سجون «الثورة» في إدلب: خارج الرقابة.. خارج الحياة

17-11-2016

سجون «الثورة» في إدلب: خارج الرقابة.. خارج الحياة

خلال عقود من الزمن، اشتهرت عدّة سجون حكومية سوريّة بسمعتها السيئة، وكانت متفرّدة على الساحة المحلية حتى العام 2012 عندما بدأت تتناقل ألسنة الناس أسماء سجون جديدة بعضها حمل أسماء فصائل «ثورية» بعينها ولدت آنذاك، وبعضها كان عبارة عن غرفة صغيرة ضاقت بعشرات السجناء الذين كانوا يسمون آنذاك «مختطفين».
في العام 2014 ومع سيطرة الميليشيات وفصائل المعارضة المتشددة على جزء واسع من الجغرافية السورية، وضعت يدها على بعض السجون التابعة لوزارة الداخلية السورية، واستحدثت سجوناً جديدة خاصة في ريفي إدلب ودمشق.دوار السبع بحرات إدلب (بلال سليطين)
أشهر سجون المعارضة في سوريا هي «التوبة» في ريف دمشق، و «حارم، الزنبقي، المركزي» في محفاظة إدلب، وهي سجون يُحتجز فيها آلاف الأسرى، بعضهم من الجيش السوري ومدنيون محسوبون على الحكومة السورية، والبعض الآخر أسرى من فصائل أخرى تم أسرهم خلال معارك بين الفصائل في ما بينها، إلى جانب مواطنين مدنيين من المناطق التي تسيطر عليها هذه الفصائل تم اعتقالهم لأسباب مختلفة على رأسها الاختلاف الفكري.
عدنان، مواطن من محافظة إدلب تم اعتقاله مع شقيقه في العام 2015 من قبل «جيش الفتح»، عقب سيطرة الأخير على المدينة، وسيق إلى السجن «المركزي» في المحافظة، حيث تم احتجازه فيه لبعض الوقت قبل أن يتم نقله إلى سجن آخر في الريف.
مصير السجناء مجهول
 تقول والدة عدنان إنها أمضت لياليَ في البحث عن ولديها، قبل أن تعرف مكانهما وتذهب للاطمئنان عن أحوالهما في السجن.
عند باب السجن، قوبلت الأم بوجوه ملتحية ومتجهّمة، لم يجب أصحابها عن أي سؤال، فعادت إلى المنزل من دون إجابة تبرّد قلبها، بعدها عاودت الكرّة بصحبة ابنتها إلى أن لانت قلوب الحراس حسب تعبيرها، بعدما جفت دموعها أمامهم وبحثوا لها عن ابنها في جدول كتبت فيه الأسماء بحسب الأحرف الأبجدية، حيث تأكدت من وجود نجليها داخل السجن.
الزيارة ممنوعة
43 يوماً أمضاها الابنان في السجن، مُنعت عنهما الزيارات نهائياً، تقول الأم إنها توسلت السجّان كثيراً للسماح لها برؤية ابنيها لكن من دون جدوى، بينما يقول عدنان إن أحداً من زملائه في السجن لم يحصل على زيارة طيلة فترة وجوده هناك، حيث يمنع السجين هناك من رؤية أحد غير زملائه في السجن والسجانين.
الاعتقال وظروفه
 اعتقل عدنان وشقيقه أثناء توجههما من مدينة إدلب إلى ريفها عقب سيطرة «جيش الفتح» على المدينة في آذار 2015، لم يكن لديهما تهمة محددة لحظة الاعتقال، فالأول موظف حكومي والآخر صاحب دكان، وقد أوضحا لمن اعتَقلهما أن سبب مغادرتهما للمدينة هو الخشية من أن تتعرض للقصف.
نُقل المعتقلان مع العشرات إلى منطقة تعج بالمغاور والكهوف وفيها أعلام متنوعة وجلادون كثر، يقول رائد وهو من بين المعتقلين «في تلك الليلة طلب منا أن نخلع كل ثيابنا، كان الطقس بارداً جداً، لقد تجمدت أطرافي وأصبت بالمرض في ذلك اليوم».
تعرّض عدنان ورفاقه للجلد عشرات المرات في السجن، يقول إنه «قبل كل جلسة تحقيق، هناك وجبة من الجلد الموجع، بعدها أذهب معصوب العينين للتحقيق ولا أرى المحقق نهائياً، لكنني لطالما سمعت أصوات أشخاصٍ بجانبه يقومون بتلقينه معلومات عني وعن عائلتي، حتى كنت كلما أثبت عدم صحة تهمة ما، اختلقوا لي تهمة جديدةً، وكلما شعروا بالضيق، استخدموا التهمة الجاهزة وهي تأييد النظام، وكانت هذه تهمتي الأخيرة على اعتبار أنني لم أقدم استقالتي من وظيفتي الحكومية».
إلى جانب عقوبة ما قبل التحقيق، هناك عقوبات جماعية، يقول يزن الموجود في تركيا حالياً إنه تعرّض للجلد قرابة 20 مرة أثناء فترة اعتقاله، «خلال الضرب كان يطلب مني الاعتراف بأفعال لم أرتكبها ولا أعرفها، ويسألونني عن أشخاص آخرين، وعندما أعترف على أحد يتوقف الضرب، وقد اعترفت على الكثيرين واعتقلوا جميعهم وجلدوا معي رغم أننا جميعاً لم نرتكب الفعل الذي اعترفنا عليه وهو تأييد حركة حزم».
ويشير يزن إلى أن عشرات المعتقلين من الحركة موجودون في سجن «الزنبقي» منذ ثلاثة أعوام تقريباً، ويعيشون واقعاً مأساوياً، كما أن بعضهم تم إعدامه في السجن، إلا أن العشرات هم على قيد الحياة.
سجناء «الجيش الحر» الذين اعتقلوا خلال معارك أو خلافات مع شركائهم في المعارضة (النصرة، أحرار الشام، جند الأقصى ... إلخ) أيضاً بينهم المئات يتوزعون على سجون «حارم» و«المركزي» و«الزنبقي» الذي يعد أسوأ السجون وأخطرها على الإطلاق، فالمعتقلون فيه لا يرون الشمس طيلة فترة اعتقالهم، كما أنه ليس مجهّزاً كسجن تجهيزا جيدا، فقد تم تحويل القرية كلها إلى سجون بعد تهجير أهلها، بينما باقي السجون تعد أفضل حالاً على اعتبار أنها بنيت لتكون سجوناً حكومية قبل سيطرة (الثوار) عليها حسب تعليق أحد الناشطين في إدلب.
نظام السجن
 سجن «الزنبقي» يعدّ من أخطر السجون، وفيه قرابة الـ1700 سجين من محافظات سورية مختلفة، وقد وزّعوا على العنابر حسب التهم والانتماء الديني أو الطائفي، مع الفصل التام بين الرجال والنساء، إلا أنه لا يحوي نقطة طبية ولا حمامات (للاستحمام)، ما يجعل المرضى يصابون بأمراض جلدية، يقول رائد إنه كان يحكّ جلده حتى ينزف دماً نظراً لقلّة الاستحمام وانعدام النظافة والدواء، حيث كان الاغتسال يتم في المراحيض.
ويؤكد رائد أن هناك سجناء من الجيش الحر في تلك السجون ماتوا بعد إصابتهم بالطاعون.
أما عن الطعام، فهناك وجبتان رئيسيتان يومياً، واحدة عند الثانية عشرة ظهراً والثانية عند التاسعة مساءً، يقول رائد إن الإفطار عبارة عن بطاطا والغداء الليلي معدّ من البرغل، وهو طعام قليل جداً لم يكن يكفينا لكنه كان كفيلاً بإبقائنا على قيد الحياة.
المحاكمات
 يؤكد أغلب السجناء الذين التقينا بهم أن أغلب السجناء في سجون إدلب على اختلاف الفصائل التي تسيطر عليها، ليس لديهم جرم قتالي ضدها ولا حتى جرم قانوني، بل جرائم اختلاف أو تقرير مدسوس من شخص كان السجين على خلاف معه في الحياة العامة وقرر الانتقام منه عبر اتهامه بتهمة ما كالكفر مثلاً أو تأييد النظام ... إلخ.
آلية الاعتقال العشوائية تتوافق وآلية المحاكمات العشوائية أيضاً، وإن كان الادّعاء بأن المحاكمة تتم وفقاً للشرع، إلا أن هذا الشرع مرن جداً في بعض الأحيان ومتشدد في أحيان أخرى.
يقول عدنان إن الشيخ بإمكانه أن يفك حبل مشنقة بقرار شخصي منه، فإذا تدخل أحد الشيوخ من أجل إطلاق سراح سجين، ليس عليه سوى أن يفتش عن آية أو حديث مناسب للحالة ويستخدمها حجة أمام السجان لكي يتم إقناعه بها وبالتالي إطلاق سراح السجين حتى ولو كان حكمه الإعدام، وحتى لو كان مرتكباً لجرم كبير يستحق العقوبة عليه وقد ألحق أذىً بالغير.
وهناك طريقة أخرى بحسب عدنان الذي تنقل بين سجني «الزنبقي» و «المركزي» في ادلب، وهي الطريقة التي خرج بفضلها، وهي تعتمد على وساطة أحد المقاتلين المتقدمين من جبهة «النصرة» أو «أحرار الشام» وهما من أقوى الفصائل في إدلب، فبهذه الوساطة يخرج السجين بسهولة وعلى الفور، لكن عدنان واجه مشكلة بعد إطلاق سراحه بأن المقاتل الذي أخرجه من السجن طلب الزواج من شقيقته، ما دفعه وعائلته لمغادرة إدلب على الفور بعد خروجه من المعتقل.
وهناك وسيلة أخرى، تعتمد على دفع المال، لكن لا تعتبر رشوة بل دعماً للثورة وهي محصورة بمن لديه المال وهم قلّة في هذه المرحلة، حيث يأتي والد السجين مثلاً إلى أحد القياديين في الفصيل المشرف على السجن، ويقول له أريد التبرع للمجاهدين بمبلغ كذا وبعد أن يتبرع يطلب إطلاق سراح ابنه ويتم الأمر بكل يسر وسهولة.
الرقابة على السجون
 لا تخضع هذه السجون التي باتت أعدادها كثيرة جداً لأي رقابة إنسانية، حتى أن أحداً لا يجرؤ على الاقتراب منها أو السؤال عما يحدث في داخلها، وسط واقع مأساوي يعيشه السجناء في داخلها، ما يجعلها أشبه بالقلاع المحصنة ضد الرقابة والإنسانية.

بلال سليطين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...