حلب : جنون إسلامي وفوضى أفغانية

18-02-2013

حلب : جنون إسلامي وفوضى أفغانية

بدأت الكهرباء تعود تدريجياً إلى أحياء حلب، ومعها ستدور مضخات المياه وتعود المستشفيات لاستقبال المرضى، منهية بذلك مأساة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في سجل عذابات أبناء العاصمة الاقتصادية، التي أصبح مكتوباً عليها أن تعاني اضطهاد جميع الأطراف. لا مكان بات آمنا في حلب، حيث نصف المدينة ما زال بقبضة النظام ونصفها الآخر بقبضة مسلحي المعارضة، مضافاً إليه الريف الذي تقول المعارضة المسلحة إنها باتت تسيطر على أكثر من 95 في المئة منه، بمختلف اتجاهات الريف وفي مقدمتها الجانب الحدودي مع تركيا. امرأة تجلس في شاحنة خارجة من حلب أمس (رويترز)
بمعنى آخر، هناك منطقة واسعة تحت حكم المعارضة أو بالأحرى تحت حكم ثلاثية الاستبداد والسلاح والفوضى. الوضع الإنساني لم يتحسن كثيراً، برغم أن الحدود مع الأتراك مفتوحة ويدخل ويخرج منها من يشاء وأولهم أركان المعارضة السياسية، الذين باتت حلب بالنسبة لهم وجهة سياحية يزورونها لالتقاط بعض الصور التذكارية وإلقاء بعض الخطابات ثم العودة من حيث أتوا. أما إدارة هذه المناطق فثمة فيها عشرات المجالس المحلية والمدنية وجسم قضائي هش، مقابل عشرات الكتائب المسلحة الموزعة بين من احترف السرقة والخطف وبين من ألبس حكمه رداء الشريعة الإسلامية وأصبح بموجب هيئته الشرعية يستدعي الناشطين ويصدر عليهم الأحكام بالسجن أو الجلد، ومن يدري ربما الإعدام قريباً.
حكم المعارضة بين الشريعة والبلطجة
بين جزء من المدينة ومساحات واسعة من الريف الحلبي، يمتد حكم المعارضة للمنطقة حيث تتمايز كتلتين من المعارضة المسلحة الأولى هي الجبهة الإسلامية التي تقود معظم العمليات ضد المطارات والقواعد العسكرية، فيما يبدو لافتاً أنها ترفض تسمية نفسها بـ«الجيش الحر»، بل إن عناصر من «النصرة» عمدت إلى اعتقال أحد الناشطين الإعلاميين في تلّ ابيض بسبب عدم ذكره «جبهة النصرة» في أخبار السيطرة على ريف المنطقة.
وتقود هذه الجبهة كل من «النصرة» مع عدد من الكتائب مثل «أحرار الشام» و«حركة الفجر الإسلامية» و«لواء التوحيد»، صاحب التعداد الأكبر والخارج حديثاً من الرعاية التركية – الإخوانية إلى الحديقة السلفية. وهي إذ تتلاقى مع «الجيش الحر» على ضرورة إسقاط النظام، فهي تتجه أبعد بإصرارها الواضح على ضرورة الخلافة الإسلامية وبناء الدولة الدينية. وبحسب ناشطين في هذه المناطق، فإن معظم المقاتلين هم من الريف الحلبي وكذلك ريف إدلب وريف حماة مقابل نسبة قليلة من ريف دمشق وحمص، فيما يبدو لافتاً انضمام سوريين مقيمين في الخارج إلى صفوف القتال، إذ يتركز المقاتلون العرب والقادمون من دول كأفغانستان والشيشان في صفوف القيادات أكثر. ولهؤلاء خبرتهم الواسعة في القتال، كما خبرتهم في إدارة بعض المناطق .
إلى ذلك، يتم تعيين مجالس محلية مهمتها إدارة المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة ولكن السلطة الفعلية تبقى لمن يحمل السلاح فهو وحده القادر على فرض ما يريد. أما الجسم القضائي والقانوني في حلب، فكان مسألة أساسية إذ أنشأت الهيئة الشرعية التي تضم عدداً من رجال الدين مع بعض القضاة الذين يعتبر وجودهم كتحصيل حاصل ،وفقاً لحديث ناشطين في المنطقة. أما أداء هذه الهيئة فقد يكون المثال التالي خير تجسيد له، فقد برزت قبل أيام حادثة استدعاء الهيئة لناشط يدعى وائل إبراهيم في حي بستان القصر إلى مقرها. وكانت التهمة في البداية «رفض الخلافة الإسلامية والتعامل مع النظام»، قبل أن يخرج في اليوم ذاته وقد حكم عليه بالجلد. لم ينقذ نفي الناشط الشاب التهم الموجهة إليه، لا سيما بعدما أضيفت لها تهمة إلقاء راية إسلامية على الأرض في إحدى التظاهرات وهو ما وثقه أنصار الهيئة الشرعية في مقطع فيديو وزع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وقد كتب عليها: الشعب يريد خلافة إسلامية.
لعل هذه الحادثة لن تكون سوى مقدمة لسلسلة حوادث تكشف حجم الاحتقان الذي قد ينفجر صراعاً في أي لحظة بين قوى علمانية تسعى إلى عدم صبغ سوريا بأي صيغة دينية أو عرقية محددة وقوى إسلامية ترى البلاد مملوكة لها دون غيرها وعلى الباقين واجب الطاعة، وإلا فالعقاب جاهز وثمة من سيهلل للأمر بسهولة. وبرغم ما سبق نجح أبناء الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة بتنظيم تظاهرات وجهوا خلالها رسائل واضحة إلى قادة الكتائب المقاتلة رافضين انتشار البلطجية واللصوص بين صفوف «الجيش الحر»، وهكذا هتف طلاب جامعة حلب وأبناء حي بستان القصر قائلين «يا للعار يا للعار شبيحة صاروا ثوار» و«يا للعار حرامية صاروا أحرار».
جامعة حلب وأطباؤها: هكذا نحب الحياة
لم يتأخر الحراك الطلابي عن باقي أشكال الحراك الشعبي في البلاد، وبرغم الأنشطة التي شملت مختلف الجامعات السورية الحكومية منها والخاصة فإن حراك جامعة حلب بقي متفرداً للحشد البشري الذي لا يهدأ أو لجهة الشعارات والهتافات التي لم تقف لجانب طرف دون آخر، مبتعدة عن هوية الدولة الدينية أو الإسلامية. ويشير هنا ناشط في الحراك الجامعي إلى أن الأمر ليس بجديد على جامعة شهدت منذ سنين عديدة نقاشات طالت العديد من الجوانب الاجتماعية في حياة السوريين، وبعضها طال الخطوط الحمراء في تلك الأيام. ولعل هذا سبب داعم للحراك الطلابي في جامعة ضمت بين جدرانها طلاباً من كافة المحافظات السورية وهو ما كان سبباً بدوره لاشتعال المظاهرات بوجود طلبة نقلوا إلى حرم جامعتهم ثورة مدنهم وقراهم ومظاهراتها السلمية فيما لم تتأخر المدينة الجامعية عن استضافة مئات النازحين من الأحياء الساخنة في المدينة قبل أن تطال الجامعة وطلابها وقاعاتها يد الموت الهستيرية في اليوم الأول لامتحاناتها. وبين رواية النظام عن انفجار سيارة مفخخة ورواية المعارضة عن قصف جوي، كانت الحصيلة طلاباً نالوا الشهادة قبل تخرجهم لتكون المفاجأة خلال أيام عودة زملائهم من جديد إلى كلياتهم وإتمام امتحاناتهم ولتعود الحياة من جديد إلى الجامعة التي يزيد عمرها عن نصف قرن.
الحياة بدورها لم تفارق القطاع الصحي في حلب، برغم كل الصعوبات من قطع للكهرباء ونفاذ الطاقة ومخاطر وصول الأطباء والعاملين في المستشفيات إلى مواقع عملهم، ومخاطر التفجيرات والقصف من جميع أطراف الصراع في المنطقة والذي لن يستثني المستشفيات. وبرغم كل ذلك استمر العمل في عدد كبير من مرافق المدينة الصحية، ولم تغلق الأبواب في وجه المرضى أو جرحى المعارك المستمرة. هكذا رفع العديد من ناشطي حلب القبعة لفريق المستشفى الجامعي في المدينة الذي لم يتأخر عن القيام بواجبه التام إزاء ما حصل في مجزرة الجامعة، شأنه شأن العديد من الأطباء رغم خطر الاختطاف والاغتيال الذي قد يطالهم من قبل أي من المسلحين في المدينة.
باختصار، ثمة صورتين مختلفتين في الشهباء الأولى تسعى لفرض أهوائها ولو بقوة السلاح وبراية الشريعة والثانية تحاول جاهدة منع انهيار منطقة تمثل تقريباً ربع البلاد، وتسعى في المقابل لإبقاء شريان الحياة مستمراً.

طارق العبد

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...