سماء دمشق هادئة أكثر من اللزوم

19-07-2006

سماء دمشق هادئة أكثر من اللزوم

في تلك اللحظة، شعرت بأنني أقرب الى السماء. نظرت الى الطفلين الى جانبي، وحبست دمعة لم أشأ أن يلحظاها، وسلمت أمري وأمرهما لله». لكنها عبرت في النهاية. وصلت الى دبي، بعد رحلة من الخوف والفزع ومغازلة الموت لها ولطفلي أخيها اللذين رافقاها. «الشغل لا يرحم، كان عليّ أن أعود. والمكان هنا آمن». لكنها تركت العائلة وراءها. «هم قالوا اذهبي، لا نريدك هنا. حاولي أن ترسلي لنا تأشيرات من دبي. نلحق بك، حين نتمكن من عبور أول جسر استطاع ان يصمد». في الطريق الى الحدود السورية، التي يعرف سائق التاكسي جيداً كيف يصل اليها من بيروت، سالكاً دروباً فرعية بسبب قطع الطريق «الرسمي»، طالبته أكثر من مرة أن يعود أدراجه: «جننت. كان أصدقائي يهاتفونني كل دقيقية. يقولون هناك قصف على منطقة جديدة يابوس (على الحدود). قلت له ارجع. لم يقبل. قال: اتكلي على الله وعليّ. أنا قادر على ايصالك». تثق به للحظات، وثم تثور. يقول العقل أكملي، تقول العاطفة ارجعي، ويكون الحسم في النهاية للتسليم الى القدر. «فجأة، اختفى صوت السيارة. لم أعد أسمعه. لم أرَ، من وراء النافذة، الطرق التي تمتلئ بباصات النازحين. الرجال واقفون على شرفاتهم يتبينون مصادر الدخان. البيوت مدمرة. المحال مقفلة. مرّ كل ذلك أمامي واختلط عليّ. لم أعد ارى ولا أسمع. نصف ساعة من التسليم الكلي بامكان الموت. أن تقصفنا طائرة، او تشطرنا قذيفة ونحن في طريق النزوح الى سورية. كنت أقرب الى السماء
سماء دمشق، كما يقول المهاجرون اليها من اللبنانيين والعرب، وعبر مطارها الى دبي، هادئة كثيراً. «أكثر من اللزوم»، كما يقول هشام الاماراتي الذي كان يقضي اجازته الصيفية في لبنان.» المعاملة كانت حسنة جداً. رجال الأمن السوري على الحدود قدموا لنا تسهيلات كثيرة. المقابل «معتاد» وليس هناك شيء استثنائي»، يقول. أما مطار دمشق «فزحمة وبشر يتكدسون في كل الامكنة. الطائرات السورية تتأخر عن مواعيدها في الأوقات العادية، فكيف في أوقات عصيبة ووسط ضغط كبير على حركة المطار. اللبنانيون الذين شاهدتهم في المطار، كان يعروهم التوتر. تعبهم من رحلة الخطر الشديد في العبور من لبنان الى سورية، تشردهم في «الشام» بحثاً عن غرف فندقية تستقبلهم، في ظل تأخر مواعيد الطائرات او انتظارهم أن تُدبر لهم أمكنة من دون حجز مسبق... كل ذلك كان يصل بهم الى مطار دمشق منهكين ومتوترين، ويأكلهم الخوف على من تركوهم وما بقي خلفهم».

«وصلت الى دمشق وانهرت. أصبت بنوبة بكاء مرير. صرخت: اريد أن اعود، أرجعوني، لا يمكن أن أتركهم، لا أريد أن أسمع خبر الموت عبر الهاتف»، تقول جميلة التي تركت أقاربها في بلدة البستان المجاورة لبلدة مروحين حيث حصلت المجزرة قبل أيام. كان من المستحيل ان تعود جميلة. السبب ليس أمنياً بحتاً. نفد معها المال بعدما اضطرت الى أن تدفع لسائق الأجرة الذي أقلها الى الحدود أكثر من 700 دولار، كما تقول، فيما تبلغ التعرفة في الاوقات العادية نحو مئة دولار: «أعرف أناساً دفعوا 4 آلاف دولار لمغادرة بيروت الى دمشق. ما نفع المال؟ أهالينا وشعبنا يدفعون حياتهم ثمناً للبقاء هناك». لم تعد جميلة. وصلت الى دبي، ونقلت منهارة الى أقرب مستشفى من مطار «الامارة».

«نظرت الى عينيّ الطفلين وتساءلت ان كان الأمر يستأهل... ثم حدقت فيهما وقلبي يقول: يبقون تحت سماء أصفى، في حال أطبقت السماء أكثر على لبنان. لنأمل بأن لا..

ابراهيم توتونجي
المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...