكافية التي تطلبها حالات الولادة وخشية الناس على مصير الولادة، ودعم وتطوير أقسام الولادة في المشافي الحكومية والخاصة جعل معظم الولادات يتجهن إلى تلك المشافي حيث الأمان والتجهيزات والاحتياطات الصحية المطلوبة.. لهذا فقد بدأت مهنة القبالة بالتراجع وبات الإقبال على معاهد القبالة (مدارس القبالة) محدوداً حيث تدرس الفتاة ثلاث سنوات تمريض ثم سنتين قبالة وتصنف وظيفياً في الفئة الثانية، فقد طلبت مديرية صحة إدلب في العام الماضي 15 طالبة قبالة لكن المتقدمات لم يتجاوز عددهن الست، على حين ارتفع الطلب إلى 40 طالبة في العام الحالي لكن عدد المتقدمات لم يتجاوز سبع طالبات، وهذا الأمر برأي الجهات المعنية في مديرة الصحة بإدلب بات يشكل خطورة على برامج الرعاية الصحية والصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة ورعاية الحوامل.. حيث فرغ عدد من المراكز الصحية من القابلات على حين يعمل بعض القابلات في أكثر من مركز صحي، حيث استقطبت المشافي الحكومية في إدلب ومناطقها العدد الأكبر من القابلات على حساب المراكز الصحية، في الوقت الذي يفترض فيه وجود قابلتين على الأقل في كل مركز، فقد لوحظ أن مركز التح الصحي الذي يخدم 10 آلاف نسمة لا يوجد فيه سوى قابلة وممرض.. ولكن بالمقابل فقد زادت نسبة حالات التوليد لدى الطبيبات الاختصاصيات على حساب القابلات على الرغم من حصول بعض حالات الاستغلال المادي من قيصريات قسرية وتشخيصات مبالغ فيها ومبالغات في الأجور، على حين لوحظ إحجام وتردد العديد من طبيبات النسائية عن العمل في المراكز الصحية لتفضيلهن عياداتهن على المراكز الصحية في ظل انتعاش أعمال التوليد على حساب القابلات، وبات العمل في المراكز الصحية لدى بعضهن لصيد الزبائن من الولادات أحياناً.. على حين يرى الدكتور ياسر نجيب رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية أنه قد تم استقدام العديد من أجهزة الإيكو لفحص الحوامل في المراكز الصحية حيث لا يتوافر العدد المطلوب من الطبيبات والقابلات للعمل على تلك الأجهزة، على حين هناك العديد من الأخطاء الطبية المرتكبة من قبل بعض القابلات التي رصدتها طبيبات التوليد والنسائية وخاصة تلك الأخطاء الناجمة غالبا عن استخدام المحرضات لتسريع الولادات وخطورة ذلك على صحة الأم والوليد.

محمد الخطيب   

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...