مكمن الخطر في الثورة التلقينية !!

07-10-2006

مكمن الخطر في الثورة التلقينية !!

الجمل ـ بشار إبراهيم :إحدى سوءات الفلسطينيين أنهم سرعان ما يركنون إلى الأفكار، والرموز، والمقولات.. ولا يمارسون تجاهها أية ممارسة نقدية!..
هل ذلك بسبب الثقافة الريفية، والعقلية التقليدية الدينية المحافظة؟.. أم هي تجليات البعض من أمراض الشتات التي كان لابدَّ أن تصيب الفلسطيني، غير المحصَّن، وغير المدجّج بثقافة نقدية، أو بمؤسسات ديمقراطية؟..
في حوار شخصي، وثنائي، مع أحد أفراد السلطة الفلسطينية، مطلع العام 2001، حول انتفاضة الأقصى ومشروعها، قال باعتداد: «الآن خطة الانتفاضة إسقاط شارون، بعد أن أسقطنا بارك»!..
في خلاصة الحوار، قلتُ له جازماً: «من المهم فعلاً أن تتمكّن الانتفاضة من إسقاط شارون أو باراك، ولكن من المهم أكثر أن تستطيع الانتفاضة إسقاط وزير فاسد واحد، أو أن تحطِّم رمزاً مصطنعاً واحداً، على الأقل»..
الفلسطينيون يركنون إلى الأفكار والرموز والمقولات، ولا يمارسون أي فعالية نقدية تجاه ذلك.. ربما بسبب الكسل الفكري والثقافي، وربما هي إحدى نتائج تجربة الثورة الفلسطينية، التلقينية..
وهنا مكمن الخطر!..
هل رأيت في التاريخ ثورة تلقينية؟.. بل كيف يمكن أن يلتقي مفهوما الثورة والتلقين؟.. وكيف يمكن للثورة أن تلقّن شعبها؟..
ابحث عن السرّ في حقيقة أن الثورة الفلسطينية هي الثورة الوحيدة في العالم التي كانت تصرف على شعبها؟..
ابحث في السرّ الذي جعل الثورة الفلسطينية تنتج جنرالات (لواء، عميد، عقيد..) أكثر ربما مما أنتج جيش الاحتلال نفسه.. بالنسبة والتناسب!..
الثورة الفلسطينية هي الوحيدة في العالم التي جعلت من مهندس، يملك الآن شركة بحجم وطن، وهي الثورة الوحيدة التي جعلت من ضابط صغير في أحد الجيوش العربية، يملك الآن أكثر من رئيس أركان ذاك الجيش، وهي الثورة الوحيدة التي جعلت من معلم صف ابتدائي، يملك الآن أكثر من وزير تربية..
الثورة الفلسطينية، هي الوحيدة في العالم، التي أنتجت قادة ورموز يتمتعون بصلاحيات مطلقة، لا يتمتع بها حتى قياصرة الرومان، وديكتاتوريات العرب..
الفلسطيني هو الوحيد الذي أنعم عليه قدره بقيادات سلخت من عمره أربعين عاماً، دون أن يفكر ذاك الفلسطيني لحظة بالقول لها: «هاأنذا قدمت آلاف وآلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين.. فلماذا لم ننتصر؟..»
حقاً.. لماذا لم تنتصر الثورة الفلسطينية؟.. فلا حررت وطناً، ولا أعادت لاجئاً..
أحدهم قال: غريب أمر الفلسطيني.. إنه يبدي شجاعة لا نظير لها في القتال، ليس منها شيء أبداً، في مجال نقد أي من رموزه أو أفكاره أو مقولاته.. خذ (عرفات، أو حبش، أو جبريل، أو حواتمة.. أو حتى سمير غوشة، وأبو العباس)..
«أسيادكم في الجاهلية، وأسيادكم في الإسلام».. «قادة في الحرب، وقادة في السلم».. والفلسطيني يحضر بدمه دائماً.. يقولون له: «تحرير كامل التراب الفلسطيني».. فيستشهد.. ثم يقولون له: «تحرير نصف، أو ربع، أو خمس فلسطين».. فيستشهد.. وحتى عندما يقولون له: «رابين شريك في السلام».. يستشهد..
يرفعون «شعار التحرير».. ويبنون مئة فصيل ثوري للتحرير.. وسيتباهى كل فصيل بعدد الشهداء الذين قدمهم على درب «التحرير».. ويتبارون على نيل التمويل المالي، من هذا البلد أو ذاك، وتكديس الأرصدة.. لنكتشف بعد أربعين سنة أننا لم نتقدم على طريق التحرير قيد أنملة..
ومن ثم يرفعون شعار «العودة».. فيبنون مئة لجنة للعودة.. تتبارى في نيل التمويل، وانتظار الدعوات للمؤتمرات الدولية..
وستصبح «الدولة المستقلة».. بمثابة الحلم والهدف.. على الرغم من أنها تقوم على جثة حيفا وعكا ويافا والناصرة واللد والرملة..
كأنما الفلسطيني صار من عادته أن يعبد الأصنام، دون أن يفكّر لحظة بتحطيمها، أو التهامها إذا جاع، على الأقل كما كان يفعل الجاهليون..
مشكلة الفلسطيني أنه لا يعرف كيف تُخترع له الرموز، وبالتالي لا يعرف كيف يتخلّص منها، على الرغم من انكشافها وافتضاحها..

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...