دراسة دولية تبيّن ارتباط العيوب الخلقية بالآلـة الحربيـة الإسـرائيلية فـي غـزة

07-03-2012

دراسة دولية تبيّن ارتباط العيوب الخلقية بالآلـة الحربيـة الإسـرائيلية فـي غـزة

العدوان الصهيوني المتواصل على قطاع غزة، حصد ولا يزال أرواح شهداء كثر تتذكرهم غزة بالأسماء. لكن آلة الاحتلال العسكرية، تحصد أيضا من الضحايا من لا يحفظ اسمه في سجلّ، ولا ينسب موته أو آلامه إلى ممارسات الاحتلال. أو على الأقل هكذا كان. باولا ماندوكا، بروفيسورة علوم الجينات في جامعة جينوه الايطالية، والتي التقتيناها بعد عرض ملصق مقال لها ينشر في مجلة «لانست» الطبية العالمية، خلال المؤتمر الثالث لـ«ائتلاف لانست لصحة الفلسطينيين» في بيروت، بدأت في غزة عملا شاقا لاحصاء إشكاليات الولادة والعيوب الخلقية وفهم طبيعة ارتباطها بالعدوان الاسرائيلي.طفلان فلسطينيان بين المخلفات الصناعية في منطقة أغرقتها مياه الأمطار في وسط قطاع غزة الأحد الماضي (أ ب أ)
لا يزال المشروع في مراحله الاولى، ويحتاج إلى دعم متواصل لنقله إلى المستوى الاعلى والأشمل، لكنه بدأ فعلا في تسليط الضوء على واقع مغمور لضحايا عدوان يطال كل حيّ.
أطلق المشروع بالاتفاق مع وزارة الصحة في غزة في إطار التعاون الدولي. وعملت ماندوكا مع فريق عمل على تسجيل ولادات الأطفال في مستشفى الشفاء، أكبر مستشفيات القطاع المحاصر، وأكبر دار للتوليد فيه، بمعدل ولادة 13 ألف طفل كل عام في «الشفاء».
وخلال فترة 5 أشهر، جمع فريق العمل معلومات ديموغرافية، عن صحة الطفل، والعائلة لـ4 آلاف مولود جديد. كما أضيف للتسجيل انطلاقا من الشهر الثاني معطى التعرض للفوسفور الأبيض المستخدم من قبل قوات الاحتلال بما يشمل 3 آلاف حالة ولادة.
لخمسة أشهر كان فريق العمل الذي يضم 5 أطباء ويعمل لمدة 18 ساعة يوميا، يسجل الولادات المبكرة، والاجهاض المتأخر، إضافة إلى العيوب الخلقية.
أولى النتائج التي تبدّت في هذه المرحلة المبكرة من الدراسة، وجدت نسبة عيوب خلقية تعادل الـ1.4 في المئة. وتقول ماندوكا إن هذه النسبة مرتفعة مقارنة بالبلاد غير الصناعية الأخرى مثل العديد من الدول العربية، علما بأن غزة لا تملك صناعات بالمعنى الفعلي وخصوصا بعد تدمير الاحتلال للصناعات القليلة المتبقية. نسب العيوب الخلقية في البلاد غير الصناعية هذه تتراوح بين 0.5 و1 في المئة.
لكن ماندوكا تقول إنها أدركت سريعا أن فريقها يسجل من العيوب الخلقية، أقل مما هو واقع فعليا، لأن مستشفى «الشفاء» تنقصه أدوات عديدة للتشخيص. ففي السجلات لم تكن حالات العيوب القلبية والتي تمثل عادة حوالي 30 في المئة من العيوب الخلقية في العالم، موجودة. والإشكالية تكمن في أنه في هذه الحالات الخطرة من العيوب القلبية إذا تم تشخيصها، يتم إرسال الطفل بشكل طارئ إلى العناية الطبية المناسبة من دون الاهتمام بتسجيل العيب الخلقي، وفي معظم الأحوال، تخرج الأم مصطحبة وليدها معها بعد ساعات قليلة من الولادة، في غياب الوقت وأدوات التشخيص المناسبة لأنواع من العيوب التي لا تظهر إلا بعد فترة معينة. لذلك تقدر ماندوكا بأن نسبة العــيوب الفعلية أعلى بحوالي 30 في المئة من النسـبة التي تم تسجيلها.
وفي ما يتعلق بالتعرض للفوسفور الأبيض، توصّل فريق ماندوكا إلى تقدير نسبة الأمهات اللواتي أعلنّ تعرضهن له نسبة 1.7 في المئة من أصل 3 آلاف. وبالنظر لمجموعة الأطفال الذين ولدوا بعيوب خلقية، فإن 27 في المئة منهم قد تعرضت أمهاتهم للفوسفور، و30 في المئة منهم تعرضت أمهاتهم للقصف بطريقة أو بأخرى. وتؤكد ماندوكا بذلك أن هــناك عنصر ترابط قوي بين التعرض لأحداث حربيـة والعــيوب الخلقية.
وإضافة إلى ذلك، يضاف إلى مصداقية الإحصاء أنه بالنظر إلى معطيات العائلات وحالاتهم الصحية ودراسة تردد العيوب الخلقية بين العائلات، يتضح أنه لا مؤشرات لعنصر جيني وراثي فعلي في العيوب ، وأن الأخيرة في معظم الاحيان «أحداث جديدة» متبعثرة في العائلة.
ولكي تكتمل حلقة الحصار الدموي على غزة، فإن مستشفى «الشفاء» مثلا، لا يمتلك ما يكفي من التجهيزات الطبية كما ونوعية، مما يؤدي إلى وفاة حوالي 50 في المئة من الذين يولدون بعيوب خلقية أو في ولادات مبكرة وما شابه، وينقلون إلى قسم العناية المركزة (3-4 في المئة).
تنقل ماندوكا بشاعة قبح المشهد الإنساني اليوم، حين ترى في مستشفيات ايطاليا أطفالا يولدون باكرا، بأوزان تقارب الـ500 غرام، ويتمكنون من النمو والحياة الطبيعية، فيما يحكم العجز في غزة على أطفال يولدون بـ3 أضعاف هذا الوزن، بالموت.
هذه الدراسة تبقى حتى الآن في مرحلة ابتدائية على الرغم من توصلها إلى نتائج فعلية ذات مغزى، في انتظار الدعم المناسب لاستكمال بحث يسلط الضوء، لا على جرائم الاحتلال ومقدرات العجز في غزة فحسب، بل أيضا على احتمالات العلاج والوقاية والتصدي لآلة العدوان التي تسعى بلا هوادة لقتل كل ما تبقى في غزة، أو تسميمه إن عجزت عن قتله.

مازن السيّد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...