رداءات سينمائية لمشاهير في مهرجان «كانّ»

08-06-2013

رداءات سينمائية لمشاهير في مهرجان «كانّ»

لن تنقضي لوثة الدورة الـ66 (15 ـ 26 أيار 2013) لمهرجان «كانّ» السينمائي بيسُر. أفلام مسابقاتها وخاناتها المرموقة باتت في عهدة مهرجانات دولية أخرى، حيث سيكون مئات الآلاف من مشاهديها على مواقيت مع عناوين هزّت الـ«كروازيت» حينها. توجّب على طواقم لجان اختياراتها انتظار العروض كي تحكم وتنتقي، لكن مفاجآت كانت بانتظارهم، إذ أن أسماء كبيرة خذلتهم، وأتت أفلامهم رداءات سينمائية غير متوقّعة. أولّهم الأميركي لقطة من «المهاجرة» للأميركي جيمس غراي جيمس غراي، الذي قدّم «المهاجرة» (المسابقة الرسمية)، وصدم الجميع بعمل هشّ ومفتعل وبليد الدراما. حكاية مكرورة، صيغت بأقل قدر من الخيال حول الشابّة إيفا (أداء سيئ للفرنسية الموهوبة ماريون كوتيار)، الساعية إلى حياة أفضل في أميركا، تنتهي بائعة هوى على يدي الخسيس برونو فايس (يواكيم فينيكس) الذي استغلّ وحدتها، إثر انفصالها عن شقيقتها ماجدا المحتجزة في جزيرة «إلس» بسبب السلّ الذي عبث برئتيها. يسرد غراي لوعة بطلته وخيباتها ومهاناتها تورية عن جَوْر اجتماعي لا يرحم، ومثله قانون لا يُنصِف غرباء جاهلين بمصائرهم في مدينة وحشية، حيث العواطف ميتة، والضمائر متحجّرة.
مَنْ آلف تحية مواطنه إيليا كازان لبطله الشاب الأرمني، الذي يكتشف قوّة شكيمته في «أميركا، أميركا» (1963)، أو مرارات سوء الظن التي تواجهها بطلة فيلم الدنماركي الطليعي لارس فون ترير «دوغفيل» (2003)، أو اشتراطات القدر التي تحاصر العائلة المهاجرة، وبرفقتهم شابة غامضة الأصول، في «البوابة الذهبية» (2006) للإيطالي إيمانويلي كرياليسي، وعلى منواله الفيلم الباهر للإيرلندي جيم شيريدن «في أميركا» (2002)، يكتشف حجم رداءة ميلودرامية غراي التي صوّرها باحتفاء مبالَغ به الإيراني ـ الفرنسي داريوش خوندجي. فإيفا، التي تسرق ورقة مالية كي يُلقي عليها القوّاد برونو خطبة أخلاقية عن الأمانة(!)، تقف ببلاهة عندما يتضح لها أن دعارتها قدر يتوجّب عليها المرور به من أجل اجتماعها ثانية بشقيقتها. أكاذيب هذا الساقط لن تدفعها إلى التمرّد أو الاحتجاج، بل يتوجّب عليها الانتظار حتى يختلق غراي شخصية الشاب النبيل أورلاندو (جيرمي راينر)، ليكتمل الثلاثي الدرامي البائخ المصير. يُقتَل الأخير كفدية اجتماعية لقسوة نيويورك التي لن ترحم ملاكاً مثل صنفه، وتُعمّد المجرم برونو بدمه كاستحقاق ساذج لعدالة يستيقظ ضميرها فجأة، قبل أن يُحقّق هذا الضمير الأجوف لقاء الأختين.
قبل عامين، هزّ المخرج الدنماركي نيكولاس ويندينغ ريفن ليالي «كانّ» بعمل فذّ، دار حول انتقام شاب من عصابة استهدفته إثر فشل عملية سطو، في «قيادة». كانت مشهديات الممثل الكندي راين غوزلينغ استعادات باهرة للراحل ستيف ماكوين، واختزال أداءاته الشهيرة. كلّ هذا غاب تماماً عن جديد ريفن «الله وحده يغفر»، الذي استعارالعنوان من «إصحاح يوحنا»، في مسعى إلى إضفاء بُعدٍ ميثولوجي على حكاية قصاص دموي بين بطل شبه أسطوري (غوزلينغ) يجول في أماكن مستلّة من رؤى جحيمية في بانكوك، وتشانغ (فيثايا بانسرينغارم) المعروف باسم «ملاك الانتقام»، وهو قائد شرطة ذي مسوح إبليسي يقطع أعداءه من دون رحمة، ويعظ أتباعه عبر أغانٍ حزينة. لا شيء خارقاً يحدث في نصّ ريفن، قبل وصول الأم السليطة اللسان والمتفاخرة بفجورها (كريستين سكوت توماس)، الساعية إلى تحريض الأخ الأصغر على الانتقام من قتلة شقيقه، الذي اغتصب فتاة وصفّاها في لحظة اختبال. تبقى الدائرة الدرامية لـلعمل محدودة القيمة والتأثير، عوّضها ريفن بمطاردات وأحلام وأعضاء بشرية مقطّعة، وبدماء كثيرة، ومشهديات ملوّنة (تصوير لاري سميث، الذي أنجز له «برونسون» في العام 2008). لن يصل هذا الفيلم الى مصاف تشويق باكورته «مهرّب» (1996)، أو ميتافزيقية «بعث فالهالا» (2010). ذلك أنه خيط واهٍ من موت لن ينتهي إلى قناعة او استكفاء. الربّ لن يغفر خطايانا إلاّ يوم الدينونة، بينما يبدو فيلم ريفن غير معنيّ البتة بترتيب حكايته حسب هذا المنطق وميعاده.
هذا الميعاد واشتغاله الرديء، هو بطل جديد المخرج الياباني المعروف بغزارة إنتاجه تاكاشي ميكي «درع من قشّ»، المقتبس عن رواية شهيرة لكازوهيرو كيوتشي. بدلاً من التركيز على مفارقة الانتقام الجماعي من سفّاح شاب اغتصب تلميذات صغيرات وسفك دماءهنّ ببرودة أعصاب، مال ميكي إلى مبالغة المطاردات وتشويقها بأسلوبية هوليوودية مفخّمة، انتزع منها منطق القصاص وتبريراته. في كلّ مشهد، هناك مفاجأة. وفي كل خيانة، هناك إثم شخصي. ذلك أن الجميع لا يسعون إلى دم القاتل وجسده، بل إلى الحصول على مبلغ مليار ين خصّصها مليونير نافذ كمكافأة لتصفية المجرم الذي خطف حياة حفيدته، ودنّس شرفها. لن يُخفي ميكي ولعه بدوره الجشع وسقوط الذمم أمام سطوة المال. بيد أن رداءة فيلمه قامت على منابزات شخصيات كثيرة ومسطّحة، بالإضافة إلى بطولية معروفة النهاية لأربعة ضباط شرطة كُلِّفوا بجلب القاتل إلى طوكيو عبر مسافة 1400 كيلومتر.

زياد الخزاعي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...