واقع المنتجات «النظيفة» في سورية

06-05-2010

واقع المنتجات «النظيفة» في سورية

«عضوية! لا أنا أفضل الطبيعي والطازج»، هكذا جاءت ردة الفعل الأولى لدى السؤال عن المنتجات العضوية، بهذا الاستهجان أجابت سيدات يتجولن بين عربات الخشب وسحاحير (صناديق) الكرتون التي تعرض بـ «فخر» زهو ألوان الخضروات والفواكه الطازجة في مساحة صغيرة تعبق برائحة الأعشاب وبقايا التراب الندي. مساحة تجارية بدائية تسمى في سورية «سوق الخضرة»، حيث يجتمع مزارعون ومزارعات من الأرياف القريبة ليروجوا لنتاجهم، مصدر رزقهم الوحيد وبأسعار تنافسية.

كل المعروضات طازجة ولذيذة، تغري الكثيرين من المتسوقات والمتسوقين برمي حبات مختلفة من البندورة الحمراء من هنا، والخيار والتفاح من هناك، في كيس نايلون شفاف ووضعها على الميزان اليدوي التقليدي لتقدير الكمية بالوزنات الحديدية ثم دفع الثمن.

لم تلفت كلمة «عضوية» الانتباه وسط زحام الطازج ذاك واعتقد كثيرون أن المنتجات العضوية ترتبط بشكل أو بآخر بالتصنيع وتبتعد عن الطبيعي. قليلون فقط بدوا ملمين به وأبدوا تأييدهم الأغذية العضوية التي هي «الطبيعية»، المزروعة أو المنتجة بالاعتماد على الطرق والشروط الطبيعية فقط ومن دون أسمدة كيماوية أو هرمونات أو غيرها، من أجل إنتاج أكبر وربح أسرع. وتقول ربة منزل في الأربعين من عمرها: «نعم، الكثير من هذه الخضروات والفواكه التي تبدو طازجة أنتِجت باستخدام الأسمدة الكيماوية. وهي ضارة بالصحة. ولكن ليس لدينا خيارات هنا، أعرف عن المنتجات العضوية الطبيعية، فابنتي التي تسكن مع زوجها في إحدى دول الخليج لا تشتري غيرها على رغم غلاء ثمنها، وعندما زرتها رأيت كيف تفرد كل المتاجر والمولات الكبيرة رفوفاً خاصة لهذه الأغذية. ومنذ ذلك الحين وأنا أحاول أن أشتري معظم خضرواتي من هذا الفلاح المسن الواقف هناك فهو أقسم لي أنه لا يستخدم أي سماد كيماوي لتنمية محصولاته. ولا أشتري المنتجات إلا في مواسمها، فقد صرنا بفضل الكيماوي نأكل الخيار في كل الأوقات، ولا نعرف البلدي من «الهرموني»، اللهم إلّا عندما تبدو الخيارة غير الطبيعية طويلة بغرابة وبحجم اكسترا لارج».

طبق المواصفات أم لا؟

لم تجتح موجة المنتجات العضوية، او Organic Food، الأسواق السورية بزخم بعد، بل لا تزال في بدايتها. لكن، ومع تنامي هذه الظاهرة عالمياً وفي المنطقة المحيطة، بدأ الموضوع يحوز اهتمام السلطات وبعض الأفراد أيضاً. وأخذت محاولات خجولة تشـــق طريقها إلى السوق، بدءاً بختم بعض المنتجات بوصفها عضوية، كالبيض والخبز مثلاً، إلى تخصيص بعض المتاجر لبيع الأغذية العضوية في مناطق مختلفة من العاصمة دمشق، وحتى بعض القرى السياحية كما في محافظة اللاذقية. ولكن هل تلقى هذه المحال رواجاً؟ ومن يضمن صدق المكتوب في غياب آليات المراقبة الصحية؟

«لا أصدق شيئاً من الذي يكتبونه، كله غش بغش»، تشرح سيدة تكافح مرضاً عضالاً، وتضيف: «أكد لي أحد أطباء التغذية في الأردن أن الأغذية العضوية تزيد فرصتي في العيش سنوات أطول، ولكنني لم أجد إلا حفنة دكاكين أغذية عضوية هنا، ولم أثق بأي منها.

يكتبون «منتج عضوي» على أغلفة الأكياس ويرسمون شعارات صحية مقنعة، ولكن ما أدراني أنهم صادقون. وعندما سألت أحد الباعة الذين يزعمون أن منتجاتهم عضوية في منطقة الفحامة في دمشق عن مصدر هذه الأغذية وكيف يتأكد المرء منها، جاء جوابه مشتتاً وغير مقنع. وأصبح ابني في أميركا يرسل لي بعض حبوب النخالة العضوية وغيرها من المنتجات التي يمكن أن تعبر القارات.

لكن، وتحت إلحاح المرض ما كان مني إلا أن تعاقدت مع مزارع طيب وصــادق التقيته في سوق الخضرة، بعد أن شرحت له وضعي ووافق على تزويدي بالخضار والفواكه الموسمية العضوية المزروعة من دون كيماويات، وطبعاً مقابل ضعف السعر».

ترف

وتؤكد إيمان وردة، وهي اختصاصية تغذية سورية تعيش في دولة أوروبية، وتفكر في الاستثمار في مجال المنتجات العضوية في البلد، أن العلم يثبت يوماً بعد يوم ضرر الأغذية غير الطبيعية المعتمدة على الهرمونات والمواد الكيماوية التي تخل أحياناً كثيرة بالتوازن الهرموني والاستقلابي الداخلي للإنسان. لكن هذا لا ينفي حقيقة أن المنتجات العضوية لا تزال قليلة نسبياً في المنطقة وغير متنوعة كفاية، إضافة إلى غلاء ثمنها لأنها تتطلب تكلفة إنتاجية مضاعفة. وتذكر وردة من جهة أخرى ضرورة إعطاء هذا الموضوع الأهمية اللازمة لكونه أساسياً لضمان حياة أكثر صحة على المدى الطويل، إضافة إلى أنه علاج يدعم الأدوية، وأحياناً، يكون بديلاً منها.

تَفسد الأطعمة العضوية بسرعة أكثر من غيرها، لأنها غير محفوظة كيماوياً، ما يجعل عبء اقتنائها أكبر على المواطنين السوريين، وغالبيتهم من الطبقات الوسطى وذوي الدخل المحدود. ففي وقت تزداد أسعار المود الغذائية في سورية في شكل غير منطقي، ومنها الخضروات والفواكه مقارنة بمتوسط الدخل الفردي المنخفض، تبدو الأغذية العضوية «ترفاً» لا مكان له عند سواد الشعب الذي يجتهد ليؤمن لقمة العيش، غير آبه، في هذه الظروف، بما إذا كانت مأكولاته عضوية أم لا، لتضاف الأغذية الصحية كميزة جديدة على قائمة «في متناول الأغنياء فقط».

وقد أعدت وزارة الزراعة بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مسودة قانون لتطوير الزراعة العضوية في سورية، بهدف تنظيم جميع مراحل إنتاج وتحضير ومراقبة منتجات هذه الزراعة، واعتماد لصاقات التعريف للدلالة على المنتجات في خطوة تعترف بالزراعة العضوية كحافز يعزز الصحة في النظام البيئي ويضمن دورات حيوية للتربة الزراعية. كل هذا، في حين لا يزال خطر سوء التغذية حاضراً. فالتغذية السليمة هي في «حصول جسم الإنسان وبخاصة الأطفال على القدر الكافي من الغذاء الذي يضمن نمواً سليماً وحياة صحية وحصانة ضد الأمراض»، وهي مثار تساؤلات في سورية.

والمواطن السوري لا زال يتابع معضلة الأغذية العضوية والأمن الغذائي في الإعلام، وهو يفكر في ما إذا كان قادراً على شراء لحم يزوّد أطفاله بالبروتين هذا الشهر أم لا!

بيسان البني

المصدر: الحياة

التعليقات

كيف تصنع دولة ؟ منذ البدء كان الفلاح السوري يقسم السنة زراعياً و لم يكن يعرف لا الكريسماس و لا الفطر إلا في سياقهما. أما الزمن عنده فكان زمناً زراعياً. و دخلت التجارة حياتنا و أصبح الزمن تجارياً كريسمس و فالنتاين و فطر. و أقصد هنا أصبح التقويم يعنى بالمناسبات الدينية التي تحرض القريحة التجارية. كان الفلاح يزرع الأرض مواسم بالتتالي وفق خطة اختبرها طويلاً و عرف من خلالها ما النبات الذي يزرع الى جانب الآخر أو بعده. كانت ممارسات خاطئة و لكن كانت هناك سلة قيم لا يساوم فيها إلا اللص و كانت هذه تهمه كبيرة. أتى زمن التنوير : المبيدات الحشرية و الأسمدة و الهرمونات. و فجاة اختفت من بلادنا انواع محلية ذات طعم و رائحة. حلت محلها أنواع بلا طعم و لا رائحة و لكن تحتمل رحلة التصدير. اليوم ثمة خطرين داهمين يضافان الى سلة التافيق التجاري و هما التوضيب و التغليف من جهة و النبات العضوي من جهة أخرى. فحتى اللحظة لا نعرف غن كان تعاطي الانسان للسموم على جرعات متناهية الصغر قد أفاده ام لا و هذه المسألة رهن بمراكز ابحاث التطور. و ممن ناحية ثانية تغرض علينا مراقبة المستفيدين من تسويق النبات العضوي كعلامة تجارية. و يكفي ان نعرف خطورة الاخلال بالنظام البيئي تحت شعار خلق مضادات طبيعية. كأن تملأ الأرض بالضفادع لتحارب الجراد و من ثم بالقطط لتحارب الضفادع. ثم تخلص الى معضلة جزرها الأساسي هو انك كقلد بائس لكل ما يتقأيه الآخر على مائدتك. و يكفي ان تراقب اصرار الشركات على حجب الكثير من الاختراعات فقط لأنها تضر بالمصالح التجارية. و يكفي ان تعيد النظر بفضيحة أنفلونزا الخنازير حتى تكون فكرة عن مدى الانحدار الأخلاقي المرافق للسياسات التجارية الكبرى . نحن نحب النظافة و لكننا نعرف ان الطفل الذي يربى على المزبلة سيكون مناعة أعلى من الطفل المعقم. و هذا يضعنا أمام حوار شرس في معنى حياتنا المعاصرة. إن مجرد التفكير بالخوف الذي يزرعه العالم المعاصر في نفوس العامة يدلنا على ان السياسات الاقتصادية لا تتوانى عن أقذر الحيل لتسويق سلعتها . خوف المستهلك على صحته : ألبان معقمة , منظفات, مواد عناية جلدية, و اليوم الأغذية العضوية . البارحة كان الشعار طعام لا تمسه الأيدي. و اليوم الحديث عن طعام عضوي؟؟؟ الطعام العضوي لا يعني ان تشتري منتج اغلى بل ان تقبل بشراء تفاحة و فيها دودة, أو حبة بازيلاء ضئيلة. و بالمناسبة هناك خطأ كبير فيما يخص حفظ الطعام . فالنبات يفسد إذا غسل . و يحافظ على بنيته إذا لم يغسل. و هذا نظام نعمل على تطويره مع بعض المزارعين لحفظ النباتات بطبقة رقية من غبار التراب , بعكس ما تفعل الشركات الممتلئة فخر بأنها تحفظ الخضار بطبقة شمعية. و هنا واحدة من دلائل تفاهة الجامعات . فليس من جامعة واحدة تقوم بتجارب ذات قيمة لنفسها و للتاريخ و للإنسان.

إن تسميتها بالنظيفة يعني ان غيرها ملوث, و هذا قد يقود الى القضاء التجاري. لماذا لا نسميها منتجات فقيرة بعكس المنتجات المعززة ؟؟ لأن هذا لا يبيع. ماذا لو سميناها منتجات بدائية, منتجات بكر, منتجات متخلفة, منتجات فقيرة, منتجات بعل, منتجات فوضوية, . منتجات ركيكة, منتجات غير محسنة, منتجات غير مهذبة, نباتات قذرة ؟ قرأت الكثير من الرسائل الأدبية في نقد الأدب و تاريخ الأدب , و إخت الأدب و لم أقرأ رسالة واحدة في قلة الأدبيات الاقتصادية .

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...