شتاء قارس يجدد نقاشات حارة حول البيئة

12-02-2012

شتاء قارس يجدد نقاشات حارة حول البيئة

تجتاح أوروبا موجة ثلج فائقة البرودة. إنها المرة الثانية التي تضرب الثلوج أوروبا هذا الشتاء. وسجّلت البرودة أرقاماً تاريخية بين أواخر 2011 ومطلع 2012. إنه شتاء يصعب أن يكون شهادة على استمرار الاحتباس الحراري، على غرار ما كانته درجات الحرارة والبرودة في السنة الفائتة أيضاً. طاولت ضربات البرودة والثلج الولايات المتحدة، حيث التنافس الرئاسي جعل الاحتباس الحراري موضوعة رئيسة في المعركة السياسية، إلى حدّ متطرف أحياناً. ومن المستطاع قياس الطيف السياسي أميركياً بمقياس الموقف من الاحتباس الحراري. في أقصى اليمين، تقف سارة بايلن (الآتية من آلاسكا المتجمدة باستمرار) في رفض متشدّد لمقولة الاحتباس الحراري. ويليها مرشحو «حزب الشاي» الذين يرون في هذه المشكلة البيئية ضرباً من خزعبلات اليسار والحزب الديموقراطي.

يبدو نيوت غينغريتش أقل تطرّفاً، لكنه يشارك من هم إلى يمينه في تأييد شركات النفط ومصالحها التي قد تتضرّر في حال سارت أميركا بقوة في تبني الطاقات البديلة. ويبدو المرشح الجمهوري «المعتدل» مات رومني قليل الاهتمام بمشكلة الاحتباس الحراري، ربما لأنه لا يريد تنفير المتوجسين من الآثار البيئية المتّصلة بالتلوث الناجم عن الاستهلاك المفرط للنفط والفحم الحجري. في المقابل، يتبنى الرئيس باراك أوباما سياسة تقع البيئة ومشاكلها في صلبها. يؤيد أوباما انتقال أميركا إلى الطاقة الخضراء، ولم تقرّبه سنوات ولايته الأولى إلى شركات النفط، التي ما زالت ترفض أن تراه مرشحها. في المقابل، تعطي شركات نفطية (وبعض اليمين الأميركي)، كثيراً من التأييد لأوباما لأنها ترفض أن ترى أميركا معتمدة على نفط الشرق الأوسط، لأسباب متنوّعة.

تذكّر «دربان» وفشله

هذه الوقائع تحضّ على تذكّر مؤتمر الأمم المتحدة عن البيئة الذي استضافته مدينة دربان في دولة جنوب أفريقيا، أواخر السنة الفائتة. حمل المؤتمر اسم «كوب 17» COP17. (انظر «الحياة» في 3 كانون الثاني/ يناير 2012). وانتهى إلى فشل هائل في التوصّل إلى حلّ للمسألة الأساسية التي واجهها، وهي وصول «بروتوكول كيوتو» إلى أفق مسدود. لم يظهر بديل من «كيوتو» الذي يصل إلى نهايته هذه السنة.

وفي هذا السياق، تحدّث العالِم عمر العريني أحد أعضاء اللجنة المؤسسة لـ «صندوق المناخ الأخضر»، إلى «الحياة» عن المشهد البيئي في مرحلة ما بعد مؤتمر «دربان»، وأسباب الفشل في التوصّل الى اتفاق ينظّم انبعاث غازات التلوّث دولياً، على غرار ما يتضمّنه «كيوتو». وبيّن أن الدول الصناعية تريد أن ينفذ كل شيء بشروطها، من دون الالتفات إلى حاجات التنمية في دول العالم الثالث. وقال: «أعتقد أن نمط الحياة الغربي المسرف في الرفاهية والترف لن يتحمله كوكب الأرض طويلاً».

ووصف ما تسمى «تجارة الكربون» Carbon Trade، بأنها مفيدة نسبياً، لكنها غير مجدية دولياً، لأن الدول المتقدمة لا تبذل مجهوداً فعلياً في مسألة نقل التكنولوجيا إلى الدول النامية. وأشار إلى وجود علامات استفهام عن نوعية تكنولوجيا الطاقة التي تقترحها الدول الصناعية، وكــــذلك مدى مواءمتها ظروف الدول الـــنامية التي تحـــتاج إلى مشاريع كبيــرة في إطــار التكيّــف مع تغـــيّر المناخ.

وفي هذا السياق، التقت «الحياة» الدكتور محمد عز الدين الراعي، وهو باحث في «لجنة الأمم المتحدة عن تغيّر المناخ» التي تشتهر باسمها المختصر «آي بي سي سي» IPCC.

ووصف الراعي عدم التزام الدول المتقدمة بتمويل مشاريع التكيّف مع تغيّر المناخ في الدول النامية، بأنه مأساة متطاولة، إذ لم تلتزم الدول الصناعية تمويل «صندوق المناخ الأخضر»، كما تتعنت في قبول ما يترتب على مسؤوليتها تاريخياً في تلوّث المناخ والتسبّب بالتغيّر فيه. ورأى الراعي في تجارة الكربون وشهاداتها، فرصة للدول المتقدمة لتزيد في استغلالها الدول النامية، التي تفتقد غالبيتها إلى الخبرة والإمكانات لتحديد مصالحها بعمق.

ودعا الراعي الناس إلى التحرّك في شكل فردي لخفض انبعاث غازات التلوث عبر ترشيد استهلاك النفط والغاز والفحم الحجري، والتوجه إلى الطاقات المتجددة. وحضّ الدول النامية على التعامل مع تغيّر المناخ عبر نُظُم مؤسساتية ترتكز على التكنولوجيا والبحوث العلمية المتعمّقة.

في سياق مُتّصل، ذكر تقرير صدر أخيراً عن «وكالة الطاقة الدولية» أن استخدام الكهرباء في الإضاءة يستهلك خُمس طاقة الكهرباء، كما ينفث 6 في المئة من غازات الاحتباس الحراري.

وتحدّث عن مبادرة مشتركة لـ «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» و«مرفق البيئة العالمي»، تهدف إلى التخلص من وسائل الإضاءة التقليدية، ونشر المصابيح الخفيضة الاستهلاك للطاقة. وأورد التقرير أن جنوب أفريقيا تستطيع إضاءة 4 ملايين منزل بالكهرباء التي تأتي من استعمال هذه المصابيح.

وتشارك في هذه المبادرة 25 دولة نامية. وتحتوي المبادرة خططاً لإنشاء نُظُم لجمع مصابيح الإنارة وإعادة تدويرها. ومن المزمع تقويم نتائج هذه المبادرة في «قمة الأرض» التي تستضيفها مدينة «ريو دي جانيرو» (البرازيل) في 2012.

المرأة حبل إنقاذ للمناخ

تناول تقرير «وكالة الطاقة الدولية» المذكور آنفاً، البعد النسوي في الشأن البيئي. ورصد أوضاع المناخ وتأثيرها في حياة النساء، مستنداً إلى تجارب تراكمت بين عامي 1999 و2008. وأورد أن الفيضانات أثّرت في بليون شخص في آسيا و28 مليون شخص في الأميركتين و22 مليوناً في أفريقيا و 4 ملايين في أوروبا. وأوضح أن المرأة هي الأكثر تأثراً بتغيّر المناخ والكوارث الطبيعية، خصوصاً أنها مسؤولة عن قرابة 6 في المئة من إنتاج الغذاء في آسيا، و75 في المئة منه في أفريقيا. ولكنها الأكثر عرضة لخسارة حياتها في أحوال الكوارث، خصوصاً النساء اللواتي يقطنّ الجبال. وتشكّل المرأة ما يتراوح بين 40 و50 في المئة من قوة العمل في الزراعة. وإذا ما أتيحت لها وسائل الإنتاج والتكنولوجيا المناسبة، فتستطيع المرأة أن تزيد إنتاجها بما يتراوح بين 20 و30 في المئة، ما يُترجم زيادة في الأمن الغذائي في الدول النامية بـ4 في المئة.

وأوصى التقرير أيضاً برفع قدرات المرأة في التقنيات المتّصلة بالري والتعامل مع المياه والأمطار، داعياً إلى الاعتماد عليها في عملية استبدال بدائل أخرى صديقة للبيئة بحرق الأخشاب.

وفي سياق متصل تناول تقرير أصدره «برنامج الأمم المتحدة للبيئة» بالتعاون مع مجموعة من الجهات العلمية أخيراً، تأثيرات تغيّر المناخ في أنماط الحياة والأمن الغذائي في منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا. وفي هذه المنطقة، رصد التقرير تقلّباً في معدل هطول المطر، بالترافق مع زيادة الجفاف والحرارة، أثناء الأربعين عاماً الماضية.

وخلص التقرير إلى أن الفيضانات تزايدت في العقدين الأخيرين، ما خلخل توازنات البيئة في في مناطق واسعة من جنوب بوركينا فاسو وغرب النيجر وشمال نيجيريا. ولاحظ أن الفترة بين عامي 1970 و2006، شهدت ارتفاعاً في الحرارة بمقدار درجة واحدة مئوية في معظم هذه المنطقة، لكنها وصلت إلى درجتين في موريتانيا وشرق تشاد وشمال مالي.

مي الشافعي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...