غوغل العربي ينطلق من سوق 70 مليون مصري

03-09-2006

غوغل العربي ينطلق من سوق 70 مليون مصري

ليس جديداً القول ان محرك البحث الشهير «غوغل» Google، الذي يعتمده ملايين البشر يومياً أداة لتنقلهم بين مواقع الشبكة العنكبوتية الدولية، يتوسع باستمرار، ويُجدّد نفسه بصورة دائمة. وقبل أيام، افتتح «غوغل» قسماً متخصصاً بأشرطة الفيديو، سواء التي تصنعها الشركات أم التي تلتقطها كاميرات الجمهور.

وقبل بضعة أسابيع، أدخل «غوغل» خدمة لها علاقة مباشرة بالجمهور العربي، وأفرد لها قسم «أخبار غوغل» بلغة الضاد يعتمد على لملمة الأخبار من المواقع الصحافية والاخبارية الناطقة بالعربية. ولا يتدخل الانسان في هذه العملية كليّاً، كما انها تجدّد نفسها تلقائياًً كل نصف ساعة تقريباً.

وتبيّن أيضاً ان تجميع الأنباء يجري ارتكازاً إلى نموذج الكتروني مؤتمت، بحيث تقصد الروبوتات التي تحتوي مواد اخبارية باللغة العربية، سواء تلك التي تُصنع في العالم العربي ام خارجه، وتنقلها إلى موقع «غوغل».

والمعلوم ان تعبير «روبوت الانترنت» يطلق على برامج صغيرة ومتخصصة ودقيقة جداً، يُطلقها الاختصاصيون لتواصل التطواف على مواقع الانترنت المتعددة. وتتخصص كل مجموعة منها بأنواع مُحدّدة من المواقع الالكترونية. فمثلاً، تركزّ مجموعة من تلك الروبوتات على المواقع التجارية وأخرى على مواقع الدردشة، وثالثة على المواقع الجنسية وهكذا دواليك. وبذا، لا يُشبه موقع الاخبار العربية في «غوغل» ما يظهر في المواقع المتخصصة في الأخبار، مثل «بي بي سي» و«سي ان ان» و«نوفوستي»، التي تصنع أخبارها بنفسها، ثم تنتقي منها ما ترى انه أكثر ملاءمة للجمهور العربي، وتترجمها.

وتزامنت خدمة الأخبار العربية من «غوغل» أيضاً مع إعتماده مكتبه في مصر مركزاً اقليمياً لمنطقة الشرق الأوسط.
كالكثير من شركات الانترنت الكبرى، يراهن «غوغل» بقوة على خمسة ملايين مستخدم للشبكة الإلكترونية في مصر. ويرى فيهم مجالاً مناسباً لأعماله، التي قد تعود عليهم أيضاً بمزيد من الخدمات وفرص البحث والمعرفة والترفيه الإلكتروني، بل وربما بفرص عمل.

واختار الوجود «الغوغلي»، وهو الأول من نوعه في العالم العربي، مصر لبدء انتشاره عربياً بحكم أنها الدولة الأكثر تعداداً للسكان (أكثر من سبعين مليون نسمة). وبالإضافة إلى ذلك، تقع مصر جغرافياً في منطقة وسطى بين الدول التي يهدف «غوغل» تقديم خدماتها إليها واقتحام اسواقها الواعدة.

رجل «غوغل» في مصر مهندس كومبيوتر مصري شاب اسمه شريف اسكندر يتمتع بمعرفة واسعة بعالم الكمبيوتر الذي قلب حال العالم.

يتذكر التفاصيل الدقيقة للجهاز الضخم الذي غزا حياته وهو في مرحلة المراهقة. فبعد ما استخدم كل وسائل الضغط النفسي والابتزاز العاطفي على والده، وصل الجهاز الذي تكلف حينها حفنة آلاف من الدولارات ليستقر في غرفة مهندس المستقبل. وبينما كان الشاب الصغير يستكشف أغوار المستقبل الإلكتروني، كان الوالد يسأل نفسه مرات ومرات: «كيف طاوعت ولدي الصغير على هذا الجنون»؟ واتضح لاحقاً أن هذا «الجنون» يحمل معه مستقبل العالم.

تنقّل اسكندر بين عدد من كبريات شركات الكومبيوتر العالمية قبل أن يستقر في «غوغل» أخيراً، ليبدأ تأسيس مكتب القاهرة. ويبيّن أن المنطقة التي تمتد من بلاد المشرق والخليج شرقاً إلى المغرب غرباً تحوي نحو 350 مليون مواطن، بينهم 23 مليون مستخدم للإنترنت. ويعي «غوغل» تماماً الفروق الشاسعة في المنطقة حيث يتجاور الفقر وثروات النفط. ولا يرى في الأمر عائقاً.

ويُعطي مثلاً على ذلك بأسعار الإنترنت فائق السرعة التي تتناقص باستمرار، وأصبحت في متناول أيدي الطبقة المتوسطة راهناً.

ويبدو أن «غوغل» يضع نصب عينيه في المنطقة العربية هدفاً مُحدّداً، إذ يتوقع ان يصل إلى 50 مليون عربي عبر شبكة الإنترنت مع حلول عام 2009. ومثلاً، يتوقع أن يزيد عدد المستخدمين في مصر (من 5.3 مليون إلى 12 مليون مستخدم)، والمملكة العربية السعودية (من أربعة إلى 8.5 مليون مستخدم)، والمغرب (من 3.5 إلى خمسة ملايين مستخدم).

سبقت قرار «غوغل» بالتواجد في المنطقة العربية دراسات وتحليلات أشارت إلى أن المنطقة عامرة بالمستخدمين، لكنها تعاني نقصاً حاداً في المحتوى العربي الذي لا يتناسب مع هذه الكتلة البشرية وإمكاناتها راهناً. ويشير اسكندر إلى أن أقل من واحد في المئة من محتوى الإنترنت متوافر بالعربية، على رغم أن العرب يشكلون نحو ثلاثة في المئة من مستخدمي الإنترنت عالمياً.

يرى اسكندر اهتمام «غوغل» بالعالم العربي تطوراً طبيعياً للتكنولوجيا الرقمية التي يمثّلها. ويُنبّه الى ان الشركات الكبرى غالباً ما تستكشف الأسواق وتدرسها ثم تبدأ التوسع فيها لتقديم خدماتها. وبالنسبة إلى «غوغل» فإن الرسالة هي «تنظيم معلومات العالم وجعلها في متناول سكانه»، وبالتالي كان من المنطقي أن ينظر إلى الأسواق الأخرى غير أسواقه الأساسية في الغرب وآسيا.

ويبدو أن العرب دائماً مظلومون في شكل أو في آخر سواء في مخيلتهم أم في رؤية الآخرين. فمثلاً، يرى اسكندر ان: «العربية (كلغة وسوق) ظلمت كثيراً في الفترات السابقة وذلك نتيجة عوامل عدة. فهي أسواق صغيرة، ويصعب على الشركات العالمية الكبرى التحرك فيها مؤسّساتياً». ويحاول اسكندر جاهداً شرح مقصده بهذه الكلمات، ولكن بتحفظ مشوب بالحذر. فيضيف: «الخدمات الجديدة بوجه عام تأتي إلى منطقتنا العربية في وقتها. وسرعان ما تصبح المشكلة مشكلتين، بالنسبة الى تكنولوجيا المعلومات.

فمنذ اللحظات الأولى لابتكار أنظمتها وتصنيعها، لا تضع تلك التكنولوجيا الاستخدام العربي في الحسبان... والكلام مفهوم. فلدينا مشكلة الكتابة من الجهة اليمنى بدلا ًمن اليسرى بالإضافة إلى تحليل الكلمات، فالياء في أول أو منتصف الكلمة تختلف عنها في آخرها، كذلك الحروف المنفصلة والمتصلة وغيرها من الصعوبات التي تعرقل عمل شركات تكنولوجيا المعلومات الراغبة في تقديم خدماتها للمنطقة. ويرفض اسكندر الخوض في أي مشكلات خاصة بالعوائق الفكرية أو النفسية التي قد تكون موجودة في بعض الدول والثقافات في منطقتنا، والتي قد تساهم في زيادة الهوة بينها وبين عالم تكنولوجيا المعلومات. ويشرح رأيه: «أرفض تعميم فكرة سلبية أو القول بانغلاق عقليات بعينها... أن تقبّل هذه العقليات نفسها للمنتجات التكنولوجية الجديدة والخدمات التقنية المتاحة يدعو إلى الإعجاب، بل أحياناً إلى الانبهار». ويضيف ضاحكاً: «أعتقد أننا أصحاب براءة اختراع الـ missed call مثلاً».

يعيد اسكندر دفة الحديث إلى المسار الإيجابي بقوله أن شركات تكنولوجيا المعلومات تجد دوماً حلولاً تساعدها في تقديم خدماتها للعالم العربي. وهذا ما بدأه «غوغل» بالفعل الذي أيقن أن ثمة سوقاً ضخمة وكامنة في المنطقة العربية، لو نظر إليها باعتبارها سوقاً واحدة تتحدث لغة موحدة. ومن هذا المنطلق يدرس «غوغل» هذه السوق حالياً من خلال مكتبه في مصر. ولكن لماذا اختيار مصر وليس دبي، كما توقع كثيرون قبل أشهر؟ يجيب اسكندر بالقول: «أثناء تحليلنا للسوق العربية وجدناها تمتد من المغرب غرباً إلى عمان شرقاً، واختيار الموقع خضع لمعايير عدة... نود أن نخدم المنطقة برمتها، وموقع مصر مثالي في هذا الشأن... السبب الثاني هو أنه على رغم أن السوق الإماراتية متطورة جداً، إلا أنها في النهاية منقسمة إلى لغات عدة واللغة العربية ليست العامل الأساسي فيها كما أن عدد مستخدمي الإنترنت فيها بالعربية يمثل 20 في المئة من عدد مستخدمي الإنترنت في مصر». ويضيف أن المميزات الموجودة في دبي ممتازة بالنسبة إلى الشركات التجارية، وليس بالنسبة الى نوعية نشاط محرك «غوغل».

ويبيّن أن الحكومة المصرية تقدم التسهيلات اللازمة لتشجيع النشاطات والخدمات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات، وهذا امر مهم بالنسبة الى نشاط «غوغل» في المرحلة الراهنة. «لدينا نية للتواجد في دبي في مرحلة لاحقة، كذلك في السعودية والمغرب وبقية الأسواق الرئيسية الأخرى في المنطقة».

ويبدو أن المرحلة المقبلة بالنسبة إلى «غوغل» في العالم العربي هي مرحلة «تعلّم» واستكشاف ومراقبة هذه السوق. ويوضح اسكندر: «معظم مقابلاتي تُركزّ على التعلّم راهناً... قبل أيام التقيت أشخاصاً يصدرون موقعاً إلكترونياً من غرفة يستأجرونها في عمارة سكنية. وقد ذهلت حين اكتشفت أن هذا الموقع يرتاده نحو مليوني شخص شهرياً. وهذا يعني أن المواقع التي يخيّل لنا أنها غير ذات أهمية قد تكون خلاف ذلك تماماً».

إذا كان «غوغل» ما زال في مرحلة التعلم فيما يختص باحتياجات السوق المصرية وإمكاناتها، فإن الوضع يختلف بالنسبة إلى أحدث خدماته العربية التي أطلقها قبل أسابيع وهي الخدمة الإخبارية العربية والتي تمكن المستخدمين من البحث واستعراض أحدث الأخبار والصور المصاحبة بالإضافة إلى البحث ودخول ما يزيد على 500 مصدر للأخبار باللغة العربية في الشرق الأوسط. وبسبب أتمتة عملية فرز الأخبار وانتقائها، تنتفي تماماً مخاوف تحيّز المحتوى الى نوعية معينة من الأخبار.

ويشرح اسكندر الامر بالقول :»لا يوجد موظف مهمته اختيار الأخبار، فلدينا مجموعة كبيرة من مصادر الأخبار تخضع لعملية بحث وتقص للتأكد من أنها مصدر حقيقي للأخبار، ثم يبدأ النظام المستخدم في تبويب الأخبار بحسب تصنيفها (سياسة، اقتصاد، رياضة، إلخ) ويبدأ بعدها في تحليل عدد مرات تكرار الأخبار وسرعة انتشارها إلكترونياً وعلى هذا الأساس يتم اختيار أولوية بث الأخبار. إلا أن ذلك النظام أيضاً له هفواته. فقد يكون الخبر على رغم كل تلك المعايير غير مهم فعلياً، ولكن النظام لن يعرف ذلك لأنه ببساطة إلكتروني»!

أمينة خيري

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...