معالجة جرائم الشرف في (مغارة ماريا)

07-01-2008

معالجة جرائم الشرف في (مغارة ماريا)

 شكّل العنف ضد المرأة في السنوات الأخيرة ظاهرة ناقشها الإعلام بشكل عام، والسينما بشكل خاص، وذلك مع اتساع رقعة حرية التعبير، وتكشّف حقائق وإحصائيات لم تكن معروفة من قبل.

إحدى هذه الظواهر كان يرتبط بجرائم الشرف التي تنتشر بشكل واسع في دول العالم الثالث، وخاصة في الشرق الأوسط كالأردن، وسوريا، والأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى دول أخرى كباكستان، وأفغانستان وغيرها.

ولعل وضع الضفة الغربية وقطاع غزة شكّل حالة خاصة بالنسبة لهذه الظاهرة، حيث أنّ السّلطة الفلسطينية لا تمارس حريتها الكاملة على الأراضي، وبالتالي يختلط الأمر فيما يتعلق بواقع جرائم الشرف ما بين تطبيق القانون المدني والعشائري والقبلي السائد.

ولحساسية الموضوع، لم تتم مناقشته إلا روائيا في الكتب والصحف، إلا أن المخرجة الفلسطينية بثينة كنعان خوري فضّلت ركوب التيار، ومناقشة هذا الأمر الحساس علنيا وسينمائيا، لتكون ثمرة ذلك فيلم وثائقي يحمل عنوان "مغارة ماريا".

الفيلم، الذي تبلغ مدته 52 دقيقة، يطلعنا على حكاية أربع نساء يواجهن ضغوطات المجتمع الذي يمنعهن من ممارسة حقهن في الحب والحلم.. اثنتان من هذه الحالات كانتا ضحية لهذه الضغوطات، واثنتان لا زالتا تحاولان الصمود تحت وطأة القيود المفروضة، والتي لم تجد من يوقفها حتى الآن في مجتمع تسوده السيطرة الذكورية.

ويطرح الفيلم وجهة نظر النساء اللاتي يعانين ضغوطات المجتمع، وبالمقابل يتطرق لوجهة نظر الذكر الذي يسيطر على أفكار هذا المجتمع، ليقدمها في قالب متوازن يؤيد حق المرأة في الحب والحلم، ويحمّل التقاليد العشائرية والقبلية المسؤولية لكل ما يجري من جرائم ذات علاقة بالشرف.

وحول وجهتي النظر التي يحملها الفيلم، والرابط بين حرية المرأة في الحب وحريتها في الحلم، تقول بثينة كنعان خوري، مخرجة الفيلم،: "يعتبر الشرف في المجتمعات العربية وخصوصا في المجتمع الفلسطيني أمرا متعدد المفاهيم، ولكنه بالنسبة للمرأة الفلسطينية يعتبر فرض قيود لا أكثر. فليس من الضروري أن يكون لدى الفتاة علاقة غرامية بشخص ما حتى تُتهم بتدنيس الشرف.. مما يشكل خطرا على حياتها، قد يؤدي إلى قتلها."

وتضيف خوري: "وأبسط مثال على ذلك هو (شخصية) عبير التي ظهرت في الفيلم، وطالبت بحقها في الغناء والظهور على خشبة المسرح، إلا أنها منعت من ذلك خوفا على حياتها."

ورغم عدم ممارسة السلطة الفلسطينية حقها الكامل في فرض سيطرتها على أراضيها وذلك لتدخل القوات الإسرائيلية، لم يظهر الوجود الإسرائيلي في الفيلم، ولربما كان ذلك أسلوب المخرجة في الإقرار بأن الاحتلال يجب ألا يكون الشمّاعة التي تعلّق عليها مشاكل الشعب الفلسطيني.

وتقول بثينة: "لقد نفذت الفيلم من منطلق إنساني بحت، وليس من منطلق سياسي أو ديني.. فالفيلم تناول الموضوع من واقع عدم وجود الدولة الفلسطينية، حيث أن الشعب الفلسطيني يعاني من الاحتلال منذ وقت طويل، وبالطبع الاحتلال سيفرض وجوده في النهاية، فهو يضيف إلى الواقع الذي نعيشه، ولكن ليس من الضروري أن يكون هو الأساس في مشاكل جرائم الشرف."

وترى المخرجة خوري، التي تمتلك باعا طويلا في مجال الإخراج السينمائي، خصوصا فيما يتعلق بالمرأة، أن المجتمع العربي، وبالتحديد الفلسطيني، ناضج بما فيه الكفاية لتقبل هذا النوع من الموضوعات رغم حساسيته.

وتقول: "الحافز الذي دفعني إلى تنفيذ هذا الفيلم هو خلق نقاش حول الموضوع بشكل مفتوح وعلني.. فالفيلم عرض في منطقة رام الله ضمن فعاليات مهرجان القصبة السينمائي الدولي، لاقى استحسانا وقبولا من المتفرجين، وبالطبع خلق الحوار الطبيعي المتوقع بين الحضور، فكانت وجهات النظر واقعة بين مؤيد ومعارض للفكرة."

وترى خوري أن هذا النوع من الأفلام لا يسهم فقط في تحريك المياه الراكدة بشأن جرائم الشرف فحسب، بل إن إثارة هذا النوع من الموضوعات سينمائيا قد يؤثر على القرارات السياسية، التي من شأنها أن تغير في الوضع القانوني الراهن.

وتقول خوري: "أتمنى أن يكون هذا الفيلم بادرة خير في التأثير على القرارات التي يمكن أن تفرض إجراءات قانونية مستقبلية، لأنني أعتقد بأن الصراع الاجتماعي ملازم للصراع السياسي. فنحن كمجتمع فلسطيني لدينا مشاكلنا الخاصة، وأعتقد أن الوقت قد حان لطرح هذه المشاكل، لأن النقد الذاتي أمر مهم لخلق مجتمع صحي وديمقراطي."

واقع السينما الفلسطينية الحالي

ومن الحديث حول فيلم "مغارة ماريا"، انتقلت خوري لواقع السينما الفلسطينية والتجارب الحالية، حيث تقول: "السينما الوثائقية الفلسطينية تفرض وجودها بشكل كبير على الساحة السينمائية العالمية، بدليل أن هناك الكثير من الأفلام الفلسطينية التي تعرض في مهرجانات دولية حصلت على جوائز كثيرة."

وتضيف المخرجة خوري: " ولا يمكن أن نقول أن هناك صناعة سينمائية في فلسطين، بل هناك العديد من السينمائيين الذين حملوا الجهد وأثبتوا قدرتهم من خلال الأعمال التي نفذوها. فالوضع (السينمائي) في فلسطين بخير مقارنة بدول أخرى، خصوصا أن الوضع الفلسطيني يعتبر مميزا نظرا لظروف الاحتلال والضغوطات التي تمارس عليه."

وحول تجربتها مع المخرجة الإسرائيلية ميخال أفياد، في فيلم "نساء بالجوار"، والذي تم إنتاجه في 1992، ويناقش قضية معاناة المرأة الفلسطينية في المخيمات، تقول خوري: "في عام 1992، كان الوضع مختلفا، فالناس تأملت حلول السلام بعد اتفاقية أوسلو. ونظرا لوجود هذا الشعور الشعبي قبلت بالعمل مع مخرجة إسرائيلية لمناقشة موضوع المرأة في المخيمات والقرى والانتفاضة، كما أن الأمل كان كبيرا في التعايش والسلام بين الجانبين."

وتضيف: "الوضع الآن يختلف، فإذا ما قارنت نفسي الآن بتلك الفترة سيكون لدي الكثير من التردد في العمل مع مخرجة إسرائيلية، لأننا جربنا السلام الحقيقي، ووجدنا أن المعاناة لا تزال موجودة، فالبيوت تهدم والناس تسجن، وهي أمور كنا نعتقد أنها ستختفي نتيجة اتفاقات أوسلو."

ويذكر أن فيلم "مغارة ماريا" عرض مؤخرا في مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الرابعة، وحاز على الجائزة الفضية في فئة الأفلام الوثائقية المشاركة في مسابقة المهر.

سامية عياش

المصدر: CNN

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...