"فالق لا تعالق" 

16-02-2023

"فالق لا تعالق" 

غسان الشامي:


أعترف أنني أحب حلب ، المدينة التي عاثت فيها الكوارث منذ 12 ألف عام، لكنها لم تركعها، حيث لم يبقَ فاتح وغازٍ لم يدخلها وينكّل بأهلها، اجتاحتها جيوش من الرافدين والفرس والروم والفرنجة والمغول والتتار والعثمانيين ، لكنها بقيت شهباء كونية رغم كل شيء ورغم أنف الحرب الأخيرة وأوباشها وفسادها.

ما لفتني في تاريخها هو سوء حظها المتَوْأَم مع أنطاكيا في التاريخ والزلازل، حيث أحصى المؤرخون 62  زلزالاً خصتهما الطبيعة بهم، يضاف لها زلزال فجر اليوم 6 شباط، ولاحظ المؤرخون أن أغلب الزلازل وقعت في الشتاء وعلى وقع الأمطار، ولأن حظ سوريا والمشرق سيء فإنها تحتضن خطين زلزاليين متوازيين يلتقيان على شكل زاوية في حلب، هما الخط الساحلي  والداخلي.

الأول يبدأ قرب ديار بكر ويمر بالرها ومنبج وحلب وأنطاكيا وعلى خط الساحل حتى غزة، أما الثاني فيبدأ من شمال سوريا في عينتاب إلى حلب فوسط وادي العاصي وسهل البقاع حتى غور الأردن.، وهناك زلازل كثيرة حصلت في الخطين معاً، وسأبدأ من أعتى زلازل الزلازل على الخط الساحلي:

*زلزال وقع سنة 543 للميلاد بدأ من ما بين النهرين حتى حلب فأنطاكيا وساحل فينيقيا خرب جبيل وبيروت وصيدا وصور،وبدّل معالم في الساحل.

*زلزال 853 يقول الأصفهاني في كتابه تاريخ الدول ص248, هذه السنة كانت زلازل هائلة في الشام وفارس وخراسان…وتقطع الجبل الأقرع وسقط في البحر، فمات أهل اللاذقية من هذه الهدّة.

*زلزال سنة 859 وصفه الطبري " كانت بأنطاكيا زلزلة ورجفة في شوّال قتلت خلقاً كثيراً …وسمعوا أصواتاً لا يحسنون وصفها من كوى المنازل..وتقطّع الأقرع (جبل) وسقط في البحر فهاج…وأصاب حمص ودمشق والرها وطرسوس وأضنة وسواحل الشام وأرجفت اللاذقية فما بقي منها منزل ولا أفلت من أهلها إلا اليسير وذهبت جبلة بأسرها".

*زلزال سنة 1016 وقعت القبة الكبيرة على الصخرة في القدس حسب ابن الأثير.

*زلزال سنة 1033 ضرب القدس أيضاً وثلث مدينة الرملة وقتل الكثيرين فيها.

*زلزال 1202 ضرب المنطقة على دفعتين من مصر إلى الجزيرة وبخاصة حماة ودمشق وخربَ صور، وصفه أبو الفداء. استمرت الزلازل 4 أيام، أفسدت منارة الجامع الأموي الشرقية والبيمارستان ومساكن كثيرة، وكذلك في بانياس وصفد وتبنين ونابلس وبيت جن وأكثر حوران وسقط أكثر عكا وثلث صور وعرقة وصافيتا.

*زلزال 1822 في 13 آب تناوبت الهزات العنيفة على حلب وانتقلت إلى أنطاكيا واللاذقية ، ثم عادت في 5 أيلول فأهلكت 20 ألف نسمة وتتالت حتى أيار من العام التالي.

*زلزال 1872 بدأ في 3 نيسان وضرب شمال سورية من نقطة بين أنطاكيا والسويدية، وامتد إلى ديار بكر وبيروت ، ثم اشتد في 5 آب فضرب الجغرافيا بين حلب وأنطاكيا ، وفي مطلع 1873 بات الزلزال في مركز أنطاكيا ووصلت ارتداداته عبر الساحل إلى يافا.
الزلازل على الفالق الشرقي:

*زلزال سنة 873 وقع في وادي الأردن وبين القدس والبحر الميت.

*زلزال 1114ضرب شمال سورية في مرعش واعزاز وقربهما.

*زلزال سنة 1138وقعفي شهر تشرين. يقول ابن العديم: حدثت زلزلة عظيمة ثم تبعتها أخرى وتواصلت الزلازل فهرب الناس من حلب إلى ظاهر البلد وخرجت الأحجار من الحيطان ..وانقلبت مدينة الأتارب وانهدم في حلب بيوت كثيرة وتشعث السور واضطربت جدران القلعة..وحدثت 80 زلزلة، وروى السيوطي أنها أهلكت 230 ألف إنسان.

*زلزال سنة 1170 ، يقول عنه ابن الأثير إنه عمّ أكثر البلاد من الشام والجزيرة والموصل والعراق، وأشدها في الشام فخرب كثير من دمشق وبعلبك وحمص وحماة وشيزر وبازين وحلب وتهدمت أسوارها وقلاعها ودورها وعاين السلطان نور الدين ما حل بحلب بعد هلاك الكثير من أهلها.

*زلزال سنة 1307 .يقول المقريزي بوقوعه في وسط أحد الجبلين الواقعة بينهما بلدة بارين ( بعرين).

*زلزال سنة 1759 ، بدأت الهزات في 20 نيسان بحلب وشعرت بها طبرية ، ثم ضربت بعلبك والبقاع آخر تشرين الثاني ، فزعزعت آثارها وخربت الكثير وقتلت 20 ألفاً، وعادت الزلازل إلى حلب بعد ثلاثة أيام فخربت فيها الكثير.

زلازل على الخطين معاً:

أولها عام 859 ، لكن سنذكر بعضها.

*زلزال 1764 اهتزت له طرابلس في 14 شباط ، وفي العام التالي عدة زلازل بين حلب وطرابلس ، وتتالت عدة سنين وانتهت بزلزال كبير عام 1794..شعرت به اللاذقية.

*زلزال 1822 بدأ بضرب حلب في 13 آب ثم أنطاكيا فاللاذقية ، وفي 5 أيلول عادت فضربت حلب فقتل 20 ألف شخص، وتتالت حتى أيار من العام التالي وشملت أنطاكيا ثم عادت فضربت حلب في حزيران 1823.

*زلزال 1837 ابتدأ في 1 كانون الثاني من البحر الميت وأمسك بلاد الشام بطولها تاركاً الخراب في أماكن كثيرة منها صور وصفد.


عودة لما قبل:

أريد أن أذكر لكم من تاريخ بيزنطة أن عام 526 في عهد الأمبراطور يوستينوس ضرب زلزال مدينة أنطاكيا فقتل 250 ألفاً من سكانها، وتجددت الزلازل بعد عامين، وفي الأعوام 551 و588 و599 ضربت الزلازل أنطاكيا فخربت الكثير فيها.

هناك كتب ومراجع كثيرة عن الزلازل في سوريا منها ما كتبه هنري لامنس وسامي الجسري ، لكن المفيد أن هذه الديمغرافيا المتألمة والجغرافيا المهتزة كانت تقوم من تحت الأنقاض لتعيد الإعمار.

ما يحصل حالياً درس لإعادة التفكر بنموذج العمارة، فالملاحظ أن الأبنية الهابطة والمتصدعة هي حديثة العهد وهذا ناجم عن الفساد وفقدان المعايير وعدم الانتباه إلى أننا مشرقٌ واقع على فوالق زلزالية تاريخية جغرافية وللأسف سياسية، حيث أن حوالي 50 دولة حتى الآن عرضت على التُرك تقديم المساعدات، بما فيهم الذي ربّى لحم أكتافه من جيوب السوريين ، أي ميقاتي،بينما يترك السوريون للزلزال والعاصفة وشباط ..فهل من مكان لأصحاب النهى؟!

انتبهوا إلى الفوالق قبل أن ننفلق
العزاء بالراحلين والشفاء للمصابين
وسأبقى أحبُّ حلب وسائر المشرق.

 

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...